تستعد إمارة أبوظبي لاستضافة أسبوع الأنظمة ذاتية الحركة خلال الفترة من 10 إلى 15 نوفمبر المقبل، والذي ينظمه مجلس الأنظمة الذكية ذاتية الحركة، في حدثٍ يؤكد مكانة الإمارة الريادية ودورها المحوري في رسم ملامح مستقبل التكنولوجيا والتنقّل الذكي على مستوى العالم.
ولا يقتصر الأسبوع على كونه منصة لعرض أحدث التقنيات المتقدمة، بل يشكّل فضاءً تفاعلياً متكاملاً يجمع الحكومات والشركات والجامعات والمستثمرين، بهدف بلورة منظومة عالمية جديدة للنقل والحوكمة والاقتصاد القائم على الذكاء الاصطناعي والأنظمة المستقلة.
رؤية تصنع المستقبل
ترتكز ريادة أبوظبي في هذا الميدان على بصيرة مبكرة جعلت من الابتكار منهجاً للحياة والتنمية، واعتبرته طريقاً لتطوير الأفراد والتقدم، لا مجرد إنجاز تقني. ومن خلال سياسات واستراتيجيات وطنية راسخة، تحول هذا التوجه إلى واقع مؤسسي يرسخ مكانة الدولة بصفة عامة وأبوظبي بشكل أخص في قلب المستقبل، بدءاً من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031 مروراً بـاستراتيجية الحياد المناخي 2050 ورؤية أبوظبي الاقتصادية 2030، أرست القيادة الرشيدة بيئة تشريعية وتنظيمية وبحثية متكاملة، تحوّل التقنيات المتقدمة إلى واقع اقتصادي وتنموي ملموس. اليوم، لا تقتصر الأنظمة ذاتية الحركة هنا على المركبات البرية، بل أصبحت منظومة متكاملة تعمل عبر مجالات متعددة تشمل المركبات الأرضية الذكية، والطائرات الكهربائية العمودية، والأنظمة الجوية غير المأهولة، والقوارب ذاتية الإبحار، والروبوتات الصناعية والخدمية. وتستند هذه المنظومة إلى بنية رقمية متقدمة تعتمد على الاتصال عبر شبكات الجيل الخامس، وتكامل أنظمة الاستشعار والرادار والذكاء الإدراكي، لتتيح للآلات اتخاذ قرارات فورية مبنية على تحليل البيانات في الزمن الحقيقي. ومن خلال مجمع SAVI في أبوظبي، أصبحت الإمارة منصة عالمية لتطبيقات النقل الذكي وتطوير التقنيات المؤتمتة، بشراكات مع شركات مثل ويرايد، وأوبر، وآرتشر للطيران، وإي هانغ، وكي تو أوتو جو، في نموذج يجمع بين الجاهزية التقنية، والدعم الحكومي، والانفتاح على الاستثمار العالمي، ويجسد الانتقال من التجريب إلى التشغيل التجاري الكامل ضمن منظومة وطنية تصنع المستقبل ولا تنتظره.
منصة لتكامل العقول والتشريعات
يحمل أسبوع أبوظبي للأنظمة ذاتية الحركة أهمية تتجاوز حدود عرض التقنيات المتقدمة، إذ يشكّل منصة عالمية لتكامل المعرفة التقنية بالتشريعات الدولية، وترسيخ منظومة متوازنة تجمع بين الابتكار والمسؤولية.
وفي زمنٍ تتقاطع فيه علوم البرمجيات وهندسة المركبات والروبوتات وأنظمة الاتصالات، تبرز أبوظبي بدورها المحوري في توحيد معايير التشغيل والحوكمة الرقمية، وتنسيق الأطر القانونية لتبادل البيانات، وضمان سلامة القرارات الآلية في كلٍ من القطاعين المدني والصناعي.
ومن خلال هذا الدور، تؤكد الإمارة مكانتها كـ جسر عالمي يربط بين التقنية والتنظيم، ومركز رائد في صياغة مستقبل الأنظمة المستقلة وفق أعلى معايير الأمان والشفافية والمسؤولية.
والحقيقة أن هذا التوجه يعمق مكانة أبوظبي كمختبر عالمي لـحوكمة الذكاء الاصطناعي والثقة العامة في الأنظمة المستقلة. وبذلك، تتحول أبوظبي تدريجياً إلى مركز عالمي لصناعة النقل الذكي، مستفيدة من بيئة استثمارية مرنة وتشريعات واضحة. ويمثل مجمع SAVI ركيزة رئيسية في هذا التحول، حيث يتكامل البحث العلمي مع التصنيع والاختبار في بيئة تشغيلية واقعية. ويتوقع أن يسهم المجمع بحلول عام 2045 بنحو 22 مليار درهم في الناتج المحلي الإجمالي، وأن يوفر 16 ألف وظيفة تخصصية، مع تصدير منتجات وخدمات بقيمة 15 مليار درهم سنوياً. إنه نموذج لاقتصاد المعرفة الذي يحول الابتكار إلى قيمة مضافة قابلة للقياس.
بناء القدرات وتوطين التكنولوجيا
تواكب هذه النقلة التكنولوجية برامج وطنية لتأهيل الكفاءات في الذكاء الاصطناعي والروبوتات والأنظمة المؤتمتة. فخلال الأسبوع، تستضيف جامعة خليفة بطولة كأس آسيا والمحيط الهادئ للروبوتات (RoboCup) بمشاركة أكثر من 1900 متسابق من 25 دولة، بما يعزز مكانتنا كمركز إقليمي للبحث والتطوير والابتكار العلمي. كما أن ارتباط الجامعات مباشرة بالقطاع الصناعي عبر برامج نقل المعرفة وإنشاء الشركات الناشئة، يدعم مفهوم الاقتصاد القائم على الابتكار المحلي.
مدن تعمل بذكاء وتتحرك بثقة
تضع أبوظبي نصب عينيها هدفاً طموحاً يتمثل في أن تكوk 2 من رحلات التنقل في الإمارة ذاتية القيادة بحلول عام 2040، مع خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 15% وتقليل الحوادث المرورية بنسبة 18%
وتُعد أنظمة القيادة الذاتية ركيزة أساسية في إعادة هندسة حركة المدن عبر تحسين كفاءة المرور، وتقليص زمن الرحلات، وتعزيز تكامل البيانات بين المركبات والبنية التحتية الذكية، بما يرسخ مكانة أبوظبي في طليعة المدن التي تتبنى حلولاً مستدامة للمستقبل. ومن خلال هذه الأهداف، لا تضع الإمارة سياسات نقل جديدة فحسب، بل تقدّم نموذجاً عالمياً لمدن المستقبل التي تسخّر الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسان وتعزيز جودة الحياة والاستدامة البيئية. وفي الوقت الذي لا تزال فيه العديد من العواصم والمدن العالمية في مراحل اختبار قدرات التشغيل الذاتي، تمضي أبوظبي بثبات نحو التشغيل الفعلي وتطوير الأطر التشريعية والتنظيمية الخاصة به، لتؤكد أن الريادة لا تُقاس بسرعة الوصول، بل بوضوح الرؤية وقدرة التنفيذ وصناعة الاتجاه العالمي للتقنيات المستقلة.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.