في عام زايد الخير، رائد الإنسانية والتواضع والعطاء، والمواقف الشجاعة، يحضرنا قول الشاعر العربي:
ملأى السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ
فهذا البيت يعبر بصدق عن الكثير من النماذج البشرية التي نصادفها في حياتنا اليومية. لأُناس استثنائيين جعلوا التواضع شعاراً لهم، وأسلوباً في التعامل عبر مختلف المواقف، بحكمة ورؤية تصغي للصغير قبل الكبير، و لاتغتر بمنصب أو جاه ، وإنما هدفها في هذه الحياة خدمة الإنسانية بكل ما في الكلمة من معنى.
وإن كانت السطور والقوافي لا تكفي لوصف هذا الفارس العربي الراحل ، لكننا قبل الدخول في تفاصيل الآثار الإيجابية الكبيرة للدور الوطني الذي قام به المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، في بناء دولة الإمارات العربية المتحدة، وتشييد صرحها الحضاري الكبير، لابد لنا أولاً من العودة الى بدايات الشيخ زايد الذي تميز بحسه الإنساني العميق، ومشاعر المحبة التي ربطت بينه وبين أبناء الإمارات، الذين يحلو لهم إطلاق لقب عيال زايد على أنفسهم،وذلك ما يعكس بقوة تلك العلاقة الإنسانية التي ربطت بين هذا القائد العربي الكبير وشعبه، ولكي نتبين ذلك الدور الرائد للقائد المؤسس الشيخ زايد رحمه الله، يبدو جديراً بنا أن نتوقف أولاً عند بعض المفاصل الهامة في مسيرة حياته الحافلة بالمواقف الإنسانية، ومواقف الشجاعة، التي جعلت منه رمزاً كبيراً ليس على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة، أو الإقليم وإنما على المستوى العالمي،وذلك بسبب حضوره الإنساني، ومواقفه الحكيمة، وكيف بدأت قصة حياته الحافلة بالعطاء .
منذ نعومة أظفاره أظهر الشيخ زايد، شغفاً كبيراً ومتزايداً بكل ما يمتّ إلى العروبة والإسلام الحنيف، وتشكَّلت شخصية القائد الملهم ، وتبلورت صفاته الفريدة، في فجر شبابه عندما كان في مدينة العين، واستمد الكثير من صفائها ورحابتها. واكتسب صفات الزعامة والقيادة السياسية التي اتسمت بها شخصيته الفذة، كما غلب عل شخصيته حبه الكبير للخير، والكرم والعطاء.
وذلك منذ الأيام الأولى لتسلمه منصبه كممثل للحاكم في المنطقة الشرقية، إذ عرف عنه الحكمة والإنسانية، فآلف بين القبائل بما اتسم به من حكمة وصبر، واستطاع أن يقدم نموذجاً مشرقاً لمحبة القائد لشعبه وإخلاصه لهم ،وكرمه الشديد نحوهم، فكان الأب والقائد والأخ الكريم في كل الأوقات والمناسبات.
ولعل ما ميز تلك الفترة التي عمل فيها الشيخ زايد في العين، بأنها كانت مرحلة هامة ، حيث اشتهر بشخصيته القيادية بين سكان المنطقة، وحظي بسمعة طيبة، وكان نموذجاً يُحتذى به في إدارة الحكم. وتمثَّلت مبادئ القيادة لديه في بناء الروابط القوية بينه وبين أفراد شعبه، والمحافظة على تلك الروابط. وكان يحرص على الإشراف بنفسه على تنفيذ الإصلاحات، وكان مجلسه مفتوحاً للجميع.، يتقاطر إليه أبناء المنطقة، لحل مشكلاتهم وخلافاتهم، بروح من الإيجابية والتفهم قل نظيرها.
وقد ساهمت سياسته الواعية هذه في تقوية مشاعر الأخوة بين المواطنين، ونشر روح التعاضد بين القائد وشعبه، وتنمية مباديء التعاون والشورى، حيث كان الشيخ زايد يتخذ قراراته بموافقة القبائل المختلفة وإجماعها، ويسافر إلى جميع المناطق القريبة والنائية؛ للاطمئنان على الناس، وتفقد أحوالهم، والسؤال عن حاجاتهم، ومشاورتهم، والاستماع إليهم قبل اتخاذ أي قرار، حتى ذاع صيته، وحظي بحب الشعب واحترامه، وكأنه فرد منه.، أي أنه كان قائداً شعبياً وإنساناً بامتياز.
وفي إحدى كتاباته سجّل ولفرد ثيسيجر الرحالة البريطاني الشهير الذي قطع صحراء الربع الخالي ووثّق رحلته الشهيرة تلك في كتابه “الرمال العربية” – بعض الانطباعات في كتابه عن لقائه الشيخ زايداً فقال: “إن زايداً رجل قوي البنية، لحيته بنية اللون، ووجهه ينمُّ عن ذكاء حادّ، وعيناه ثاقبتان قويتا الملاحظة، وهو يتميز بسلوك هادئ وشخصية قوية”، ويضيف: “لقد كنت متشوقاً للقائه ؛ فله شهرة واسعة في أوساط البدو الذين أحبوه لسلاسة أسلوبه غير الرسمي في معاملته لهم، ولعلاقاته الودية معهم، واحترموا فيه نفاذ شخصيته وذكاءه وقوته البدنية وإنسانيته ومواقفه النبيلة ، وكانوا يعبرون عن إعجابهم به فيقولون: زايد بدوي مثلنا؛ فهو يعرف الكثير عن الهجن، ويركبها مثلنا، وهو ماهر في الرماية، ويجيد القتال”. 4″ الارشيف الوطني” كما وصف هذا الرحالة أسلوب زايد في إدارة دفة الحكم فقال: “زايد رب أسرة كبيرة، يجلس دائماً للإنصات لمشاكل الناس ويحلها؛ فيخرج المتخاصمون من عنده بهدوء، وكلهم رضى عن أحكامه التي تتميز بالذكاء والحكمة والعدل”. وعندما تولى الشيخ زايد رحمه الله الحكم في إمارة أبوظبي في 6 أغسطس 1966 واصل الراحل الكبير رحلته الوطنية والإنسانية الرائعة ،حيث بدأ بتحقيق إصلاحات واسعة في البلاد، فور استلامه السلطة في أبو ظبي، فشرع في إقامة الكثير من المشاريع في مجال تطوير التعليم والصحة، وقضايا الإسكان لأفراد الشعب، كما أنه وضع برنامجاً ضخماً لعملية الإنماء.
كما واصل الراحل الكبير رحلة عطائه هذه عندما انتخب رئيساً لدولة الإمارات في ديسمبر عام 1971، ليكون أول رئيس للدولة الفتية مجسداً صورة القائد العروبي الوطني والقومي بكل ما في الكلمة من معنى. حيث وضع الإنسان في أولوية اهتماماته ، ليس في بلاده وحسب وإنما عربياً وعالمياً.
ولعل أوضح صورة لهذا الانتماء العروبي الأصيل هو مواقفه المؤيدة للأشقاء العرب ولا سيما في اليمن، ومد يد العون لهم فجسد شرف الانتماء والوعي بالتاريخ، عندما اعاد بناء سد مأرب باليمن وأقام الطرق في هذا البلد الشقيق.
والأيادي البيضاء للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وعطاياه كثيرة لدرجه يصعب حصرها، أو قصر الحديث عنها في مجرد أسطر .
ناهيك عن أنه أسس بجد لنهج العطاء الإنساني الذي سار عليه أبناء شعبه ،”عيال زايد” كما يطيب لهم القول ،فمثلوا بعطائهم اللامحدود للوطن صورة ولا أروع للتضحية ، حيث قدموا أرواحهم لنصرة الحق في اليمن الذي شهد أكبر عطاءات الراحل الكبير، فاستشهد الكثير منهم على أرضه ، أو في المهمات الإنسانية التي كان الراحل الكبير ،رائدها الأول .
أخيراً وليس آخراً لابد لنا من توجيه التحية والتقدير لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ،وإخوانهما حكام إماراتنا الغالية ، ولروح الراحل الكبير الباقي فينا ولأرواح شهداء الإنسانية والواجب من أبناء الإمارات الأوفياء،الذين يستحقون لقب ” عيال زايد ” بكل جدارة. رحم الله الراحل الكبير و شهداء الوطن الغالي.
housani@hotmail.com
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.