محاسبة قطر بعد إيران… وإلاّ!

مقالات
فيصل العساف: كاتب عربي

 

 

في الواقع، هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها حصار إيران، لكنها الأكثر صرامة وتأثيرا ربما، خاصة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يضع قدميه راسخاً على أعتاب فترة رئاسية ثانية، ما يعني أن جمهورية الملالي ستواجه تحديات تختلف عما سبق، بالنظر إلى مدى جدية الإدارة الأميركية في التعامل مع الحال الإيرانية بوصفها حجر عثرة في طريق السلم والأمن الإقليمي والدولي. هذا بالإضافة إلى أن الصراع في حلبة النفوذ يبلغ أشدّه الآن: روسيا تشتمّ رائحة العظمة من جديد وتتقدم إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، والصين القادمة بسرعة من بعيد، باقتصادها وإمكاناتها البشرية والتقنية التي جعلتها أقرب إلى المنافسة على لقب الأقوياء من أي وقت مضى. وأميركا ترصد كل ذلك من علٍ، وفي جعبتها العديد من الأوراق التي تضمرها إلى حين، وأهمها “استعادة” إيران وثرواتها من مخالب الدب الروسي الذي يضع يده عليها منذ العام 1979.
تهديد أمن المنطقة، إما باستغلال ظرف ما سمي بـ”الربيع العربي” الذي مثّل لإيران ساعة صفر حصاد ما زرعته في الدول العربية والإسلامية، من أسباب الطائفية والاختلاف طيلة 40 عاما، أو بدعمها الإرهاب في شقيه الشيعي الذي يأتمر بإمرة “البليونير الفقيه” علي خامنئي، والسنيّ الذي تحتضن طهران عتاة منظريه من قيادات تنظيم “القاعدة”. هذه الأسباب جعلت من إيران هدفاً مشروعاً، حتى في نظر غالبية الشعب الإيراني التي باتت تترقب انطلاق رصاصة الرحمة والرأفة بها، على أمل أن تزيح عنها حمل عقود الإهمال التي جثمت فوق صدورها، ولا تزال ترزح تحت وطأة حديدها ونارها.
في هذا الخضم، نواجه سؤالاً ملحّاً يطرح نفسه على طاولة الأخذ بأسباب الحد من انتشار التطرف بأشكاله، وهو: بعد تضييق الخناق على إيران، من لـ”الحوثي” و”حزب الله” و”جبهة النصرة” و”داعش” و”حماس” والبقية؟ نعم، إنها قطر التي لا يحتاج تصنيفها كدولة راعية للإرهاب إلى دليل، إنما إلى إنصاف الملايين من المتضررين جرّاء وصايتها عليهم، وتدخلها السافر في شؤونهم، بإعلامها المضلل وأموالها التي تغدقها على الجماعات المسلحة بنيّة تمهيد طريقها نحو التربع على عرش الفراغ من خلال إشغال الآخرين بأنفسهم، إذ أن التوسع ليس في حسبان “تنظيم الحمدين” ولا يقوى عليه.

إذا كانت إيران – بحسب نائب رئيسها الأسبق محمد علي أبطحي- تزعم أنها بتعاونها مع الأميركيين تسببت في سقوط بغداد، فإن لقطر أن تبصم على حقيقة أنها السبب في تضعضع أركان باقي عواصم الدول العربية بتعاونها مع جماعات التأسلم السياسي الإرهابية، الأمر الذي يجعل من القول بحتمية القضاء على “تنظيم الحمدين” أمراً بديهياً، إذ أن تركه وأعوانه من دون حساب لا يمكن أن يستقيم وفكرة إقصاء الإرهاب، ولا مع الجهود المبذولة في سبيل وقف نزف الدم العربي على قارعة الأحلام الوردية التي رسمتها قطر، وظلت تسوق نفسها باعتبارها ضامن تحققها.

إن تجاوز “الحمدين” في معادلة نزع فتيل احتقان الشرق الأوسط برمته، يشبه محاولة إخماد حريق بأكوام من القش، قد تكتسحه وتغطيه للوهلة الأولى، لكن النار لا تلبث أن تستعر ملتهمة كل شيء.


تعليقات الموقع