حليف الإرهاب
في أزمة مفتوحة كحال الوضع في سوريا، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه الداعم الأول للإرهاب، ليس في سوريا فقط، بل بجميع الدول التي شهدت أحداثاً كبرى وتحديات مصيرية هددت وحدتها وشعوبها، ولكن الخطر في سوريا يبقى الأكبر لكونها دولة حدودية مع تركيا، وهو ما استغله أردوغان لأقصى حد ممكن خاصة حين حول بلاده إلى معبر وجسر لتسهيل وصول القتلة والمجرمين الإرهابيين من جميع دول العالم إلى سوريا، إذ كان يتم استقبالهم في المطارات وتأمين إدخالهم إلى سوريا ليرتكبوا المجازر ويقتلوا المدنيين ويسيطروا على ما أمكنهم من مساحات ومدن وأرياف، وكان كل صوت يحذر من مغبة هذا الجنون خاصة في الداخل التركي سرعان ما يتم اتهامه بالخيانة ويكون مصيره خلف القضبان، وفي تجاهل سافر للقوانين الدولية التي تجرم ما يقوم به، وعنجهية مقززة بدت أنها وصلت آخر مداها كان التحالف مع تنظيم “داعش” الإرهابي يتم علناً وتبين من خلال تسجيلات وتسريبات كيف كانت تركيا و”داعش” وجميع التنظيمات الإرهابية تتحالف لتحقيق أجندات تدميرية هدف من خلالها أردوغان إلى السيطرة على أراض سورية بحجة إبعاد وحدات حماية الشعب الكردي، لكنه كان عملياً يحاول أن يحقق أطماعاً تاريخية بالتوسع والهيمنة والاستيلاء على أراضي وحقوق الغير.. ورغم تحذير دول العالم من مغبة ما يقوم به أردوغان لكنه كان يرد دائماً بنيته فتح الأبواب أمام اللاجئين الذين كانوا ضمن استثمارات مخططه العشوائي، فلا هو يسمح لهم بالعودة إلى بلدهم ولا هو يتوقف عن عرقلة محاولات تطهير إدلب من الإرهاب، بل كان يعد للحظة التي يشكل بها جيشاً من المليشيات التي ترفع علم تركيا ومعظمها من “داعش” و”النصرة” والتنظيمات الإرهابية الإخوانية ليزج بها في عدوانه على سوريا.. لقد كان العالم يراقب بلطجة إرهابية وليست سياسات دولة كما يفترض، والمجتمع الدولي الذي يعمل على القضاء على الإرهاب تابع بشكل مباشر كيف يتم تمويل تلك التنظيمات وتأمين الملاذات لها وتسليحها وتمويلها، وهو في الوقت نفسه يتخذها ذريعة بحجة حماية أمن بلاده.. وبالتالي نصب أردوغان نفسه خصماً وحكماً وبدا أنه يلعب لعبة خطيرة جداً كل شيء فيها كرأس أفعى سام، فهو يستهدف سلب أراضي الغير ويهدد الأمن والسلامة والاستقرار الهش في المنطقة، ويعمل على تقويض كل ما قام به التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، عبر تجاهل التحذيرات من عودة “داعش” بسبب غزو الشمال السوري، وبالتالي إعادة الأمور إلى نقطة الصفر بمحاولاته التقدم لإطلاق الآلاف من الإرهابيين المعتقلين لأن نهج الوحشية التي لا تمت للسياسة بصلة جعلت أردوغان يعتقد أنه كلما جند المزيد من الإرهابيين سوف يكون ذلك دعماً أكبر لمخططاته العدوانية.. وفي النهاية العالم اليوم يواجه إرهاب دولة منظماً بكل معنى الكلمة والجميع مستهدف ويمكن أن يتضرر.
****
من المقزز أن نرى راعٍياً للإرهاب مثل أردوغان يستبيح بقواته وطيرانه والمليشيات التي جندها، من كانوا رأس حربة في اجتثاث الإرهاب من شمال سوريا، وبالتحديد من منطقة شرق الفرات، بحيث بات من المؤكد أن أحد أهداف العدوان استعادة الآلاف من الذين تم القبض عليهم وكان يجب تسليمهم لدولهم حتى تُتخذ بحقهم الإجراءات اللازمة، واليوم تستغل تركيا الأوضاع وتعمل على إعادة إطلاق الإرهابيين الموقوفين وكالعادة تتهم القوات الكردية بذلك!، والخطورة كبيرة جداً في هذا التوجه الآثم، بحيث من الممكن أن تشهد المناطق السورية المزيد من المجازر الوحشية على غرار ما جرى في العام 2014 عندما استباح التنظيم بدعم تركي مناطق واسعة من سوريا والعراق وارتكب آلاف المجازر كوباء يستهدف البشر والحجر والتاريخ وكل شيء، واستدعت خطورته تشكيل تحالف دولي حتى تم سحق “التنظيم” والخلاص من شروره، لكن ما أشبه الأمس باليوم مع ما يقوم به أردوغان من الدفع باتجاه إطلاق وحوش من أقفاصها لترتكب كل المجازر التي يرى فيها الرئيس التركي استثماراً لتحقيق مصالحه التي يعمل عليها، ومن هنا لم تجد إحدى الدول مانعاً من التلميح بإمكانية انسحابها من التحالف بعد سحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، والتي اعتبرت انتكاسة في الجهود الدولية، وفرصة ينتظرها أردوغان لشن هجومه الذي لا يعدو عن كونه مخططاً توسعياً يقوم على أطماع تاريخية.
***
كم هو مروع أن يتم تشكيل جيش من المرتزقة والإرهابيين الذين استقدمهم أردوغان من معظم دول العالم إلى سوريا ويواصل الاستثمار المعيب في الإرهاب لتحقيق أحلامه، وليتم إطلاقهم لتهديد قرابة 1.5 مليون إنسان يعيشون في تلك المنطقة، وكم هي مخالفة لأبسط المواقف الواجبة أن يكون بعض الساسة الذين يتحدثون عن الرغبة بحل سياسي ونراهم في الوقت ذاته ينحازون إلى هذا العدوان الآثم على حساب بلدهم، وهو العدوان الذي دانته أغلب دول العالم بأشد العبارات وحذرت من تداعياته ونتائجه على سوريا وجوارها والمنطقة، لكن الذين يقيمون في تركيا ويحملون جوازات سفرها أكدوا في مناسبة جديدة ارتزاقهم وزيف ادعاءاتهم.
أردوغان يرتكب الأهوال ويواصل عملية الابتزاز السياسي باتجاه القارة الأوروبية، خاصة أنه يتعامل بطريقة القمع مع كل رأي مخالف وبلغ به الوهم أنه لا يريد أن يسمع أي دولة تعارض جنونه الذي يرتكبه بحق مئات آلاف المدنيين في شمال سوريا والذين سقطوا ضحايا أهوائه قتلاً وجرحاً وتشريداً.
العالم غاضب من غازٍ لا يتوانى عن ارتكاب كافة الجرائم، في الوقت الذي يبدو أردوغان وقد رمى كل أوراقه كمقامر يعتقد أنه قادر على تحدي العالم، لكن الجنون والأوهام والبطش لم ولن تكون كافية لتمكن أردوغان من الهروب إلى الأمام وإسكات ملايين الغاضبين في الداخل التركي ذاته من سياسات يخطها ديكتاتور ويعتقد أنه من خلالها سوف يكون قادراً على مواجهة الجميع.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.