لبنان نحو الهاوية

الإفتتاحية

لبنان نحو الهاوية

لا يوجد صدى أقوى من صرخات الغضب الناجمة عن الجوع، وما تشهده مدينة طرابلس اللبنانية هذه الأيام حالة تامة لذلك، ورغم ما اعترى الاحتجاجات من أحداث مؤسفة، لكنها تعكس مدى التردي المعيشي الذي دفع الآلاف للنزول إلى ميادين وساحات المدينة بعد أن تبخرت كل الآمال بنقلة تحدث أي تحسن في مقومات الحياة الضرورية مهما كانت بسيطة.. لكن بالمجمل فإن ما يشهده لبنان اليوم هو نتيجة حتمية عندما تغيب الدولة بسلطاتها الواجبة وتتحول الكثير من مؤسساتها الرئيسية والتي يجب أن تكون سيادية إلى مقرات خالية من الفاعلية بوجود “دولة داخل الدولة”، وهو ما يشكله خطر “حزب الله” الإرهابي واحتكاره كل ما يتعلق بلبنان، وهذا ما تسبب بدوره في مواقف دولية لا يمكن أن تعمل على التعاون مع لبنان في ظل وجود مليشيات منفلتة تسيطر على القرار اللبناني بقوة السلاح غير الشرعي وتديره تبعاً لمصالح مشغليها الذين يريدون من لبنان أن يكون ورقة ضمن أجندة مدمرة باتت معروفة للجميع.
كل ما يجري في لبنان مختلف ويكاد يطيح بوجهه الحضاري، وهذا يواصل التراكم منذ سبعينيات القرن الماضي قبل أكثر من 50 عاماً، فالخلافات تسببت بالحرب الأهلية التي عمقت الشرخ الطائفي وإن استعادت تفاهمات “هشة” بموجب توافقات لم تبق مكاناً للفرص الجادة والحقيقية نحو إحداث إصلاح شامل يضع حداً للتدهور الذي بات عليه لبنان عبر سنوات طويلة من المعاناة، وذلك في غياب أي حلول جذرية أو خطط طموحة تكفل أكثر من الحفاظ على الحد الأدنى من التعايش في وجود طبقة سياسة قضت على كافة فرص وصول “التكنوقراط” إلى دوائر القرار على مدى سنين طويلة، بل بقيت الإقطاعيات السياسية والوجوه المعروفة في السياسة اللبنانية هي المتحكمة بكل شيء على حساب الصرخات الشعبية والمعاناة الناجمة عن عقم السياسات الجادة والهادفة والصادقة، فبات لبنان يعاني الكثير وانتقل من وجه مشرق في الشرق إلى دولة المليشيات المنفلتة التي تتوغل وتستحوذ بالقوة والترهيب على قرار لبنان واقتصاده وكل ما يتعلق به.
لبنان يحتاج إلى تغيير جذري شامل ليتمكن من صناعة حاضر أفضل، لكن هذا سيبقى مستحيلاً طالما بقي “حزب الله” الإرهابي وطالما كان لبنان أسيراً لجنون “الحزب” وانفلاته والأجندات التي يتم العمل عليها، وما يحدث في طرابلس عاصمة الشمال اللبناني وغيرها من احتجاجات عنيفة سببها قبل كل شيء الجوع والأوضاع الصعبة على وقع الكثير من الأحداث التي بينت أن السلطة الرسمية تكاد تكون في كوكب آخر، وانفجار مرفأ بيروت خير دليل على حجم الفساد والتردي القائم بالأوضاع، وبالتالي فإن متاهة الضياع وانعدام التفاهمات سيكون لها تبعات كبرى على بلد لا يزال أسيراً لإرهاب “حزب الله”، وصراع على الكراسي والحقائب، وطبقة سياسية تبدو عاجزة خاصة أن المواقف الدولية تصطدم بأجندات أدوات إيران في كل مرة تفكر بأن تمد اليد إلى لبنان، وبالتالي فإن كل ذلك قد يفاقم المعاناة ويتسبب في انهيارات أكبر للأوضاع يصعب التكهن بمداها على الصعد كافة.


تعليقات الموقع