صدر كتاب جديد بعنوان: “الدائرة المغلقة: الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين والخروج منها في الغرب” يلقي الضوء على تجربة الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا من خلال سلسلة من المقابلات حاور فيها الباحث عدداً ممن كانوا أعضاء في هذه الجماعة الإرهابية. ما يعطي قناعة بأنه نافذة علمية على مراحل تواجد تنظيم الإخوان المسلمين في الغرب.
الكتاب من تأليف الباحث المتخصص في شؤون جماعات الإسلام السياسي لورنزو فيدينو والذي يدير “برنامج التطرف” في جامعة جورج واشنطن، وهو يحاول من خلال إيجاد صلة أو رابط بين المسجد الموجود في مسقط رأسه بمدينة ميلانو الإيطالية الذي كان في مطلع التسعينات يمثل ملتقى لمئات المتشددين الذين جاءوا من مختلف دول العالم كي يجهزوا أنفسهم فيها للذهاب إلى البوسنة للقتال، وبين الأشخاص الذين يمولون ذلك المسجد أو المركز الإسلامي في تلك المدينة والشيء الذي لفت انتباه المؤلف في هذا المسجد -كما يقول- أن زعيم المقاتلين العرب الأجانب كان هو نفسه إمام المسجد.
تميز آخر يسجل لـ”تريندز” في تخصصه
ويتألف الكتاب الذي نقله إلى العربية مركز تريندز للبحوث والاستشارات، المتخصص في دراسات الإسلام السياسي، من إحدى عشرة فصلاً توزعت ما بين التعريف بجماعة الإخوان المسلمين في الغرب، وكيفية الانضمام إليها والأساليب التي يتبعها أعضاء هذا التنظيم الإرهابي في إقناع مواطني الدول الغربية للانضمام إليه ثم يتطرق إلى الأسباب والعوامل التي أدت إلى الانشقاق عن التنظيم بل والكفر به بالكامل، كما تحتوي بعض فصول الكتاب على تجارب شخصية من أعضاء في التنظيم في أوروبا وأمريكا الشمالية عاشها أعضاء هذا التنظيم خاصة وأن بعض من تلك التجارب كانت لقيادات من التنظيم مثل: كمال الهباوي الذي يعتبر من القيادات القديمة للجماعة حيث يبلغ من العمر العقد الثامن، ولعل من الأشياء التي يتميز به الكتاب أنه يقدم نظرة مستقبلية لجماعة الإخوان المسلمين في الغرب من واقع تلك السرديات والاعترافات.
وفيما يعتبر كتاب تميز جديد لمركز تريندز في مجال تخصصه من خلال وضع القارئ العربي بكل ما هو جديد بشأن الخطر الذي تمثله الجماعة، فإن المؤلف يلفت انتباه القارئ الغربي إلى أنه تفاجأ أثناء تجميعه للمعلومات عن مسجد ميلانو أن تمويل هذا المسجد لم يكن يأتي من المتشددين التقليديين الذين كان عددهم بالمئات وإنما كان من عدد من ممولين كان عددهم قليل جداً وهم في الأساس من منطقة الشرق الأوسط ولكن لديهم شبكة من الشركات والأموال والعلاقات مع النخب في المجتمعات الغربية والشرقية وفي مختلف دول العالم وهم مشهود عنهم بالدهاء في أوطانهم ومستقرون في الغرب منذ عقود هرباً من الملاحقات الأمنية وهم كذلك مضطلعون بأدوار حاسمة في إنشاء شبكة الإخوان المسلمين في أوروبا وأمريكا الشمالية وهم: يوسف ندا، وأحمد نصر الدين، وغالب همت.
الدقة التاريخية والمعرفة المكتسبة
وتميزت كل فصول الكتاب بالوصف الدقيق والتفاصيل المثيرة كونها كانت توازن بين الدقة التاريخية والروايات الشخصية للأعضاء السابقين الذين خدموا في الجماعة بحيث يمكن أن تكون كل شهادة عبارة عن فكرة متكاملة لموضوع محدد رغم أن الأشخاص الذين تم مقابلتهم تنوعوا بين من هم ينحدرون من أصول عربية والبعض الآخر من أبناء الحضارة الغربية. وقد كشف الجميع عن الأسباب التي دفعتهم إلى الانضمام للإخوان وعلى رأسها الشعور بالفراغ الإيماني والبحث عن معنى للحياة وكذلك إعجابهم بطبيعة الإنسان المسلم التي كان يراها من خلال التعامل الشكلي في وجوه الإخوان ولكنهم سريعاً ما اكتشفوا الحقائق عندما زاد عدد أعضاء الجماعة بسبب دخول العديد من أبناء القيادات الإخوانية الموجودة في الغرب في الجماعة وبالتالي بدأ الفرز وخلق “نخبة” من العائلات المتنفذة بالمال ما تسبب في إحباط العديد من الأعضاء خاصة النشطاء الذين لا ينتمون إلى الأسر البارزة وبالتالي جرى تهميشهم وإبعادهم من دائرة الصغيرة فكان سبباً للخروج منها بعدما فقدوا الأمل لأن يكونوا من القيادات.
الباحث ناقش الوجود الإخواني في الغرب على مدى تسعة عشرة عاماً وهي الفترة الزمنية التي حددها لبحثه، وذلك انطلاقاً من مدينة ميلانو ومن تجربة طويلة خاضتها الجماعة في تلك المجتمعات قبل أن تصل إلى المكانة التي وصلت إليها قبل أحداث ما كان يطلق عليه بـ “ثورات الربيع العربي” والتي كشفت عن ماهية الإخوان أيديولوجياً وأزماتها التي ظهرت إلى العلن بعد فترة طويلة من الاختفاء أو التخفي وراء الأفكار المتشددة حتى أثارت أسئلة لدى الباحثين تتعلق بطريقة إدارة الجماعة لسياستها وتجربتها وخلافتها من خلال تتبع مراحل الانتساب إلى الجماعة أو بالأصح تجنيد أفراد من المجتمع الغربي ثم الأشياء أو الأسرار التي اكتشفها الباحث من انضم إليهم والتي كانت الدافع الأول والأساسي للخروج منها خاصة وأن بعضهم كانوا قادة في التنظيم وقد وصلوا إلى مناصب تجعلهم يتمسكون بالتنظيم أكثر بدلاً من اتخاذ قرار الخروج.
الكتاب إضافة نوعية للمكتبة العربية
ولعل ما يجعل الكتاب إضافة نوعية في المكتبة العربية بعد أن أصبح مرجعية وشهادة لخطورة هذا التنظيم على المجتمعات الغربية، أن الباحث اعتمد على المقابلات الشخصية كأداة لجمع معلومات الكتاب من بعض الشخصيات باعتبار أنها إرث أو معرفة اكتسبها الشخص المنشق وبنفسه وبالتالي ما ينقله هي تجربته الواقعية وعليه فإن المعلومات تصنف بأنها أساسية ومن مصارها الأولية ثم أنها ستكون بلا شك حديثة كونها تعلن لأول مرة أضف إلى ذلك أسلوبه النقدي من أشخاص عايشوا التجربة على اعتبار أنهم كرسوا مرحلة طويلة من حياتهم لأجل قضية اعتقدوا أنها إنسانية ودينية ولكنهم اكتشفوا بعد فترة أنها خدعة وإن الهدف الأساسي ليس كذلك.
هدف الإخوان: إضعاف المجتمعات الغربية
وهناك تصرفات أو “ثيمات” أخرى خاصة للجماعة وتلفت نظر القارئ لتفاصيل الكتاب وهي يمكن أن تسجل باعتبارها إضافات جديدة من إرث الإخواني وهي: حالة العداء والمقاطعة التي يتعرضون إليها من ينشقون من الجماعة تصل إلى درجة الصدمة، بل يصل الأمر إلى إلغاء أي نشاط لأي عضو سابق يريد أن يقوم به في المساجد أو المراكز الإسلامية التابعة لهم والتي كانت يوماً ما مكان التفاعل بينهم. ومن تلك التصرفات غير الطبيعية أو غير المنطقية أنه يتم التدخل من أجل إقناع زوجات المنشقين بالانفصال عن أزواجهم بطريقة تبدو غير دينية وغير إنسانية.
ومن الروايات الواقعية في تفسير المنشقين أو الذين خرجوا من التنظيم شعورهم بأن هدف الإخوان النهائي: إضعاف المجتمعات الغربية والتسلل إلى المؤسسات العامة وتدمير المجتمع من داخله وأنهم يتظاهرون بالأساليب الديموقراطية التي هي من أسس المجتمعات الغربية ظاهرياً فقط، وهذا الوصف يتفق تماماً مع ما حصل مع المجتمعات العربية.
أسباب الانشقاق “التشكيك في قيم المجتمع، العنصرية والتمييز، الاستغلال”
وتمثلت مهارة مؤلف الكتاب في قدرته على أن يختلف عن الباحثين الآخرين أنه تناول أسباب الانشقاق من الجماعة في حين الآخرين ركزوا على أسباب الداعية للانضمام. ثم إنه استطاع أن يلفت القارئ إلى مبررات أعضاء الإخوان من الأوروبيين التي كانت تفسر الحالة الحقيقية للجماعة فعلى سبيل المثال بيير دوراني وهو مواطن سويدي كان قد تعرف عن الإسلام من جماعة الإخوان ولكن خرج بسبب اكتشافه أن أعضاء التنظيم يحاولون استخدام عفوية الإنسان الأوروبي في تمرير أفكارهم وأجنداتهم بل إنه ضحى بالكثير لانتشال نفسه من النفق الإخواني المظلم.
أما بيرنيلا أويس وهي سويدية أخرى فقد تخلت عن الإخوان لأسباب لها علاقة باستغلالها من الجماعة ولأسباب عنصرية الجماعة ضد الشعب السويدي حيث استغلوا المستوى التعليمي للأعضاء من السويد ومنهم بيرنيلا أويس نفسها في إقناع المحاورين السويديين والتشكيك في أسس المجتمع من خلال استخدام الأطر النسبية لتحقيق أهداف التنظيم رغم أنها غير حقيقية كما تراه داخل التنظيم كما تقول أويس: فلو أن أحدهم انتقدنا لمعاملة النساء في الإسلام، من حيث السلطة الأبوية، نثير على الفور مسألة معدلات الطلاق في السويد.
من الأسباب المهمة الدافعة للانشقاق من تنظيم الإخوان كما جاء في الكتاب هو ازدواجية التعامل مع أفراد المجتمع فمثلا إمام المسجد من أعضاء التنظيم يرفض دعوة الكبار في السن إلى الإسلام بحجة أنهم لن يتقبلوا الدين الجديد وأن الشباب هم الأنفع والأكثر مرونة كما أن في مقابل الزهد النظري على المناصب كان هناك صراع محتدم بين قيادات الإخوان بل يصل الأمر لأن ينظر أعضاء تنظيم الإخوان نظرة عنصرية إلى باقي المسلمين غير المنظمين معهم يحدث هذا في الوقت الذي يبدون شيئاً من القيم الإنسانية أمام الناس.
بل إن التحيزات العرقية كانت موجودة وبشكل واضح ضد الأعضاء من غير العرب سواء من الأوروبيين أصحاب الدول الأصلية وكانت هذه التحيزات أكثر وضوحاً ضد المسلمين الأفارقة من الصومال والإريتريين مع أنهم يروجون للأعضاء في الجماعة أن جميعهم كأسنان المشط ثم تكتشف أن ذلك غير صحيح بل إن قيادة التنظيم دائماً محصورة لدى الجالية العربية وهو ما ينفي تماماً إيمانهم بالديمقراطية.
الخاتمة
إن الروايات والقصص الموجودة في الكتاب التي رواها المنشقين كانت تعبيراً حقيقياً عن حالة من الاستياء الواسع داخل التنظيم في الغرب، ومع أنه لا يمكن الحكم على نهاية التنظيم هناك لكن يمثل تحولاً سلبياً مهماً لمستقبل الإخوان في المجتمعات الغربية التي كانت الحاضنة المهمة لهم في الكثير من المشاريع التخريبية للمنطقة.
كما سجلت الاعترافات أن التخلي عن الجماعة، بعدما كان هدفهم قبل الدخول فيه، كان يتبعه التخلي عن كل تنظيمات الإسلام السياسي بما فيها التنظيمات الأخرى التي تحمل أفكار جماعة الإخوان وبالتالي فيكون ترك الإيمان بهذا الفكر هي النتيجة النهائية.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.