اتجاهات مستقبلية
لقاحات كورونا .. والتحرك الإنساني المطلوب عالمياً
يمثل الموقف الذي عبرت عنه رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين قبل أيام، والذي أكدت خلاله أن الاتحاد الأوروبي حالياً ليس في وضع يتيح له التبرع بلقاحات فيروس كورونا مباشرة للدول الأكثر فقراً، أحد جوانب الأزمة الإنسانية التي يعاني منها العالم في إدارة أزمة جائحة كوفيد-19، والمتمثلة بالأساس في إعطاء الدول الغنية والمتقدمة الأولوية لشعوبها في توفير اللقاحات اللازمة لمحاصرة انتشار الفيروس فيها على حساب الدول الفقيرة والأشد فقراً التي لا تستطيع الحصول على هذه اللقاحات.
ورغم أن الموقف الأوروبي يبدو مبرراً نظرا إلى أن الحكومات بشكل عام تعطي الأولوية لتوفير الحماية لشعوبها أولاً قبل مساعدة الشعوب الأخرى، ناهيك عن تأكيد رئيسة المفوضية الأوروبية نفسها أن الاتحاد الأوروبي مستمر في تقديم الدعم المالي لمبادرة “كوفاكس”، التي دشنتها منظمة الصحة العالمية لمنح الدول الفقيرة اللقاحات، وأنه استثمر بالفعل 2.6 مليار دولار في هذه المبادرة؛ فإن هذا الموقف سيضعف من الجهود الدولية المبذولة لضمان وصول جميع الدول إلى اللقاحات في الوقت المناسب، ويعكس نوعاً من “الأنانية الوطنية” على حساب القيم الإنسانية العالمية.
وتتجسد هذه الأنانية أيضاً في إسراع بعض الدول الغنية والمتقدمة إلى التفاوض مع مصنعي اللقاحات للحصول على كميات إضافية منها بشكل أضر بمبادرة كوفاكس؛ وهو الأمر الذي دفع المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسو، إلى اتهام هذه الدول “بتقويض” نظام “كوفاكس” المصمم لضمان التوزيع العادل للقاحات ضد فيروس كورونا، قائلاً: “بعض الدول الغنية تقوم حاليا بالتواصل مباشرة مع المصنعين لضمان حصولها على جرعات إضافية من اللقاحات، ما يؤثر على العقود الموقعة مع كوفاكس. ونتيجة لذلك، تقلص عدد الجرعات المخصصة لكوفاكس”.
ولا تنفي هذه المواقف أهمية الجهود الأخرى التي تقوم بها منظمة الصحة العالمية، والتي بدأت في مطلع مارس الحالي بالفعل توزيع اللقاحات على الدول الفقيرة ضمن هدف يقضي بتوزيع جرعات تكفي لتلقيح 20% من سكان الدول المشاركة في مبادرة “كوفاكس” البالغ عددها 145 دولة بحلول نهاية 2021، وتلك التي قامت بها دول أخرى استشعرت مسؤوليتها الإنسانية وعملت على دعم التوزيع العادل لهذه اللقاحات عالمياً ومساعدة الشعوب الفقيرة في الحصوص عليها.
ويأتي في مقدمة هذه الدول دولة الإمارات العربية المتحدة التي سيرت خلال الأسابيع الماضية العديد من الشحنات المحملة باللقاحات لدول شقيقة وصديقة لها، كما عملت على تقديم العديد من المبادرات الداعمة لجهود تطبيق مبادرة “كوفاكس”، مثل مبادرة “ائتلاف الأمل”، التي أطلقتها أبوظبي في شهر نوفمبر 2020، والتي تستهدف دعم الجهود العالمية في توزيع لقاحات كوفيد-19 من خلال تقديم حلول متكاملة لتلبية متطلبات عملية نقل اللقاح وتوفير البنية التحتية الرقمية للمساهمة بشكل فاعل في توفير اللقاح في جميع أنحاء العالم، أو من خلال المبادرة العالمية التي أطلقتها دبي في يناير 2021 لنقل وتخزين وتسريع توزيع لقاحات كوفيد-19 حول العالم، مع التركيز بشكل خاص على البلدان النامية.
والأمر الذي لا خلاف عليه هو أن أزمة هذه الجائحة لا يمكن أن تنتهي ما لم تتمكن الدول الفقيرة أيضاً من تحصين شعوبها، وما لم تتعاون دول العالم وتعلي من شأن منظومة القيم الإنسانية، فإذا كانت هذه الجائحة تمثل تهديداً كونياً مشتركاً، فإن من المهم والضروري كذلك أن يشمل التعافي منها الجميع بلا استثناء، حتى لا يكون ذلك سبباً في تنامي مشاعر الكراهية والتمييز التي تهدد الأخوة الإنسانية العالمية.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.