اتجاهات مستقبلية
التغير المناخي كتحدٍ لمستقبل البشرية: مؤشرات إيجابية
تشكّل ظاهرة التغير المناخي أحد أخطر التحديات التي تواجه مستقبل البشرية، وربما أخطرها على الإطلاق، فالآثار العالمية لهذه الظاهرة متسعة النطاق وغير مسبوقة في حجمها، من تغيّر أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية، في الوقت الذي لاتزال فيه الجهود الدولية للتعامل معها بطيئة ومحدودة، وهو ما أكده أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، حين قال “إن تغير المناخ يسير بخطاً أسرع من خطانا”.
وتمثل ظاهرة الاحتباس الحراري الناتج عن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض عن المستوى الطبيعي أحد أبرز مظاهر أزمة التغير المناخي، حيث ذكرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة، في تقرير نشر في أكتوبر 2018 أن الأنشطة البشرية تتسبب في ارتفاع درجة حرارة الكوكب بمقدار درجة واحدة مئوية فوق مستويات عصر ما قبل الثورة الصناعية، ومن المرجح أن يزداد هذا الارتفاع ليبلغ 1.5 درجة مئوية بين عامي 2030 و2052، وثلاث درجات مئوية عام 2100، إذا استمرت تلك الأنشطة ولم يتم تخفيف الانبعاثات العالمية الناتجة عنها.
وهناك العديد من التداعيات الخطرة التي يمكن أن تنجم عن ارتفاع درجة حرارة الأرض، من بينها ذوبان الأنهار الجليدية وبالتالي ارتفاع مستوى سطح البحر ومن ثم غرق مناطق سكنية عديدة من العالم، وانعدام الأمن الغذائي والمائي في ظل ما ستعانيه التربة والمياه العذبة من تدهور، وحدوث الكوارث الطبيعية المتصلة بحالات الحر الشديد والجفاف والأعاصير، وما قد يؤدي إليه ذلك من اندلاع صراعات دولية على الموارد الطبيعية، أو تأجيج التوترات الاجتماعية ما يعني المزيد من التهديد للسلم والأمن الدوليين.
هذه الآثار الخطيرة سعى استبيان أعده معهد “إنستيتيوت فور بوليسي إنتيغريتي” التابع لجامعة نيويورك إلى تحويلها إلى لغة الأرقام التي يعرفها العالم، حيث أكد أكثر من 700 محلل اقتصادي أن تواصل أزمة التغير المناخي على وتيرتها الحالية سيؤدي إلى أضرار اقتصادية تصل إلى 1700 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2025، وستقارب 30 ألف مليار دولار سنوياً عام 2075.
هذه التداعيات الخطيرة والمدمرة وهذه الخسائر الاقتصادية الهائلة تدق ناقوس الخطر، بأن على دول العالم جميعها أن تتحرك جدياً سريعاً من أجل مواجهة أزمة التغير المناخي عبر تقليل الانبعاثات وذلك تنفيذاً لما جاء في اتفاق باريس عام 2015 بشأن تغير المناخ، الذي دعا إلى الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض في هذا القرن إلى أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ومواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى أبعد من ذلك إلى 1.5 درجة مئوية .
وثمة تغيرات تبعث على التفاؤل بشأن التحرك الدولي الجاد للتعامل مع أزمة التغير المناخي خلال عام 2021 ، من بينها الاهتمام الإقليمي والدولي بهذه القضية، الذي تجسد في مؤشرين مهمين، الأول هو الاهتمام الذي توليه الإدارة الأمريكية الجديدة لهذه القضية والذي أعادها إلى جدول الأولويات الدولية، وعكسه تعيين الرئيس الأمريكي جو بايدن مبعوثاً رئاسياً خاصاً لشؤون المناخ، هو وزير الخارجية الأسبق جون كيري، وإعلان عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق باريس للمناخ، ودعوتها 40 من قادة العالم من بينهم زعيما الصين وروسيا إلى قمة حول المناخ تعقد هذا العام ما يعطي دفعة قوية لجهود العالم في مواجهة هذه الأزمة.
المؤشر الثاني هو استضافة دولة الإمارات العربية المتحدة قبل أيام الحوار الإقليمي حول العمل المناخي، الذي عقد تمهيداً للدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، المقرر في نوفمبر 2021 في مدينة غلاسكو الاسكتلندية، وهو الحوار الذي يتوّج التزامات قدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة على مدار الـ 15 عاماً الماضية للتعاون في مواجهة قضية التغير المناخي وأظهرت قدرة كبيرة على الوفاء بها، ما يجعلها إحدى الدول الرائدة في البحث عن حلول عملية يستطيع العالم من خلالها مواجهة تلك الأزمة.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.