صعود مشاعر العنصرية ضد الآسيويين في كندا
في الغالب، يتطلع الليبراليون الأميركيون بأعينهم نحو الشمال بحثاً عن رؤية لما يمكن أن تصبح عليه الأوضاع. كندا: بلاد التعددية الثقافية الداعمة للهجرة.
ولا يمكن القول إن هذه الصفة محض خرافات. على سبيل المثال، نجد في فانكوفر، التي أقمت بها خلال الأسابيع العديدة الماضية، أن السكان منقسمون إلى جزأين متساويين تقريباً ما بين كنديين من أصول أوروبية وآخرين من أصول آسيوية، ويشكل كل من الجانبين ما يزيد على 40 في المائة من إجمالي سكان المدينة.
ومع ذلك، فإن كندا في واقع الأمر ليست النعيم الليبرالي، ولا يتسم الكنديون دوماً، على عكس الأقاويل المكررة والشائعة، باللطف الشديد في التعامل. وفي الوقت الذي يواجه فيه الأميركيون ارتفاعاً شديداً في خضم جائحة فيروس «كوفيد – 19» في أعمال العنف الموجهة ضد الأميركيين من أصول آسيوية، ثمة دلائل تشير إلى ظهور موجة مماثلة داخل كندا.
ويوحي تقرير جديد، صدر بتمويل من الحكومة الكندية، بأن الكنديين من أصول آسيوية تعرضوا لسوء معاملة من جانب مواطنيهم. وشارك في وضع التقرير عدد من المنظمات المدنية مثل «المجلس الوطني الكندي الصيني للعدالة الاجتماعية»، ويوثق التقرير «أعمال عنف مناهضة للآسيويين بمختلف أرجاء كندا بعد مرور عام على ظهور جائحة “كوفيد – 19”.
ومن 10 مارس (آذار) 2020 حتى 28 فبراير (شباط) 2021، سجل باحثون 1.150 حادثة معادية للآسيويين في كندا. وتضمنت الحوادث اعتداءات جسدية والسعال أو البصق على الضحايا وتحرش لفظي.
من ناحيتها، أخبرتني إيمي غو، رئيسة «المجلس الوطني الكندي الصيني للعدالة الاجتماعية»، أن عدد الحوادث المناهضة للآسيويين بالنسبة للفرد داخل كندا خلال العام الماضي، فاقت المعدل ذاته داخل الولايات المتحدة.
جدير بالذكر أنه في فانكوفر، سجلت الشرطة 98 جريمة كراهية ضد آسيويين عام 2020 الماضي، بارتفاع عن 12 جريمة كراهية فقط خلال العام الذي سبقه.
داخل الحي الصيني في فانكوفر، التقيت إيلين ودوريس – اللتين رفضتا كشف اسميهما بالكامل خوفاً على سلامتهما ولأسباب أخرى شخصية – وذلك على ناصية مين وهاستنغز. منذ سنوات، وصف لي أحد الأشخاص هذا المكان بأنه الأسوأ على مستوى أميركا الشمالية، بسبب التركيز المزمن لإدمان المخدرات والجريمة والتشرد. ولا تزال المنطقة تتعرض لضغوط جراء جهود التحديث والتطوير، لكنني لم ألحظ كثيراً من التغييرات في المنطقة منذ زيارتي الأخيرة لها منذ ما يقرب من ست سنوات.
شاركت إيلين ودوريس في إنشاء «مشروع 1907»، الذي يصف نفسه بأنه مجموعة من نساء آسيويات يطمحن إلى «تعزيز الأصوات الآسيوية التي تعاني انخفاض مستوى تمثيلها وتقديرها» في إطار الخطاب السائد في التيار الرئيسي من المجتمع.
وعن ذلك، قالت دوريس: “تأسست هذه المنظمة أثناء جائحة فيروس (كوفيد – 19)، لكننا كنا نتحدث بشأنها منذ فترة”.
وأوضحت دوريس وإيلين، وكلتاهما في الثلاثينات من العمر، أن غالبية التجارب التي تعرضتا لها فيما يخص العنصرية تسبق جائحة «كوفيد – 19». وشرحت إيلين أنه “لا يمكنك العيش في فانكوفر من دون أن يتطرق الحديث إلى مجال العقارات”.
أما الفكرة الضمنية وراء المحادثات التي تدور في هذا الشأن فتتركز حول الشعور بالسخط تجاه الصينيين الأثرياء الذين اشتروا عقارات في فانكوفر على امتداد ربع القرن الماضي، في وقت تحول فيه التشرد والقدرة على تحمل التكاليف إلى قضيتين تؤرقان الرأي العام. وبلغ متوسط سعر بيع منزل في فانكوفر في مارس ما يزيد على 1.1 مليون دولار أميركي.
وفي الوقت الذي يتميز مشترو العقارات في فانكوفر بالثراء، فإن كثيراً ممن يعيشون ويعملون داخل الحي الصيني ليسوا كذلك. ويبدو بيندر ستريت الذي كان يضم في وقت ما مصنعاً للأفيون، شبيهاً بما عليه الحي الصيني في كثير من مدن أميركا الشمالية – ويضم متاجر بقالة ومتاجر لبيع معدات وتجهيزات المطاعم ومحل جزارة تبدو أمامه الدواجن معلقة على الواجهة الأمامية للمتجر.
ويستوحي «مشروع 1907» اسمه من العام الذي شهد حالة فوضى عارمة اجتاحت الحي وكذلك الحي الياباني المتاخم في فانكوفر طوال ثلاثة أيام. وعرفت هذه الأحداث بـ«أعمال شغب مناهضة للآسيويين»، وجاءت أعمال العنف في أعقاب سنوات من السخط المتفاقم والقوانين المناهضة للهجرة، بما في ذلك قانون «ضريبة الرأس الصينية» الصادر عام 1885 والذي فرض قيوداً على الهجرة. وكان قيادات المدينة أعضاء في «اتحاد الإقصاء الآسيوي»، الذي كانت المسيرة التي نظمها عند قاعة المدينة الشرارة التي أشعلت أعمال الشغب.
ومثلما الحال مع الولايات المتحدة، تصارع كندا في مواجهة تاريخ عنصري. على سبيل المثال، في العبارة الافتتاحية بالتقرير الخاص بالهجمات ضد الآسيويين أثناء جائحة “كوفيد – 19″، كتب واضعو التقرير أنه “نقر بأننا نكتب هذا التقرير ضد أعمال عنف عنصرية تجري على أرض منهوبة من أصحابها الأصليين”.
جدير بالذكر في هذا الصدد أن كندا لم تشهد عمليات استعباد واسعة النطاق لأفارقة – رغم أنه ظهر بها بعض أعمال التجاوز، الأمر الذي يعود في جزء منه إلى فرار الموالين لبريطانيا إلى داخل كندا ومعهم ممتلكاتهم مع اشتعال الثورة في المستعمرات الأميركية. كما أن كندا لم تنتج القطن والأرز والتبغ والسكر، وهي المحاصيل التي تمركزت حولها العبودية داخل كثير من أجزاء العالم الغربي.
ورغم أن سمعة كندا باعتبارها الأرض الموعودة للأميركيين من اصول إفريقية كثيراً ما يجري الاحتفاء بها، فإن القليل يذكر عن العنصرية التي واجهها كثير من هؤلاء الفارين بمجرد وصولهم إلى كندا.
كما أنه بحلول منتصف القرن التاسع عشر، كان يعيش في كندا ما بين 20.000 و40.000 شخص من اصل إفريقي . ورغم أن سياسة التمييز ألغيت عام 1834، كان الفصل العنصري في المدارس والمطاعم ودور المسرح والسينما من الممارسات الشائعة. والحقيقة أن تاريخ الهجرة الآسيوية إلى كندا متخم بالعنصرية تماماً مثلما الحال مع الهجرة الآسيوية للولايات المتحدة. على سبيل المثال، خلال الفترة بين عامي 1932 و1947 في كندا، أبقى قانون «الإقصاء الصيني» المهاجرين الصينيين خارج البلاد. وعام 1942، احتجزت الحكومة الكندية المواطنين من أصول يابانية داخل معسكرات.
وبوجه عام اليوم، فإن الآسيويين في كندا أكثر احتمالاً لأن يعيشوا في فقر عن الآسيويين داخل الولايات المتحدة.
ورغم ذلك، تظل كندا هي كندا، فلا تزال الحكومة الوطنية داعمة للغاية للهجرة، الأمر الذي يضر بالشركات الأميركية التي تنافس على اجتذاب المهارات. عام 2018، وضعت كندا صورة فيولا ديزموند على العملة فئة 10 دولارات. وديزموند كندية داكنة البشرة، رفضت عام 1946 مغادرة قطاع مخصص للبيض فقط داخل إحدى دور السينما في نوفا سكوتيا، وهي المرأة الكندية الوحيدة التي توجد صورتها على واحدة من العملات الوطنية.
في المقابل، لا تزال صورة هارييت تومبان في انتظارها الطويل لوضع صورتها على واحدة من العملات الورقية الوطنية. وربما يمكننا القول إن هذا الأمر يكشف الكثير عن المشهد العنصري داخل البلاد. إعداد “الشرق الأوسط”
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.