للقضاء على الوباء لابد من تطعيم الأطفال
الأطفال هم جبهة التطعيم التالية في الوقت الحالي. فعندما يحين وقت تطعيمهم، سيتعين الاستمرار بالعزيمة نفسها في جهود التنسيق الواسعة النطاق التي سرنا فيها في تطعيم البالغين، إذا أردنا خفض حالات “كوفيد19” بشكل مستدام والقضاء على الوباء في نهاية المطاف.
في الوقت الحالي، يتجاوز الطلب على اللقاح بين البالغين كمية المعروض. لكن هناك سبب يدعو للقلق من أنه بمجرد أن يصبح الأطفال مؤهلين للتطعيم، فإنَّ معدلات التطعيم لهم ستكون في البداية أقل بكثير، وسترتفع بشكل أبطأ من تلك التي شهدناها بين البالغين، نظراً لأنَّ احتمالية دخول الأطفال إلى المستشفى بسبب “كوفيد 19” تقل مقارنةً بالبالغين، كما أنَّ الوفيات الناجمة عن المرض بين الأطفال نادرة.
قد يتساءل الآباء، إذا كان “كوفيد 19” غير ضار نسبياً بالأطفال، فما هو الداعي للعجلة؟ أحد أسباب الإسراع في تطعيم الأطفال هو أنَّه حتى لو كان عدد حالات «كوفيد – 19» الحرجة بين الأطفال محدودة فإنَّها تستحق التطعيم. فلا تزال عواقب الآثار الطويلة المدى لـ«كوفيد – 19» على الأطفال – بما في ذلك الحالات النادرة والخطيرة من متلازمة الالتهاب – غير واضحة، خاصة أنَّ العديد منهم يعانون من عدوى من دون أعراض ولا يتم تشخيصها.
لكن الدافع الأكثر أهمية والأقل إدراكاً للإسراع في تلقيح جميع الأطفال، هو احتمال استمرار انتشار الفيروس والتحول إلى متغيرات أكثر خطورة، بما في ذلك تلك التي يمكن أن تضر بالأطفال والبالغين على حدٍ سواء. فالمتغيرات «المثيرة للقلق» التي تم رصدها لأول مرة في بريطانيا، وجنوب أفريقيا، والبرازيل، وكاليفورنيا تجري متابعتها عن كثب من قبل علماء الأوبئة. ويبدو أن بعضها مُعدٍ أكثر من النسخ السابقة من الوباء، ويبدو أنَّ نسخة واحدة منها على الأقل وهي «B.1.1.7» للتي لوحظت لأول مرة في بريطانيا – تسبب ارتفاعاً طفيفاً في خطر الوفاة جراء «كوفيد – 19». وحتى الآن لا يزال يبدو أنَّ اللقاحات تعمل بشكل جيد في مواجهته.
لكن قد لا نكون محظوظين مع المتغيرات المستقبلية حيث تكتسب الفيروسات طفرات أثناء انتشارها. فكلما زاد عدد الإصابات، زادت فرص تحور فيروس كورونا، مما يزيد من احتمالية ظهور سلالة أكثر خطورة. ومن المحتمل أيضاً أن تظهر المتغيرات التي تسبب أمراضاً أكثر خطورة عند الأطفال من خلال الأطفال أنفسهم، خاصة مع تحول البالغين إلى مضيفين أقل استقبالاً للعدوى مع زيادة التطعيمات.
وبالقدر نفسه من الأهمية، فإنَّ تطعيم الأطفال بسرعة سيحسن من احتمالات الخروج من هذه الأزمة في وقت أقرب. ومن المحتمل الاحتياج إلى تطعيم الأطفال للوصول إلى مناعة الجميع، كما أشار الدكتور أنتوني فوسي، خبير الأمراض المعدية الرائد، وآخرون.
تجري التجارب السريرية لإثبات أنَّ اللقاحات آمنة للاستخدام مع الأطفال. لكنَّنا بحاجة لأن نكون مستعدين لحقيقة أنَّ تلك التجارب لن تولد أنواع النتائج الرائجة التي حققتها الدراسات التي أجريت على البالغين.
ربما لن ندرك مدى فاعلية اللقاحات في الوقاية من الأمراض الشديدة لدى الأطفال، ذلك لأنه من أجل معرفة ما إذا كان اللقاح فعالاً عند الأطفال أم لا، يجب أن تكون النتيجة الرئيسية للتجارب شائعة بدرجة كافية بين الأطفال لتحديد ما إذا كان اللقاح يُحدث أي فرق حقيقي. ولحسن الحظ، في الوقت الحالي، يعد المرض الخطير بين الأطفال نادراً جداً، بحيث يتعذر على أي تجربة ذات حجم معقول قياسه.
وبدلاً من ذلك، ستركز تجارب اللقاحات الأميركية للأطفال (وأولئك الذين نعلم بوجودهم في الخارج) في المقام الأول على السلامة وما إذا كانت اللقاحات تنتج استجابة مناعية.
من وجهة نظرنا كأطباء وعلماء، فقد جرى تصميم التجارب لطرح الأسئلة الصحيحة: هل هذه اللقاحات آمنة للأطفال؟ ما الجرعة التي تنتج استجابة مناعية قوية بما يكفي من دون آثار جانبية مزعجة؟.
ومع ذلك، فإنَّ الجانب السلبي هو أنَّ النتائج قد لا تفعل الكثير لجعل الآباء يشعرون بالحاجة الملحة لتطعيم أطفالهم لأنَّ العديد من الآباء يشعرون بالفعل أنَّ أطفالهم محميون. وهناك إشارات مبكرة إلى أنَّ بعض الآباء قد يترددون في تلقيح أطفالهم. ووجدت دراسة جديدة – لم يجرِ فحصها بعد من خلال مراجعة الأقران – أنَّ الآباء أكثر تردداً في أخذ لقاح «كوفيد – 19»، مقارنة بغير الوالدين وأنَّ هذه المشاعر يمكن أن تعكس نواياهم في تطعيم أطفالهم.
هذا هو السبب في أن التقييم الرصين للمخاطر هو أمر سليم. فقد يقتل فيروس “كوفيد 19” ما يصل إلى واحد من كل 10 آلاف طفل مصاب، رغم أن بعض الدراسات تشير إلى أن المعدل أقل من ذلك، وهو خطر أعلى بكثير من الآثار الجانبية الخطيرة التي يمكن علاجها من اللقاحات. كما أن خطر الإصابة بفيروس “كوفيد 19” الشديد يكون أعلى أيضاً بالنسبة للأطفال الذين يعانون من حالات طبية أساسية.
فكما هو الحال مع أي لقاح، يجب أن نستعد لسماع حكايات الأطفال الذين يمرضون بعد التطعيم وأن اللقاح سيجري إلقاء اللوم عليه. لا يمكننا أن ندع ذلك يردع جهود التطعيم ويجب أن تستمر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في تتبع ومشاركة تقارير المشكلات الصحية بعد التطعيم، بالإضافة إلى معدلات الخلفية المعتادة لأي حالة، ويجب أن نتجنب إخراج القصص المقلقة عن سياقها.
يمكن للوالدين أن يطمئنوا إلى أنه بمجرد اكتمال تجارب اللقاح للأطفال ومراجعة البيانات من قبل «إدارة الغذاء والدواء»، سيبدأ التفكير في تلقيح الأطفال وفي أن ذلك سيكون آمناً. وبافتراض حدوث ذلك، سنحتاج إلى الإسراع وتطعيم جميع الأطفال، والتأكد من وصولنا إلى المجتمعات المحرومة. سيشمل ذلك الأطفال في الخارج، لأن أي متغيرات ضارة لفيروس كورونا تظهر في مكان آخر ستصل إلينا جميعاً في النهاية.
حتى الآن، نجا الأطفال في الغالب من أسوأ جوانب هذا المرض، ولذلك نحن مرتاحون. ومع ذلك، نحن مدينون بذلك إلى الحظ. ومن الآن فصاعداً، يجب أن نعمد إلى حمايتهم ولا نترك ذلك للحظ. “الشرق الأوسط”
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.