أهمية وفعالية منظومة المؤسسات الدولية في النظام الدولي
تأسست منظمة الأمم المتحدة عام 1945، بعدما اجتمع الخصوم بعد الحرب العالمية الثانية، لتشكيل منظمة دولية تهدف إلى حفظ الأمن والنظام العالمي. نجحت الأمم المتحدة بعد تشكيلها مباشرةً في عدم انجرار العالم إلى حرب عالمية ثالثة، ليولد نظام دولي يرتكز في مرجعيته إلى هذه المنظمة الأممية، التي سيكون لها وما عليها من تطبيقٍ للقوانين التي أقرتها بنفسها تجاه الدول.
انبثقت عن الأمم المتحدة فروع، كمجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، والجمعية العامة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة الدولية في المجال الاقتصادي، وبذلك تكون هذه المؤسسات الدولية المؤثرة في العلاقات الدولية واستقرارها، تهدف كلها بشكلٍ عام إلى النظر في الصراعات الدولية، وفضه بالطرق السلمية، ومنع استخدام القوة بين الدول، واحترام سيادة كل منها، وذلك للحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
أصبحت هذه المبادئ والقوانين التي تأسست من أجلها الأمم المتحدة، بخاصة ما يتعلق بالقضايا التي تُحال إلى مجلس الأمن الدولي، حكراً على الدول الخمس دائمة العضوية في المنظمة، “الصين، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا”. والذي يعطي لهذه الدول الحق بالاعتراض، واستخدام ما يسمى بالفيتو ضد أي قرار تتخذه المنظمة، خصوصاً ما يتعلق بالأمن والاقتصاد بين الدول، مما أدى إلى ظهور إشارات مبكرة لترهل النظام الدولي الحالي، ووضعه على المحك.
لم يقتصر التفرد بالقرارات، وإهمال مبادئ منظمة الأمم المتحدة، من قبل الدول الخمس الكبرى، الذي نتج عنه ما نشهده من نظام دولي أصبح متخبطاً ومتكتلاً، بل تركز الصراع بين الدول الكبرى نفسها، وأصبحت تحاول إثبات نفسها كقوة عظمى مهيمنة على العالم، كما يجري بين الصين والولايات المتحدة، من تنافس وصراع فيما بينهما.
لم تمتلك منظمة الأمم المتحدة سلطة أو قوة خاصة بها لتنفيذ قراراتها، وضمان تنفيذها على أرض الواقع، لذلك استغلت الدول الأعضاء في مجلس الأمن سلطة الأمم المتحدة في انتهاك الاتفاقات والمبادئ التي بنيت عليها المنظمة منذ نشأتها. إضافة إلى التباطؤ في البت بالقضايا الضرورية، كالتي تخص حالات النزاع، وحقوق الإنسان.
صحيحٌ أن الأمم المتحدة تعمل على الرعاية الصحية في العالم، والحث على التعليم، وحقوق الإنسان، من خلال تقديم بعض المساعدات الإنسانية والمالية، وقضايا عالمية أخرى كنزع السلاح والإرهاب، إلا أن ذلك لم يُبعد عنها الاتهامات بتقصيرها، وعدم إدارة الأزمات الدولية بالشكل الصحيح وفق قوانينها، وقراراتها التي ظل بعض منها حبراً على ورق.
علينا أن ننظر إلى ما يحصل في منطقة الشرق الأوسط، من نزاعات وصراعات، وحالة عدم الاستقرار، التي تسببت بها سياسات الإدارات المختلفة، ولعبت دوراً كبيراً في إثارتها، وتدخلها المباشر فيها. وكل ذلك كان يحصل بعيداً عن مجلس الأمن الدولي، وبعيداً عن قوانينه وقراراته ومبادئه، ما يجعل ميثاق الأمم المتحدة في خطرٍ أكبر.
أصبحت الولايات المتحدة تتخذ القرارات الانفرادية كقوة عظمى بعيداً عن ميثاق الأمم المتحدة جراء ذلك الجمود، كما جرى في عام 2003، عندما دخلت القوات الأمريكية، والبريطانية العراق بقرار ذاتي.
في عهد ترامب اتخذت السياسة الخارجية للولايات المتحدة منحى أكثر تفرداً، عندما اتخذت شعار «أمريكا أولاً»، كنوعٍ من إعلان الانسلاخ عن الأمم المتحدة، والانحياز كلياً إلى شأنها الداخلي، بعدما قلصت التمويل عن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وعن منظمة الصحة العالمية، وأعلنت عن عدم التزامها بقرارات مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، واليونسكو، واتفاق باريس لتغير المناخ. كما أعلن ترامب أيضاً استقلالية الولايات المتحدة عن القواعد الدولية.
وإذا كانت الأمم المتحدة جاءت لترتيب العلاقات الدولية بعد الحروب العالمية الثانية، ونشر السلم والأمن، فإن ما يحدث على أرض الواقع في الكثير من المناطق هو النقيض تماماً، بعدما ظلت قرارات اتخذت من قبل مجلس الأمن مثلاً، ومنذ عشرات السنين، حبراً على ورق حتى اللحظة، وانفراد دول بإعطاء الفيتو في كثيرٍ من القرارات التي تستوجب إدانة .
النظام الدولي يتأرجح بين مصالح الولايات المتحدة والصين، في القرن الأخير وأصبح الصراع بينهما واضحاً، خصوصاً منذ بدء جائحة كورونا التي أثبتت بشكل جليٍ، أن النظام العالمي على شفا حفرة من التغيير أو التبدل. فالدول الكبرى التي جاءت لحفظ العلاقات الدولية تحت مظلة الأمم المتحدة، أصبحت تعمل على تغييره أكثر من الالتزام بما يضمن استقراره.
وقفت منظمة الأمم المتحدة عاجزة عن حل الكثير من قضايا العنف والصراعات، ولم تبذل الجهد المطلوب لحلها، حتى ذهب مراقبون يتهمونها، بالوقوف محايدة أمام النزاعات دون التدخل، ما عرضها خلال السنوات الأخيرة إلى الانتقادات الواسعة من قبل المراقبين.
إن استقرار النظام الدولي على ما هو عليه في الوقت الحاضر لفترة طويلة قد لا يستمر بسبب الصراع الكبير بين موازين القوى، خصوصاً بين الدول الخمس الكبرى التي تصارع الوقت من أجل إثبات نفسها، تارةً كقوة عظمى أولى، وتارة أخرى كقوة تريد أن تفعل ما تشاء بعيداً عن مواثيق المنظمة الدولية، بما يخدم جل مصالحها.
إن ما تشهده سوريا و العراق وأفغانستان، والحرب الليبية واليمنية، وغيرها من الصراعات التي نشأت منذ أن أُحيكت قوانين ومبادئ منظمة الأمم المتحدة لحفظ وصنع السلام في العالم، لا تتوافق مع ما جاءت به بما يجري على أرض الواقع، وأثبتت في كثير من المراحل عن عجز قراراتها في حصر الخلافات وإيقاف النزاعات حتى يومنا الحاضر، ما يعطي إشارات حقيقية في أن العالم بات يصنع لنفسه نظاماً عالمياً جديداً.”الجزيرة” السعودية
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.