الأمير فيليب ساعد النظام الملكي في بلاده على الصمود خلال الكثير من الاضطرابات

فراغ كبير في قصر باكنغهام

الرئيسية مقالات
مارك إيفنز: عن "بلومبرغ" الإخبارية

فراغ كبير في قصر باكنغهام

 

 

صرح دوق أدنبره الراحل ذات مرة في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية بقوله: “أشك في أنني قد تمكنت من تحقيق أي شيء يستحق الذكر بعد رحيلي”. غير أنه من المعروف أن النظام الملكي البريطاني استمر بسبب أن الملكة إليزابيث الثانية وزوجها الراحل التزما حد الابتعاد عن المراسم الفاخرة أو الطموحات الكبرى.
كانت مقولة الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان: «لا تفعل شيئاً فحسب، بل اثبت على موقفك» من أبلغ الاستراتيجيات الأكثر ملاءمة لمسيرة العائلة الملكية ذات الزينة والزخارف، والتي يتعين عليها البقاء فوق سدة السياسة. وكان الأمير فيليب، على غرار زوجته الملكة، من أكثر مَن تمسكوا بهذا المسار طيلة حياته.
وفي واقع الأمر، وبصفته صخرة الملكة على مدار 73 عاماً، لم يكن الأمير فيليب ثابتاً على موقفه فحسب؛ فلقد ساعد النظام الملكي في بلاده على الصمود والنجاة من كثير من الاضطرابات، والأوضاع دائمة التغير في العالم من حوله، كما أنه قام مقام المستشار المقرب وصاحب الثقة عندما يعجز الآخرون عن التواصل مع الملكة. وإن كان مقدراً له أن يكون ملكاً على البلاد لكان سوف يحظى بشعبية من نوع خاص، لكن بصفته رفيق العمر لأكثر ملكات العالم إعجاباً ومحبة، فلقد كان الدوق يحظى بالمثالية في الدور الذي اضطلع به في الحياة الملكية البريطانية وإن كان دوراً بلا وصف يحدد طبيعته.
وعلى غرار كثير من الشخصيات المثيرة للاهتمام العالمي، كان بمقدوره تقسيم الرأي العام بشأنه. فلقد تعلم كيف يسيطر على مزاحه ، ولكن في فترة متأخرة من حياته تقريباً. ومن بين الحوادث التي كنت طرفاً فيها، ونلت بسببها نصيبي من مزاح الدوق اللاذع، عندما فشلت في الإفصاح عن مجموعة معتبرة من الإحصاءات ذات الصلة بإحدى المؤسسات الخيرية التي كنت أدعو إليها. وبقدر عناية الدوق فيليب بالأمر، فلقد كانت مهمته هي حضور الفعالية، في حين كانت وظيفتي هي العناية بأوراقي، وهو ما لم أفعله.
اشتهر الأمير فيليب، بصفته ضابطاً في البحرية، بأنه بالغ الصرامة في معاملته لضباطه المرؤوسين، غير أنه كان يحظى بشعبية واسعة بين جموع الرتب الأدنى الأخرى الذين كانوا يقدّرون مشاركته لهم في العادة البحرية الأسطورية في أي وقت وحين.
وإن كان الأمير فيليب يجد حرية خاصة في التفوه بما يريد في أثناء الإبحار، فلقد أدرك أهمية التماسك والرصانة أمام الكاميرات، حتى لا تنجرف به كلماته إلى التّماسّ مع الحساسيات السياسية.
لذا، على الرغم من أن الناس كانوا يشعرون بأنهم يعرفون الدوق بصورة جيدة من خلال آلاف الصور، أو من تعليقاته المازحة، أو من تصرفاته المثيرة ، فإن قوته الحقيقية كانت تكمن في اعتباره أشهر الأزواج الماكثين داخل المنزل في عموم البلاد، ذلك الذي قَبِل أن يكون الشخصية الملكية الثانية في المجال الرسمي البريطاني. ولم يكن هذا بالدور اليسير، حتى وإن كان يضطلع به في السدة الملكية العليا من البلاد.
تعرض النظام الملكي البريطاني لاهتزازات بالغة القسوة في تاريخه الحديث، كان أولها بعد رحيل الأميرة ديانا، ثم الآن إثر الهجوم واسع النطاق من ميغان ماركل زوجة حفيده، التي تزعم أنها تعاني من النقص البالغ في الاهتمام ضمن الدوائر الملكية البريطانية. غير أن التحفظ الرسمي يعد منطقياً للغاية بالنسبة إلى الأسرة الملكية حتى وإن لم يكن مُقدراً في العالم الحديث. فعندما شرع نجلاه، الأمير تشارلز والأمير أندرو، وزوجة نجله الأميرة ديانا، في إجراء المقابلات الشخصية التي أعربوا فيها عن مشكلاتهم الزوجية، حاز ذلك أعلى التصنيفات التلفزيونية امتيازاً، غير أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة لمكانة العائلة المالكة بين الجماهير؛ إذ يجري تقديم هذا النوع من الأداء بصورة أفضل على أيدي الممثلين الحقيقيين.
أدرك الدوق فيليب، أن الحياة الملكية في بريطانيا ليست سوى مزيج من الرصانة وغيرها، ومن ثم فقد تصرف وفقاً لذلك المفهوم تماماً. يطرح فيلم السيرة الذاتية “ذا كراون”، من إنتاج «نتفليكس»، قصة استياء الأمير فيليب من الركوع أمام الملكة في مراسم حفل التتويج، ومن ثم فقد انطلق في فورة غاضبة ليتلقى دروساً بالغة الخطورة في الطيران. لكن يبدو أن الدوق، بشخصيته الحقيقية، كان يملك إحساساً فعلياً بالتناسب للتأخر بثلاث خطوات وراء زوجته الملكة على الدوام. وبعد انتهاء المراسم الملكية لتتويجها في كنيسة وستمنستر، التفت إلى زوجته الملكة الشابة، التي تعتمر على رأسها تاجاً ثقيلاً مرصعاً بشتى أصناف الجواهر وعدة أرطال من الذهب، وقال لها مازحاً كعادته: “من أين لكِ بهذه القبعة؟”.
وكان يتعين على شخصية ما قص الشرائط في الاحتفالات العامة، وكان الشعب البريطاني، ولا يزال، يفضل لتلك الشخصية أن تكون من الأسرة الملكية. ولقد أدرك الأمير فيليب أن هذه الأدوار هي جزء لا ينفصم عن حياته الرسمية.
لا يعبأ الشعب البريطاني بمدى تعليم أو ثقافة أو مستوى الفكر لدى ملوكهم وملكاتهم، بل يتناولون أذكى الشخصيات في الزمرة الملكية بحديثهم، إذ إنهم يفضّلون رؤيتهم بارعين تماماً في امتطاء صهوة الخيول. ومن ثم، قرأ الأمير فيليب هذه اللمحة بذكاء، ولقد كانت البراعة والدهاء من صفاته الشخصية اللازمة، غير أنه اضطلع بتلك الأدوار بروح تتسم بالعفوية والبساطة وكثير من الصراحة الفجة. إعداد “الشرق الأوسط”

 


تعليقات الموقع