مستقبل الوظائف وسوق العمل في ظل الجائحة
أكدت دراسة قام بها الخبراء في المنتدى الاقتصادي العالمي أن الروبوت سيقضي على 85 مليون وظيفة في الشركات متوسطة وكبيرة الحجم خلال السنوات الخمس القادمة، خاصة أن وباء فيروس “كورونا” أحدث تغيرات هائلة في مكان العمل للحد من انتشار العدوى ومطالبة العاملين بالعمل من البيت واتجاه الشركات إلى الاعتماد على الآلات المبرمجة لأداء العديد من الأعمال رغم تفاقم التفاوتات بين القطاعات الصناعية.
ووجد مسح شمل حوالى 300 شركة عالمية أن المديرين التنفيذيين في أربع من كل خمس شركات يسرعون خطط رقمنة العمل، إذ إن المديرين التنفيذيين يطبقون تقنيات جديدة منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008، إذ إن الوباء أدى للتعجيل بالانتقال إلى مستقبل العمل بالروبوت. ووجدت الدراسة أن العمال الذين سيحتفظون بأدوارهم في السنوات الخمس القادمة سيتعين على نصفهم تعلم مهارات جديدة للعمل من أجل إيجاد وظائف جديدة تنسجم مع التطورات في سوق العمل في ظل آثار الجائحة.
كما أنه بحلول عام 2025 سيقسم أصحاب العمل الوظائف والمهن بالتساوي بين البشر والروبوتات والآلات المبرمجة، ويتباطأ خلق فرص العمل فيما يتسارع الاستغناء عن الوظائف، حيث تستخدم الشركات العالمية التكنولوجيا وليس البشر في إدخال البيانات ومهام الحسابات والإدارة، كما أن أكثر من 97 مليون وظيفة ستنشأ في الاقتصاد المتعلق بالصناعات التكنولوجية، وإن المهام التي سيحتفظ البشر فيها بميزتهم التنافسية منها الذكاء الصناعي وإنشاء المحتوى والإدارة والاستشارات وصنع القرار والتفكير والتواصل والتفاعل، وسيزداد الطلب على شغل الوظائف المرتبطة بالاقتصاد الصديق للبيئة ووظائف البيانات المتطورة والذكاء الصناعي وأعمال الهندسة والحوسبة السحابية وتطوير المنتج.
وأظهر المسح أن حوالي 43 في المائة من الشركات التي شملها المسح تستعد لتقليص قوة العمل نتيجة للتكامل التكنولوجي، وأن 41 في المائة من الشركات تعتزم توسيع استخدامها للمتعاقدين وسيتوسع 34 في المائة منها بقوة العمل نتيجة للتكامل التكنولوجي، ومن جهة أخرى أظهر مسح آخر أجراه المنتدى الاقتصادي العالمي أن البطالة تعتبر أكبر مصدر للقلق خلال السنوات العشر المقبلة وتعد البطالة أخطر مشكلة تواجه المديرين التنفيذيين بقطاع الأعمال في العالم يليها مباشرة المخاوف من انتشار الأمراض المعدية كوباء «كورونا»، ويذكر أن معدلات البطالة قد ارتفعت بشدة بسبب إجراءات العزل العام وغيرها من القيود التي فُرضت للتصدي للجائحة.
وانتشر الخوف من تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الدول التي سرحت آلاف العمال بصفة مؤقتة للحد من انتشار مرض “كوفيد 19” إذ إن الاضطرابات بالتوظيف الناجمة عن الجائحة والأتمتة المتزايدة والنقلة لاقتصادات المهتمة بالبيئة غيرت أسواق العمل تغييرا جوهريا، وستكون أمام القيادات بعد الخروج من الأزمة، فرصة رائعة لخلق وظائف جديدة ودعم الأجور لتكفل الحد الأدنى للمعيشة، كما يجب على القيادات دراسة إعادة تصور شبكات الأمان الاجتماعي للتصدي على نحو مناسب للتحديات في أسواق العمل مستقبلا.
مع تسارع التحول إلى العمل الممكّن رقمياً، شهد قادة الأعمال في الاقتصادات المتقدمة تركيزاً متزايداً في السوق، وتراجعاً ملحوظاً في المنافسة على الخدمات، وانخفاضاً في التعاون بين الشركات، وقلةً في عدد العمال المهرة المتوفرين في سوق العمل. ولكن من الناحية الإيجابية، يرى القادة قدرة أكبر على التغيير في الحكومات، وتحسين التعاون داخل الشركات وزيادة توافر رأس المال الاستثماري.
أما في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، لاحظ قادة الأعمال زيادةً في تكاليف الأعمال لأسباب تتعلق بالجريمة والعنف، وانخفاضاً في استقلالية القضاء، وزيادةً في انخفاض المنافسة السوقية، وتنامياً في الهيمنة على السوق، وركوداً في الثقة بالسياسيين. ومن ناحية أخرى، وعلى غرار الاقتصادات المتقدمة، أعرب قادة الأعمال في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية عن وجهات نظر إيجابية حول استجابة حكوماتهم للتغيير، والتعاون داخل الشركات، وتوافر رأس المال الاستثماري. كما أشاروا إلى زيادة طفيفة في القدرة على جذب المواهب، والتي من المحتمل أن تيسرها سوق العمل الرقمية، وأنه في هذه الفترة التي يسودها شيء من عدم اليقين العميق، تسببت الأزمة الصحية والانكماش الاقتصادي في إعادة التفكير بشكل أساسي في النمو وعلاقته بالنتائج على الشعوب، وكوكب الأرض.
رغم عدم وجود أي دولة سالمة من هذه الأزمة، فإن هناك بعض الميزات قد ساعدت الحكومات على إدارة تأثير الجائحة بشكل أفضل على اقتصاداتها وشعوبها، كون التباعد الاجتماعي من بين أكثر الطرق فاعلية في مواجهة الفيروس، إذ كانت الدول ذات الاقتصادات الرقمية المتقدمة والمهارات الرقمية أكثر نجاحاً في الحفاظ على عمل اقتصاداتها في الوقت الذي عمل فيه مواطنوها من المنازل وكان أداء كلّ من هولندا ونيوزيلندا وسويسرا وإستونيا والولايات المتحدة جيداً في هذا الإجراء. ومع غلق أقسام من الاقتصادات بأكملها، حققت الدول ذات شبكات الأمان القوية، مثل الدنمارك وفنلندا والنرويج والنمسا ولوكسمبورغ وسويسرا نجاحاً جيداً في دعم أفراد المجتمع ممن لا يستطيعون العمل. وبالمثل، تمكنت الدول ذات الأنظمة المالية القوية مثل فنلندا والولايات المتحدة والإمارات وسنغافورة، بسهولة من تقديم الائتمانات والقروض للشركات الصغيرة والمتوسطة لإنقاذها من الإفلاس والمحافظة على القوة العاملة في هذه المنشأت وحققت الدول التي تمكنت من التخطيط بنجاح وإدماج السياسات الصحية والمالية والاجتماعية نجاحاً نسبياً أكثر في التخفيف من آثار الجائحة في المحافظة على الوظائف واستقرار سوق العمل فيها، بما في ذلك سنغافورة وسويسرا ولوكسمبورغ والنمسا والإمارات. وأخيرا تُظهر الأدلة بأن الدول ذات الخبرة السابقة في التعامل مع أوبئة فيروس «كورونا» (مثل سارس) لديها بروتوكولات وأنظمة تكنولوجية أفضل (مثل كوريا وسنغافورة) وتمكنت من احتواء الوباء بشكل أفضل نسبياً من غيرها وحافظت على مستقبل الوظائف وسوق العمل لديها عند تفشي جائحة “كورونا”. “الشرق الأوسط”
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.