معجزة الإمارات
ارتبط نشوء الدول والأمم على مر التاريخ بالكثير من الأحداث، فهو حال الكون، وكم من كيانات نشأت وسادت، قبل أن تتبدل أحوالها بدرجات متفاوتة، سواء للأفضل او للانحسار، لكن التاريخ يحدثنا دائماً عن عوامل كثيرة شاركت بتأسيس الدول، وكان ما بات عليه حال العالم خاصة خلال القرن العشرين لا يتعدى عن كونه إعادة ترتيب لكل ما نتج عن الحرب العالمية الثانية، ونشوء الأمم المتحدة التي عملت على صيانة الوضع الدولي بكل تشكيلاته وتلاوينه والدول التي تم رسم حدودها، وكان الثابت حينها أن هناك دولاً جديدة قادمة بقوة لتأخذ مكانتها على المستوى العالمي في موازاة إمبراطوريات بدأت الانحسار وشغل مكانة أدنى من القوى الجديدة، وطوال العقود التالية كان الصراع السياسي قائماً بما تخلله من تضارب المصالح، ومجلس الأمن الدولي في حالة شبه انقسام دائم حول أغلب القضايا إلا ما ندر، ومنطقة الشرق الأوسط طوال هذه المدة لم تكن في منأى عن الصراعات الدولية والهزات الارتدادية الناجمة عن الكثير من الزلازل بين الأقطاب الكبرى، وشهدت العديد من الحروب والمنافسة وغير ذلك الكثير، وكان الشغل الشاغل لأغلب دول المنطقة طوال حقبتي الخمسينات والستينات هو البقاء في منأى عن صراعات كبرى قد تسبب الكثير، فتعددت الأنظمة والتوجهات والآليات في إدارة الدول، ونشأت نظريات كثيرة للحكم في أجواء مشتعلة دائماً.
خلال ذلك كانت المنطقة والعالم أجمع على موعد مع قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، في ظروف أشبه بالمستحيل في ذلك الوقت، لقد كانت الصعوبات والتحديات كفيلة بأن تجعل التفكير بتأسيس دولة في ذلك الزمن ووفق معطياته وصعوبة أوضاعه نوعاً من الحلم الذي يصعب تحقيقه، لكن قائداً من هذه الأرض امتلك من العزيمة والصلابة والتصميم ما يجعل تحقيق الأحلام قابلاً للحياة، فكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، على موعد مع تاريخ جديد للعالم قدم من خلاله نموذجاً حياً على قدرة الإنسان المؤمن بقضية، ولم يتوقف ما قدمه من عبرة وإلهام عند توحيد وجمع الإمارات يومها إيذاناً بقيام دولة الاتحاد العظيم، بل اختط نهجاً فريداً يقوم على البناء في الإنسان، إيماناً منه “طيب الله ثراه” أن نجاح ذلك فيه نجاح لدولة الاتحاد الفتية، فوضع أسساً راسخة ونص لشعبه منهاج حياة يقوم على الترابط والتعاون والتلاحم الفريد الذي نلمسه اليوم في جميع مفاصل الحياة، فالقيم والعلم جناحا التحليق بالإنجازات والمكتسبات نحو أعلى القمم، وما بين صحراء قاسية قبل عقود إلى جنة وارفة بالمحبة إعجاز صنعه إنسان هذه الأرض، وتبقى سيرة من قهروا كل الظروف حية عطرة خالدة أبد الزمان، وما بين الأوضاع التي كانت سائدة في ذلك الزمن ووصول أبناء الإمارات إلى المريخ، ملحمة حية عبّر من خلالها كل من أنعم الله عليه أن يكون من هذه الأرض على أن يعيش ملحمة إنسانية كبرى جعلت من دولة الإمارات صانعاً رئيسياً للحضارة والتقدم والازدهار، وبفضل القائد الذي أرسى مقومات هذه النهضة، بات العالم أجمع يوجه نظره باتجاه الإمارات يتعلم ويأخذ العبر والحكم وينهل من تجربة فريدة في مسيرة البشرية جمعاء، وطن جعل السلام والأمن والقيم نِعماً وارفة تتسع لكل مؤمن برسالته، وقدم للعالم أجمع الدليل الأكثر تعبيراً على التعايش بين جميع البشر بمختلف ثقافاتهم وأديانهم وخلافاتهم، فالإنسانية واحدة وعمادها واحد وقيمها يتشاركها كل البشر، فكانت المسيرة بكنزها الأول وهو الإنسان الأكثر زخماً وديناميكية ونجاحات.. إنها بعض محطات الدولة المعجزة وصاحبة المسيرة التي تحولت بفعلها إلى وجهة وقبلة لكل الباحثين عن فرص الإبداع وتحقيق الأحلام.
لقد علم القائد المؤسس لدولة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، الإنسان، كيف ينتصر على ذاته بأن يمتلك من القوة والعزيمة والوعي ما يجعل كل طاقاته الكامنة قابلة لتكون في سبيل الوطن والبشرية، وخلال 50 عاماً تقف الدولة اليوم وهي متسلحة بقدرات أبنائها واثقة من غدها وتنطلق نحو مئويتها بإنجازات من أقصى ما حلم به البشر، ولنا أن نشكل تصوراً للقادم وما ستقدمه للعالم أجمع.
لم تقف دولة الإمارات يوماً لتترك عملها وخططها واستراتيجياتها، ولم تعول على الشعارات يوماً، بل أكدت دائماً عبر قيادتها الرشيدة لشعبها وللآخرين بما تقدمه من تجارب ودروس وإلهام، أن العالم متغير ومتسارع ومن يمتلكون المرونة في التعامل مع مستجداته سوف ينجحون في خوض السباق الحضاري معه كما يجب، وهو قرار اختارته دولة الإمارات بكل ثقة وشجاعة، وكانت قيادتها الرشيدة التي تسير على نهج مؤسسها تعلم شعبها أنه رهانها الأوحد وكنزها الأغلى والقادر على تحقيق النقلات المطلوبة، فدولة عقدت العزم على أن تكون من الأفضل عالمياً، لا بديل عن مشاركتها في صناعة الحضارة والمشاركة في إثراء البشرية بالإنجازات، وهو ما بات واقعاً، فالإنتاج الواسع خلاصة عقول تمكنت من كافة متطلبات عصرها، وآمنت أشد الإيمان بأن معجزة بناء الدولة ونشوئها وما وصلت إليه، كان حصيلة جهود رجال عظماء نذروا حياتهم لتحقيق كل ذلك، ولأنهم أهل الوفاء وعليهم مواصلة المسيرة بتفرد وتميز وقوة كان لا بد من نجاحات تعبر عن الاعتزاز بتلك الجهود، فكانوا فرسان زمانهم الذين ترجموا مسيرة تمكينهم بنجاحات كبرى في أعقد الميادين وأكثرها تطوراً كالطاقة النووية السلمية والفضاء وغير ذلك الكثير.. إنها حكايات كبرى خطها أبناء هذه الأرض وعملوا على تحقيقها، آمنوا بأن المعركة الحقيقية هي أن ينجحوا ويتقدموا ويعززوا مكتسبات وطنهم، وكان لابد من تميز وتفرد مع كل نجاح يعظم المكتسبات.. كل ذلك بات نوعاً من الإعجاز في زمن لا معجزات فيه، فالانتقال من التأسيس إلى تصدر الصفوف في صناعة حضارة تثري جهود البشرية لغدها خلال عقود قليلة، جانب من النور الذي تشعه هذه الأرض في جميع الاتجاهات، إنها المسيرة التي رسخت في الذات الإنسانية القدرة على تخطي كل التحديات والوصول إلى الأهداف الطموحة والمشروعة التي قبلت دولة الإمارات خوض منافساتها بكل شجاعة عبر قرارات استثنائية جعلت سقف الطموحات غير محدود.. ودائماً القادم أكثر إلهاماً ونجاحاً وتفرداً، وصناعة الحياة نجاحات بات شعب الإمارات في ظل قيادته الرشيدة أهلاً لها ورمزاً لملاحم بطولية تستهدف الارتقاء بالإنسان دائماً نحو الأفضل.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.