جدير بالذكر، أنه رغم ذلك كله، تبقى البيانات المتعلقة بمدى أمان عقار «ليكانيماب» أفضل من تلك المتعلقة بعقار «أديوكانوماب»

تفاؤلات ومخاوف إزاء علاج جديد لداء «الزهايمر»

مقالات
ماكنزي بريلامان:صحفي علمي

 

تفاؤلات ومخاوف إزاء علاج جديد لداء «الزهايمر»

 

 

 

 

سنح لفريق من الباحثين إجراء مراجعة أولية لبيانات المرحلة الثالثة من إحدى التجارب الإكلينيكية التي تناولت بالدراسة دواءً تجريبيًا لعلاج داء ألزهايمر، كان قد حظي بإشادة واسعة. ورغم أن البيانات تشير إلى أن للدواء أثر إيجابي معقول في الوظائف الإدراكية لدى المصابين بالمرض، أبدى بعض العلماء تخوفًا إزاء أمانه للاستخدام.

نتائج هذه التجربة الإكلينيكية التي أَعلن عنها مؤتمر حول التجارُب الإكلينيكية لعلاج داء أُلزهايمر في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية في التاسع والعشرين من نوفمبر الماضي، ونُشِرَتْ بالتزامُن على شبكة الإنترنت، أكدت أنّ هذا العقار، وهو جسمٌ مضادٌ أحادي النسيلة، يحمل اسم «ليكانيماب» lecanemab، يبطئ بالفعل معدل التدهور الإدراكي بنسبة 27%، مقارنةً بعلاج بعقار وهمي، في دراسةٍ استمرَّتْ 18 شهرًا على قرابة 1800 شخص (C.H. Van Dyck et al. N. Engl. J. Med. https://doi.org/grcm47؛ 2022). كذلك أعلنت الشركتان اللتان طوّرتا الجسم المضاد، وهما شركة «إيساي» Eisai ومقرّها طوكيو، وشركة «بيوجين» Biogen للتقنيات الحيوية ومقرّها مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس الأمريكية هذه النتائج بالغة الأهمية في شهر سبتمبر الماضي، خلال بيانٍ صحفي.

بيد أن ذلك الإعلان يأتي على خلفية تقارير إعلامية تفيد بأنّ عقار «ليكانيماب» ربما يكون قد أسهم في وفاة اثنين من المشاركين في التجربة، وهو ما يعزز الجدل الدائر بشأن ما إذا كان التأثير الإيجابي المتواضع لهذا الدواء التجريبي يبرر المجازفة بتلقيه. وتجدر الإشارة إلى أن شركة «إيساي» نفت أن لعقار «ليكانيماب» دور في واحدة من حالتي الوفاة، ولم تحدد بعد ما إذا كان قد لعب دورًا في حالة الوفاة الأخرى.

تعقيبًا على ذلك، يقول روب هوارد، الطبيب النفسي من جامعة كوليدج لندن، المتخصص في علاج أمراض الخرف: “الأمر برمته يتوقف على موازنة شديدة التعقيد بين المخاطر والفوائد”. وقد أعرب عن قلقه بخصوص نهج الموازنة بين جانبي المسألة الذي سيتبنّاه المصابون بداء ألزهايمر وعائلاتُهم، ممن في أمسّ الحاجة إلى علاج للمرض، إذا اعتمدت الهيئات التنظيمية العقار.

وفي تصريح لشركة «إيساي» في بيانها الصادر بتاريخ التاسع والعشرين من نوفمبر الماضي، ذكرت الشركة: “جميعُ المعلومات المتعلقة بأمان عقار «ليكانيماب» المتوفرة بين أيدينا، تشير إلى أن العقار لا يرتبط بوجه عام بتزايُد في احتمالية الوفاة من جراء العلاج به”.

أما كاليب ألكسندر، اختصاصيّ الطب الباطني وعالم الأوبئة من كلية جونز هوبكنز بلومبيرج للصحة العامة في مدينة بالتيمور بولاية ميريلاند الأمريكية، وعضو اللجنة الاستشارية لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية، فيقول إنّه حال العثور على علاقة بين عقار «ليكانيماب» وحالتَي الوفاة، فإنّ ذلك قد يُشَكِلُ «معضلةً حقيقيةً» لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية، إذ إنها الطرف المنوط به البت في اعتماد عقار «ليكانيماب». ومن المتوقّع أن تصدر الإدارة في أوائل شهر يناير المقبل قرارها بشأن ما إذا كانت ستمنح الجسم المضاد اعتمادًا خاصًا للاستخدام.

فوائد ومخاطر

صحيح أن كثيرًا من الباحثين كانوا قد أبدوا سعادتهم بسرعة نشر بيانات تجربة عقار «ليكانيماب»، بيد أن بعضهم كان قد انتقد في السابق طَرْحَ دواءٍ آخر من الأدوية القائمة على الأجسام المضادة أحادية النسيلة لعلاج داء ألزهايمر، وهو عقار «أديوكانوماب» Aducanumab. فعلى غرار عقار «ليكانيماب»، صُمّمَ «أديوكانوماب» لإزالة تكتلات لويحات «أميلويد-بيتا» Amyloid-β من الدماغ، وهو بروتينٌ يظن كثير من الباحثين أنّه السبب الأساسي لداء ألزهايمر. وقد أثارت إدارةُ الغذاء والدواء الأمريكية العام الماضي حالة من الجدل حين صرَّحت باستخدام عقار «أديوكانوماب»، الذي طوَّرته شركة «بيوجين»، بناءً على تأثيراته في لويحات «أميلويد-بيتا»، لكن دون تقديم دليل واضح على أن الدواء يؤثر تأثيرًا إيجابيًا في الوظائف الإدراكية لدى المصابين بالمرض.

وعلى النقيض، كان «ليكانيماب» هو أول عقار تثبت في تجربة إكلينيكية رصينة قدرته على إبطاء التدهور الإدراكي بين العقاقير من نوعه. ففي هذه التجربة، التي تحمل اسم «كلاريتي إيه دي» Clarity AD، أعطى الأطباءُ العلاجَ لمجموعة أتراب من المُصابين بداء ألزهايمر، في مراحله المبكرة، انتموا إلى أكثر من 12 دولة. وبينما تلقّى نصفُ المشاركين جرعةً وريديةً من عقار «ليكانيماب» كل أسبوعين، تلقى الآخرون علاجًا بعقار وهمي. بعد ذلك، قَيَّمَ العلماءُ الوظائف الإدراكَية للمشاركين في التجربة، مستخدمين بالدرجة الأولى مؤشرًا شهيرًا يُعرف بالتصنيف الإكلينيكي للخرف اعتمادًا على مجموع المربعات (اختصارًا: CDR-SB)، والذي يقيِّم قدرات الشخص الإدراكية في ستة مجالاتٍ، من بينها الذاكرة، والقدرة على حلّ المشكلات، باستخدام مقياسٍ يتكوَّن من 18 نقطة.

وبعد 18 شهرًا، حقَّق المشاركون الذين تلقّوا عقار «ليكانيماب» نتائج أفضل ممن تلقوا العلاج بالعقار الوهمي، بمقدار 0.45 نقطة في المتوسط على المؤشر سالف الذكر. واتسقت نتائج اختباراتُ القدرات الإدراكية الأخرى التي استُخدِمت في الدراسة مع هذه النتائج، كما أظهرَتْ المجموعةُ التي تلقّتْ العلاجَ بعقار «ليكانيماب» انخفاضًا في تكتلات لويحات «الأميلويد-بيتا»، وغيره من المؤشرات البيولوجية الأخرى للمرض.

رغم ذلك، تشكك بعض الباحثين فيما إذا كان هذا التحوّل كافيًا لإحداث فرقٍ ملحوظٍ في أعراض المرضى الذين يعانون هذا الاعتلال، إذ يقول هوارد إن الحد الأدنى لأي تغيّر ذي دلالة من الناحية الإكلينيكيّة هو نقطةٌ واحدةٌ على الأقل على هذا المؤشر.

أما برنت فورستر، مدير برنامج أبحاث الطب النفسي للشيخوخة في مستشفى ماكلين بمدينة بلمونت بولاية ماساتشوستس الأمريكية، والذي ساعد في إدارة تجربة عقار «ليكانيماب» الإكلينيكية، فيعلّق قائلًا: “الفائدة التي تحقَّقت من هذه التجربة متواضعةٌ”. وتتركّز مخاوف فورستر على مدى أمان العقار. فقرابة 20% ممن عولِجوا باستخدام عقار «ليكانيماب» كانت تظهر لديهم اضطرابات في مسوحات الدماغ تشير إلى حدوث تورمٍ أو نزيفٍ.

جدير بالذكر، أنه رغم ذلك كله، تبقى البيانات المتعلقة بمدى أمان عقار «ليكانيماب» أفضل من تلك المتعلقة بعقار «أديوكانوماب»؛ إذ أظهر الأخيرُ أنّ 40% ممن تلقّوا الجسم المضاد الذي يستخدمه، في المرحلة الثالثة من التجارب الإكلينيكية، أظهرت فحوص المسح الدماغي التي خضعوا لها مواضع تورم واضحة. بيد أن فورستر لا يزال متخوفًا من أن يؤدي اعتماد عقار «ليكانيماب» إلى إعطائه لأشخاص في مراحل مبكّرة من داء ألزهايمر، أي لا يعانون تدهورًا إدراكيًا كبيرًا. ومن ثم، قد تؤدّي أي مضاعفات للعلاج إلى تدهورٍ جودة حياتهم.

ووفقًا للعرض التقديمي الذي أعلن عن نتائج التجربة الإكلينيكية في المؤتمر سالف الذكر، أُصيب  13 شخصًا ممن تلقوا عقار «ليكانيماب» في تجربة «كلاريتي إيه دي»، بأعراض نزيف دماغي، أو سكتاتٍ دماغيةٍ، بينما لم يُصَبْ بهذه الأعراض إلا شخصان في مجموعة العلاج بالعقار الوهمي. ويقول هوارد إن هذه النسبة لا تمثّل إلا 1.4% من المجموعة التي تلقَّتْ العلاج، على أن هذا الخطر ليس مما يمكن تجاهله.

أما حالتي الوفاة اللتين ورد ذكرُهما في وسائل الإعلام، فقد حدثتا خلال المرحلة الممتدة غير المعماة من تجربة «كلاريتي إيه دي»، وهي الفترة التي تعقب انتهاء التجربة رسميًا، ويمكن فيها للمشاركين الذين كانوا يتلقّون العلاج بالعقار الوهمي اختيار تلقّي العلاج التجريبي. وفي كلتا حالتي الوفاة حدثت مضاعفاتٌ ترتبط بالسكتات الدماغية.

ففي إحدى هاتين الحالتين، وفق تغطية إخبارية نُشرَت في موقع «ستات» STAT الإخباري ، توفي أحد المشاركين بعد أن استخدم دواءً لسيولة الدم أو مضادَا لتجلطٍ الدم، أُعطي له بوصفة طبية، لعلاج مرضٍ قلبي، بعد أن أُصيب بنوبةٍ قلبيةٍ، وأربع أزمات صحّية تُشبه السكتة الدماغية الصغيرة. أما حالة الوفاة الأخرى، التي أفاد بها مقال نُشر بدورية «ساينس» Science ، فقد توفّيتْ إثر نزيفٍ دماغي بعد تلقيها دواءً مضادًا لتجلّط الدم يُستَخدم لعلاج السكتات الدماغية في حالات الطوارئ. ووفقًا لكلا المصدرين الإخباريين، يرى عدد من العلماء أنه من المحتمل أن عقار «ليكانيماب» أضعَف أوعية دموية في أدمغة هذين الشخصين، من خلال إزالة بروتين «أميلويد-بيتا» الذي يُبطِّن هذه الأوعية، لتؤدّي الأدوية المضادة للسكتة الدماغية التي تلقاها المريضان إلى حدوث نزيف دماغي لهما بعد ذلك.

وفي أثناء طرح بيانات التجربة الإكلينيكية خلال المؤتمر، قال مروان صباغ، طبيبُ الأعصاب من معهد بارو للأعصاب في فينيكس بولاية أريزونا الأمريكية، إنّه مع وجود مضادات لتجلّط الدم وعوامل أخرى، يصعب بعض الشيء إثبات ما إذا كان عقار «ليكانيماب» قد لعب دورًا في الوفيات. مضيفًا: “لا تزال تلك الأمور قيد الدراسة”.

أما ليانا أبوستولوفا، اختصاصية علم الأعصاب من كلية الطب بجامعة إنديانا في إنديانابوليس، والتي عملت استشارية لشركتي «إيساي» و«بيوجين»، فتقول: “صراحةٍ، أميل إلى تأييد عدم وصف الأجسام المضادة أحادية النسيلة لمن يتلقون أدوية مضادة لتجلّط الدم”.

أما ألكسندر، فيقول إنّه “لا يمكن التكهن” بما إذا كانتْ حالتا الوفاة من شأنهما أن تؤثرا في قرار إدارة الغذاء والدواء الأمريكية المرتقب أن يصدر السادس من يناير المقبل، سواء باعتماد عقار «ليكانيماب»، أو لا. ومن المتوقع أن تنظر الإدارة فيما إذا كان يجدر بها منح هذا العقار الواعد “موافقةً مُعجَّلة” على أساس بيانات المرحلة الثانية من التجارب الإكلينيكيّة التي تُظْهِر أن عقار «ليكانيماب» يزيل لويحات بروتين «الأميلويد-بيتا» من الدماغ. وستكون الموافقة مشروطة بأن تُجري شركتا «إيساي» و«بيوجين» دراسات متابعةٍ لتأكيد الفائدة الإكلينيكية للعقار، وهو ما يجب على تجربة «كلاريتي إيه دي» أن تفي به.

ختامًا، يقول فورستر، إنه في حال اعتماد عقار «ليكانيماب»: “ستصدر توصياتٌ بمراقبة دقيقة للوضع”.عن “ساينتافيك أميريكان”

 


تعليقات الموقع