هل من سبيل لتصالُح التعليم مع تطبيق “تشات جي بي تي”؟

مقالات
 جون فيلاسينور:كاتب علمي
6874-etisalat-postpaid-acquisition-promo-2024-728x90-ar

 

هل من سبيل لتصالُح التعليم مع تطبيق “تشات جي بي تي”؟

 

 

 

 

نظرة سريعة على الأخبار هذه الأيام كفيلة بأن تُشعرك بأن فعل الكتابة الذي تنبني عليه صحة مستندات مثل خطاب طلب الالتحاق بكليةٍ ما، واختبارات الدراسات العليا، وحتى اختبارات الحصول على ترخيص لمزاولة مهنة الطب، باتت مصداقيته مهددةً بعد أن غدت تطبيقات الذكاء الاصطناعي من الطراز المتقدم مثل »تشات جي بي تي « ChatGPT في متناول الجميع، »تشات جي بي تي« هو روبوت يُجري دردشة باستخدام الذكاء الاصطناعي، غير أنه يتميز بقدرة فذة على الإدلاء بإجابات واضحة ومفصلة عن أسئلة معقدة، ومن هذا المنطلق، يخشى المعلمون على وجه الخصوص من أن يلجأ الطلاب إلى »تشات جي بي تي« ليساعدهم في إنجاز مهماتهم، أحد الحلول المقترحة هو إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء عودةً إلى القرن العشرين، ذلك الزمن الذي كان فيه الطلاب يجيبون عن أسئلة الامتحان باستخدام الورقة والقلم، دون اللجوء إلى أيٍّ من الأجهزة الإلكترونية المتصلة بالإنترنت، وبالتوازي، تفكر جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس -التي أعمل بها مدرسًا- في جعل استخدام تطبيق »تشات جي بي تي« في أثناء الاختبارات أو كتابة الأوراق البحثية انتهاكًا لميثاق الشرف الجامعي.

بيد أن هذا النهج غير صحيح، وعليه، فقد نويت أن أخبر طلابي الذين سأدرسهم بكلية الحقوق بالجامعة هذا الفصل الدراسي بأنني سأسمح لهم باستخدام تطبيق »تشات جي بي تي« في أثناء أداء مهماتهم الكتابية، إن الزمن الذي كانت فيه قدرة الشخص على إنتاج كتابات جيدة مرهونةً بموهبته في الكتابة قد ولَّى بنهاية عام 2022، واليوم علينا أن نتكيف مع الوضع الجديد، وبدلًا من منع الطلبة من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي الكتابية التي توفر الوقت والجهد، علينا أن نعلمهم كيف يستخدمونها بفاعلية مع مراعاة الجانب الأخلاقي.

ومن أجل أن يحافظ الطلاب على تميزهم وقدرتهم على المنافسة في أثناء مسيرتهم المهنية، عليهم أن يتعلموا سبل الاستعانة بأداة كتابة قائمة على الذكاء الاصطناعي لإنتاج بيانات مفيدة، وكذلك يجب أن يتعلموا سبل تقييم جودة البيانات من هذا النوع ودقتها ومصداقيتها، يحتاج الطلاب أيضًا إلى تعلُّم كيفية صياغة مقالات سليمة البنية ومترابطة الأفكار حتي وإن كانت تحوي مزيجًا من نصوص أنتجها الذكاء الاصطناعي ونصوص كتبها البشر بالصورة التقليدية، ونظرًا إلى أن هؤلاء الطلاب سيحترف كلٌّ منهم مهنةً ما ويعمل بها حتى ستينيات القرن الحالي وما بعد ذلك، فسيتعين عليهم أن يتعلموا كيفية التعامل بفاعلية مع نظم الذكاء الاصطناعي بما يضمن الاستفادة من القدرات الاستثنائية المزمَع أن توفرها تلك النظم بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين في سد الفجوات التي تعتري الإبداع البشري، بل والارتقاء به أيضًا.

وكما توجد دوافع تعليمية منطقية وراء تبنِّي هذا النهج في التعامل مع »تشات جي بي تي« على أنه فرصة لا بد من اغتنامها وليس تهديدًا، فثمة دوافع عملية لذلك أيضًا، فعلى سبيل المثال، يكاد يكون قطع سبل الوصول إلى هذه التقنية ومن ثم حظرها بشكل تام ضربًا من ضروب المستحيل، وسواءٌ كان هناك ميثاق شرف يُجرِّم استخدامها أم لا، فإن الطلاب لن يستطيعوا مقاومة الرغبة الملحَّة في الاستعانة بالذكاء الاصطناعي بكل ما يقدمه من مغريات في كتاباتهم، وحتى مع وجود الأدوات التي تكشف النصوص المنتَجة بواسطة الذكاء الاصطناعي، كيف لمؤسسة تعليمية أن تفرض حظرًا على استخدام »تشات جي بي تي« في ظل واقع قد تصبح فيه هذه الأدوات عديمة الفائدة في مواجهة النسخ المستقبلية من الذكاء الاصطناعي التي ستتحسن في محاكاة كتابة البشر لتصل إلى مرحلةٍ قد تحاكي فيها أسلوب كتابة الشخص الذي يستخدمها؟ في سباق محموم كهذا، لا مفر من أن أدوات الكتابة القائمة على الذكاء الاصطناعي دائمًا ما ستكون متقدمةً بخطوة عن الأدوات التي تكشف نصوص الذكاء الاصطناعي.

ومن هنا، فلا مفر كذلك من أن يُفضي تفعيل حظر استخدام »تشات جي بي تي« إلى ظلم مُحقَّق في ظل اتهام البعض بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي أو تبرئة البعض الآخر من ذلك بناءً على نتائج أدوات الكشف غير الموثوقة، على سبيل المثال، بعض الطلاب ممن يستخدمون »تشات جي بي تي« رغم الحظر قد يسعفهم حظهم أو قدرتهم على تحرير النص المُوَلَّد عبر الذكاء الاصطناعي تحريرًا جيدًا، مما سيجنِّبهم خطر اكتشاف استعانتهم بأداة ذكاء اصطناعي في الكتابة، والأسوأ من ذلك أن بعض الطلاب قد يتعرضون عن طريق الخطأ للاتهام باستخدام «تشات جي بي تي»، ما سيضعهم تحت ضغط هائل، ناهيك باحتمال معاقبتهم على ذنب لم يقترفوه.

وقد يشير البعض إلى الطرح القائل بأن تعلُّم أصول الكتابة الجيدة له مزايا أخرى تتجاوز فعل الكتابة في حد ذاته، وردًّا على ذلك أقول: إن كتابة مقالة جيدة من الصفر تتطلب تفكيرًا دقيقًا ومضنيًا في تنظيم الأفكار وسلاستها وضمان اتصالها، وإن تَعلُّم الكتابة دون استخدام الذكاء الاصطناعي بطبيعة الحال من شأنه أن يعزز التفكير محدد الأهداف والمنظم، بيد أن المهارات نفسها مطلوبة أيضًا عند تعلُّم دمج الكتابة البشرية مع كتابة الذكاء الاصطناعي لنسج مقالة جيدة.

إن الكتابة حرفة جديرة ببالغ الاحترام، ولا يتقنها سوى القليل منَّا، لكن أغلب الطلاب لا يهدفون إلى احتراف الكتابة؛ فهم يُعدون أنفسهم للالتحاق بوظائف يستطيعون فيها الكتابة لتحقيق أهدافٍ أبعد من مجرد الكتابة، وكما نفعل نحن الآن، فهم سيكتبون من أجل التواصل، أو تفسير أمرٍ ما، أو الإقناع، أو تخليد ذكرى ما، أو لطلب شيء أو لتقديم حجج، وعندما تُوَظَّف أدوات الكتابة القائمة على الذكاء الاصطناعي توظيفًا حسنًا، فهي ستساعدهم في إنجاز هذه الأشياء على نحوٍ أفضل.

عندما كنت طالبًا في المرحلتين الإعدادية والثانوية في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، قيل لي إن النجاح المهني يتطلب “خطًّا جيدًا” والقدرة على حل مسائل القسمة المطوَّلة دون آلة حاسبة، وبحلول الوقت الذي انضممت فيه إلى بيئة العمل المهنية في نهاية الثمانينيات، كانت التكنولوجيا قد حوَّلَت هذه المهارات إلى شيءٍ عفا عليه الزمن، يشير هذا إلى أن الثقافة التعليمية تتطور ببطء، والدليل على ذلك أن الكثير من المدارس اليوم ما زالت تجبر الأطفال على تعلُّم القسمة المطَوَّلَة، وهي عملية حسابية لن يحتاجوا أبدًا إلى أدائها خارج المدرسة، لذا، لا بد أن يتحلى المربون ببُعد النظر فيما يتعلق بالتكنولوجيا بدلًا من التخلف عن رَكبها عقودًا.

وقد خلصت من كل ذلك إلى أنني سأساعد طلابي على الاستعداد للمستقبل الذي سيكون الذكاء الاصطناعي فيه أداةً تكنولوجيةً عادية على غرار الأدوات التي نستعملها بأريحية اليوم وليس بدعةً جديدة، كما سأبلغهم بأنهم مسؤولون بمفردهم مسؤوليةً كاملة عن الكتابات التي تحمل أسماءهم، فإذا كانت هذه الكتابات غير منظمة أو ركيكة أو تحوي أفكارًا غير منطقية أو غير دقيقة، فإن ذلك سيؤثر على سمعتهم، وإذا كان فيها أجزاء مسروقة، فهذا يعني اقترافهم للسرقة.

باختصار، أنا أشجع طلابي على أن يتحلوا بالمسؤولية، وأن يستخدموا تقنيات الذكاء الاصطناعي بوعي؛ لأنها ستؤدي دورًا شديد الأهمية في أثناء مسيرتهم المهنية؛ فالكتابة بمساعدة الذكاء الاصطناعي -إذا جاز التعبير- أصبحت قدرًا مكتوبًا علينا.

عن أميركان سيانتافيك


تعليقات الموقع