أردوغان أكد ضرورة ترك الخلافات والنزاعات السياسية من أجل تحقيق التضامن الشعبي ومعالجة جروح ضحايا الزلزال ومواجهة المعضلة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد التركي

الثابت والمتغير في السياسة التركية في الولاية الثالثة لأردوغان

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

 

اتجاهات مستقبلية

الثابت والمتغير في السياسة التركية في الولاية الثالثة لأردوغان

 

 

 

 

 

تُعد الانتخابات الرئاسية التركية، التي أعلن فيها فوز الرئيس رجب طيب أردوغان، بولاية ثالثة في تركيا، بعد منافسة قوية مع مرشح المعارضة كليجدار أوغلو، نقطة مهمة في تاريخ تركيا الحديث؛ لأن تلك الانتخابات تُعد بمنزلة استفتاء على شكل النظام السياسي القائم، وعلى توجهاته الداخلية والخارجية معًا. وفي ظل نتائج متوقعة، حصل أردوغان على 52.14% من أصوات الناخبين، فيما حصل منافسه على 46.86%. وبذلك، يحكم أردوغان تركيا لمدة 5 سنوات مقبلة تنتهي في 2028، يكمل بعد نهايتها الرئيس التركي 25 عامًا في سدة الحكم.

ومن هذه النتائج يمكننا القول إن الرئيس التركي وحزبه العدالة والتنمية لن يكونا مطلقي اليدين، كما يتوقع بعضهم، في اتباع سياسات تحدث تغيُّرًا هيكليًّا في السياسات التركية، وخاصة إذ ما استمرت المعارضة بهذه القوة، وظلت تُمثل جبهة موحدة للضغط على السياسات الحكومية. كما أن المعضلة الاقتصادية في تركيا ستجعل الرئيس التركي وحزبه حريصين على اتباع سياسات تتسم بالتوازن والتحوط، وربما تأخذ في الاعتبار طوال الوقت موقف قوى المعارضة منها.

وعامة، كشف الرئيس التركي، في خطاب النصر، عن أولوياته للحقبة الجديدة من حكمه؛ فعلى الصعيد الداخلي أكد أردوغان ضرورة ترك الخلافات والنزاعات السياسية من أجل تحقيق التضامن الشعبي ومعالجة جروح ضحايا الزلزال، ومواجهة المعضلة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد التركي، ومواجهة آثار التضخم، وردّ الاعتبار للاقتصاد الإنتاجي، فضلًا عن الاستمرار في سياسات مكافحة التنظيمات الإرهابية؛ في إشارة منه إلى المسألة الكردية، ذلك على عكس ما بدأ به فترة حكمه عندما وصل إلى السلطة عام 2002، حيث سعى حينذاك للتوصل إلى اتفاق لإنهاء كفاح الأكراد المسلح ومنحهم الحكم الذاتي. لكن المحادثات في 2015 فشلت؛ ما أدى إلى استئناف النزاع المسلح بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني، الذي أُدرج على لائحة المنظمات الإرهابية.

وحول ملف اللاجئين السوريين، الذي كان محور تركيز الحملة الانتخابية للمعارضة، أكد أردوغان ضرورة العودة الطوعية للسوريين، وأنه سيعمل على عودة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم.

وعلى المستوى الإقليمي، يُتوقع أن تعمل تركيا على تعزيز الانخراط في قضايا الشرق الأوسط، مع الاستمرار في اتباع سياسة “تصفير المشاكل”، بما في ذلك استمرار خطوات التقارب التركي مع القاهرة، في ظل محاولات تقريب وجهات النظر حول ملفات غاز الشرق المتوسط، وجماعة الإخوان، والتسوية النهائية في ليبيا. كما ستواصل تركيا مساعي التقارب مع دول الخليج العربية، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، لجذب المزيد من الاستثمارات، والدخول في تنفيذ الشراكات الاقتصادية التي وُقّعت مع كلا البلدين مؤخرًا، وتقريب وجهات النظر حول الوضع في سوريا والعراق واليمن وليبيا. كما ستشهد العلاقات التركية-السورية تحسنًا في العلاقات والتفاهم حول سُبل مواجهة كل من حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردي، وقوات سوريا الديمقراطية، وتنظيم داعش.

وعلى المستوى الدولي، ستظل تركيا تراوح بين انتمائها للتحالف الأمني الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، واتباع سياسات التحوط الاستراتيجي من هذا التحالف، وخاصة بعد أن كانت هناك رغبات أمريكية واضحة بفوز مرشح المعارضة التركية. أما عن العلاقات مع روسيا والموقف من الحرب الدائرة الآن، فإن تركيا سوف تستمر في نهج “التوازن”، حيث تعمد إلى تعميق العلاقات مع روسيا، ورفض فرض مزيد من العقوبات الغربية عليها، وفي الوقت ذاته الاستمرار في لعب دور الوسيط بين أوكرانيا وروسيا بما يحقق مصالحها. وإجمالًا، ستظل السياسات التركية نحو الصين والدول الأفريقية والآسيوية كما هي ولن يحدث فيها تغيير ملحوظ.

وأخيرًا، يمكن القول إن السياسات التركية في ظل فترة حكم أردوغان الجديدة ستستمر في النهج ذاته الذي اتبعته مؤخرًا؛ ولاسيما فيما يتعلق بتصفير المشكلات وتهدئة التوترات الإقليمية للتركيز على تعزيز نموها الاقتصادي.

 

 


تعليقات الموقع