تكتل "بريكس+" يضع أمام أعين العالم فكرة التحرر من القطبية الاقتصادية والسياسية، وركز على الجنوب العالمي، وضمان التنمية المستدامة للأمن الغذائي والطاقة

فرص وتحديات اقتصادات «بريكس»

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

اتجاهات مستقبلية
فرص وتحديات اقتصادات «بريكس»

 

 

طموحات وتطلعات مجموعة “بريكس” تتزايد مع انعقاد قمتها الأولى في قازان عاصمة جمهورية تترستان الروسية، بعد التوسع إلى 9 دول، وانضمام كل من دولة الإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا، وفي الوقت نفسه ماتزال دول عدة حول العالم تنتظر الموافقة على عضويتها في التحالف الاقتصادي الأكبر في العالم جغرافيًا وديمغرافيًا.
وضع تكتل “بريكس+” في قمته الـ16، أمام أعين العالم فكرة التحرر من القطبية الاقتصادية والسياسية، وركز على الجنوب العالمي، وضمان التنمية المستدامة للأمن الغذائي والطاقة، خاصة مع الوضع المتفاقم في الشرق الأوسط، ولذا دعا إلى وقف إطلاق النار في غزة، والحفاظ على سيادة لبنان، وحذر من اتساع الصراع في الشرق الأوسط.
وتطمح “بريكس” إلى الاستفادة من مقدراتها الهائلة التي تشكل نحو 45% من سكان العالم، وأكثر من 28% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ولم لا؟ والمجموعة صارت قوة اقتصادية متنامية ومحركة للنمو العالمي والتجارة والاستثمار، إذ تمثل دول المجموعة 20% من التجارة العالمية؛ ولذا طرحت قمة روسيا على الطاولة التحرر من النظام الاقتصادي الدولي الحالي، وذلك بالشروع في تأسيس نظام للمدفوعات الدولية تحت اسم “جسر بريكس”، يعتمد على شبكة البنوك لدول المجموعة، استنادًا إلى تقنيات بلوكتشين والعملات الرقمية، ليكون بديلًا للنظام الحالي المسيطر عليه غربيًا، بُغْيَة إنشاء منصة “بريكس كلير” لتسوية التجارة في الأوراق المالية، مع دراسة إمكانية تأسيس بورصة لتجارة المعادن الثمينة، وبورصة تجارية للحبوب في مجموعة “بريكس”، إذ إن دول المجموعة تستحوذ على النسبة الوازنة من إنتاج الحبوب عالميًا.
ومع تعرض النظام العالمي إلى هزات على المستوى الاقتصادي والسياسي في السنوات الأخيرة، تحملت دول الجنوب العالمي الجانب الأكبر من الأضرار، ويعمل “بريكس” على إحداث التوازن الدولي بالعدالة والإنصاف. وما يميز اقتصادات “بريكس” هو التكامل، حيث تتنوع الاقتصادات بين الطاقة والزراعة والصناعة والتعدين والتكنولوجيا والكفاءات البشرية والإمكانات العسكرية، ويحاول بريكس استغلال هذه الإمكانيات في تقليل الاعتماد على الدولار، واستخدام العملات الوطنية بشكل أكبر في التجارة الثنائية، والخروج من دوائر اقتصادية تتحكم في مقدرات الدول بفرض عقوبات إذا ما اختلفت المواقف في الشؤون الدولية، ونموذج الصين وروسيا أوضح دليل على إمكانية تبادل ما يقرب من 95% من التجارة بالروبل واليوان.
وبتفعيل بنك التنمية “إن بي دي”، وصندوق احتياطات الطوارئ “سي آر إيه”، لتوفير مساعدات وقروض للدول النامية حول العالم، سيعطي المجموعة قدرة على المنافسة مع المؤسسات المالية الغربية، خاصة بعد أن قام التكتل بتجديد دمائه عبر انضمام دول جديدة، وتعاظم الآمال في تحقيق نمو اقتصادي قائم على الابتكار والتكنولوجيا المتقدمة، وتسهيل الاندماج الاقتصادي، وإنشاء سوق مشتركة للتجارة الحرة وعملة موحدة مستقبلًا، وتحقيق السلام والاستقرار السياسي والاقتصادي حول العالم.
وتمتلك “بريكس” عوامل قوة متعددة، غير أنها تواجه تحديات تتعلق بالقدرة على منافسة المنظومة الغربية النافذة منذ عقود، في ظل اختلاف شكل الأنظمة السياسية بين دول المجموعة، وعدم الاتفاق على تصورات تتعلق بالاقتصاد والتجارة والتمويل، والتنافس بين دول المجموعة، والخلافات السياسية والحدودية، وتعارض المصالح بين دول التكتل. كما أن الاتفاق بالإجماع بين دول المجموعة ليس سهلًا، والتخوف وارد من هيمنة الاقتصادات الكبرى في بريكس على دول التكتل، مع التباين في القوة الاقتصادية والتنموية.
إن إطلاق مبادرة تاريخية لإعادة تشكيل هيكل المدفوعات العالمية يُعَدُّ خطوة ثورية تحتاج إلى الكثير من العمل لإنجاحها، وربما يستغرق الأمر وقتًا كبيرًا سواء على المستوى التنسيقي والفني، في حين أن نحو 58% من عملات الاحتياطي الأجنبي في البنوك المركزية حول العالم مقومة بالدولار، مع الاتجاه إلى زيادة الاحتياطيات من الذهب.
كل الشواهد تتجه إلى اتساع الساحة الدولية لقوى متعددة، واستضافة روسيا للقمة الـ16 للبريكس هو دليل على أن العالم ذاهب إلى مجتمع دولي متعدد الأقطاب لا محالة. ومن المنتظر بالطبع أن توسيع العضوية في التكتل يتيح زيادة التجارة البينية، وحرية نقل التكنولوجيا والمعرفة بين دول المجموعة. كما أن توفير آليات للتمويل لا تضغط على الدول من شأنه أن يُسهم في تقليل دور أي منظمات مالية دولية منافسة. ومن البديهي أيضًا أن زيادة التوجه بين دول المجموعة إلى التبادل التجاري بالعملات المحلية سوف يزيد من الطلب على العملات المحلية، ويُسهم في خفض الطلب على الدولار الأمريكي، ما يساعد في كبح جماح التضخم، وأن تؤدي الاستثمارات المتبادلة بين دول بريكس إلى زيادة قوة دول مجموعة البريكس.


تعليقات الموقع