خلال منتدى "تريندز" السنوي الرابع حول الإسلام السياسي

مناقشات لجذور العنف المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين

الإمارات

 

 

أبوظبي – الوطن:
أكد باحثون وخبراء ومختصون من عدة دول، أن ظاهرة التطرف الإسلاموي لا يمكن فهمها دون النظر في التنظير الفكري الذي يقوم عليه الإسلام السياسي، ولا يمكن القضاء على هذا التطرف دون معالجة الفكر الذي يُنشر عنه.
جاء ذلك في المنتدى السنوي الرابع حول الإسلام السياسي، الذي نظمه مركز تريندز للبحوث والاستشارات في قاعة “تريندز” الكبرى في مقره بأبوظبي، تحت عنوان “الإخوان المسلمون والعنف”، وذلك بمشاركة نخبة من الباحثين والخبراء من مختلف أنحاء العالم.
ودعا نحو 18 باحثاً وأكاديمياً من دولة الإمارات، وفرنسا، والمغرب، وتونس، وألمانيا، وكندا، إلى حوارٍ فكريٍّ موسَّع بين الغرب والعالم العربي، لفهم أعمق لهذه الظاهرة ولمواجهتها بأساليب متعددة الأبعاد.
وشدّد المتحدثون في توصيات المنتدى على أهمية إدانة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله، ورفض المعايير المزدوجة في دراسة هذه الظاهرة، والتأكيد على عدم ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية، مطالبين بإعادة تعريف الإرهاب ليشمل ليس فقط من يمارس العنف؛ بل أيضاً من ينظّر له ويبرره ويدعمه.
وشدَّد الخبراء والباحثون على أن ضرورة التصدي للاستخدام السياسي للإرهاب، ورفض استغلاله كوسيلة لتحقيق أهداف جيوسياسية، مؤكدين في الوقت نفسه على الحاجة إلى حوار بين الأكاديميات الغربية والعربية لفهم أعمق لظاهرة التطرف والعنف الإسلاموي، وأهمية تعزيز فهم الأسباب الفكرية التي تبرر العنف وتطوير مقاربات فكرية وعملية لمواجهة الأيديولوجيات المتطرفة بفعالية.

حلقة وصل فكرية
وقد افتتحت أعمال المنتدى بكلمة ترحيبية للدكتور محمد عبداللـه العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، الذي أكد أهمية المنتدى في تحليل وتفكيك خطابات جماعات الإسلام السياسي، ودراسة التحديات التي تشكلها هذه الجماعات على المجتمعات والدول الوطنية.
وأشار إلى أن المنتدى جاء بهدف تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، هي، تحليل الأسس الأيديولوجية للتطرف المؤدي إلى العنف لدى الإخوان المسلمين من خلال دراسات لحالات متعددة، وإظهار الروابط الفكرية والعملياتية بين الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية، وتسليط الضوء على الطبيعة الهجينة لجماعة الإخوان المسلمين وما يمثله ذلك من تحدياتٍ على مستوى الفهم والمجابهة.
وأوضح أن مشاركة باحثين من دول متعدّدة، مثل فرنسا، والمغرب، وتونس، وألمانيا، في المنتدى، يعزّز دوره كحلقة وصل بين مركز “تريندز” ومراكز البحث العالمية، بهدف مواجهة الأفكار المتطرفة، وعلى رأسها أفكار جماعة الإخوان المسلمين، التي تروّج للانقسام بين أبناء الوطن الواحد، مشدداً على أهمية مواجهة هذه الأفكار بنشر مفاهيم الوسطية والاعتدال والتسامح والعيش المشترك.

قضية جوهرية
بدورها في الكلمة الرئيسية للمنتدى،أكدت الدكتورة خديجة فرحان الحميد، مدير إدارة شؤون الطلبة ـ أكاديمية ربدان،أن الحديث عن جماعة الإخوان وعلاقتها بالعنف ليس مجرد نقاش فكري؛ بل هو موضوع يلامس جوهر استقرار المجتمعات وأمنها، ويطرح تساؤلات حيوية حول الدور الذي تلعبه الأيديولوجيات في تشكيل السلوكيات والممارسات السياسية والاجتماعية.
وبينت أن الهدف من هذا المنتدى ليس فقط تقديم حقائق تاريخية أو تحليل أكاديمي؛ بل محاولة لفتح باب الحوار المسؤول والموضوعي حول كيفية التعامل مع التحديات التي تمثلها الجماعات التي تتبنى العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها،قائلة: “نحن بحاجة لفهم أعمق لأسباب انتشار مثل هذه الأيديولوجيات، وكيفية مواجهتها بالأساليب الفكرية والعملية الفعالة”.

تفكيك الأفكار
عقب ذلك بدأت فعاليات المنتدى بعقد الجلسة الأولى تحت عنوان “الأسس الأيديولوجية للتطرف المؤدي إلى العنف لدى الإخوان المسلمين”، حيث قدم البروفيسور مهند خورشيد،عميد المعهد العالي للدراسات الإسلامية جامعة مونستر بألمانيا، خلال مداخلة عبر الاتصال المرئي، الذي اتفق مع مقاربة مركز تريندز للبحوث والاستشارات في تناول ظاهرة التطرف المؤدي للعنف باسم الدين، والتي تقوم على، تفكيك الأفكار المؤسِّسة لتلك الظاهرة وهكذا تفكيك الأفكار المتعاطفة معها، وتسليط الضوء على الأنماط الأخرى من التدين التي لا تعادي الدولة الوطنية ولا مبادئ التسامح والتعايش.

تحويلات المفاهيم
من جانبها سعت الدكتورة ريتا فرج، باحثة وعضوة في هيئة التحرير مركز المسبار للدراسات والبحوث في مداخلتها، إلى الإضاءة ومناقشة التحويلات الضخمة في المفاهيم الإسلامية الكلاسيكية التي قام بها الإسلامويون، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، وتسليط الضوء على المخاطر الناجمة عنها على مستوى الوعي الجمعي العربي، والانقلاب على الدولة الوطنية والإسلام التقليدي واستقراره. وركزت في حديثها على مفهومين أساسيين جرى توظيفهما من قِبل منظِّري “الإخوان” و”السلفيين” منذ ثلاثينات القرن الماضي، الأول الشريعة، والثاني الدولة.

أين المشكل؟
أما الدكتور وائل صالح، الخبير في الإسلام السياسي بمركز “تريندز”، ومدير مكتبه في مونتريال، ناقش في ورقة بحثية المقاربات الأكاديمية الغربية لدراسة ظاهرة التطرف والعنف المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين. وبيّن كيف أن هذه المقاربات تترجم إلى ممارسات منهجية تتعلق بدراسة الإسلاموية المتطرفة، مشيراً إلى ضرورة إيجاد مقاربة معرفية جديدة أكثر وعياً ودقة لفهم أسباب العنف الذي يمارسه الإسلامويون.
كما ألقى الضوء على بعض التحديات المعرفية والأخلاقية التي تواجه دراسات التطرف المؤدي إلى العنف باسم الإسلام وعلى رأسها ما يمكننا تسميته “تبييض العنف”؛ وأن نفكر، في نهاية المطاف، في أسس مقاربة معرفية أكثر وعياً لطبيعة وأسباب التطرف الإسلاموي المؤدي للعنف.
وطرح الدكتور وائل صالح في المداخلة، الخطوط الرئيسية لمقاربة معرفية أكثر وعياً وفهماً لطبيعة التطرف المؤدي للعنف باسم الإسلام التي تمارسه جماعة الإخوان، وذلك من خلال نهج يُراعي في الوقت نفسه، السياق ويحدد الأفكار التي تبرر العنف أو تنظّر له أو تدافع عنه، والتي لا يمكن للمتطرفين أن يرتكبوا أفعالهم تحت راية نمط تدينهم دونها.

نهج هجين
عقب ذلك تم عقد الجلسة النقاشية الثانية تحت عنوان”عنف الإخوان المسلمين: دراسة حالة”، وأدارها عبداللـه الخاجة، الباحث في “تريندز”، وقدم فيها الدكتور رالف ثيلي، رئيس مبادرة الدفاع الأوروبي في ألمانيا مداخلة مهمة، تناول فيها الهجوم الإرهابي الأخير في مدينة زولينغن، مشيراً إلى أن هذا الحادث يُظهر بشكلٍ مقلق مخاطر “الإسلاموية” في ألمانيا وأوروبا، مؤكداً أن هذه المخاطر لا تزال قائمة، وأن الأعمال الإرهابية لها سياق مرتبط بتغيرات النظام العالمي، حيث يسعى بعض الفاعلين في التيار الإسلامي السياسي لاستغلال الاضطرابات العالمية لتحقيق مصالحهم وفقاً لتفسير راديكالي للإسلام.
وأوضح ثيلي أن جماعة الإخوان المسلمين ومؤيديها يتبعون نهجاً “هجيناً”، يعتمد على التغلغل في المناطق الرمادية للدولة الديمقراطية الدستورية، معتبرين هذه البيئة “بيئة حيوية” تتيح إمكانيات للنشاط الإسلامي السياسي. وتهدف هذه الجهود إلى تغيير النظام السياسي الديمقراطي بحيث يُعاد تنظيمه وفقاً لمبادئ غير ديمقراطية ومعادية للحرية.
وأشار رئيس مبادرة الدفاع الأوروبي في ألمانيا، إلى أن مجموعات صغيرة من الأعضاء النشطين داخل الإخوان قد نجحت في بِناء شبكة واسعة من المنظمات غير الحكومية والمساجد والمدارس وجماعات الضغط ومؤسسات أخرى، التي تتمتع بتأثير كبير سواء داخل المجتمعات المسلمة أو في الساحة السياسية والمجتمع المدني الأوروبي.

العنف المخفي
من جانبه أوضح الدكتور عمرو الشوبكي،العضو السابق في البرلمان المصري،أنه إذا قارنا أدبيات جماعة الإخوان المسلمين فيما يتعلق بمسألة العنف وتحديداً كتابات مؤسسها حسن البنا بشكلٍ خاص؛ يمكننا وصف عنف الجماعة بأنه عنف “لمخفي” أي أنه يظهر بين السطور وفي ثنايا عرض جوانب أخرى في فكر الجماعة.وأشار إلى أن مستوى التربية العقائدي “للأخ الجهادي” كان نواة التنظيم الخاص للجماعة، التي اعتنقت العنف فكراً وممارسة، وكان أساس التنظيم المسلح في منتصف الستينات حتى أعمال العنف التي شهدتها البلاد على يد مجموعات من عناصر الجماعة.

دراسة حالة
أما حمد الحوسني، الباحث في الإسلام السياسي بـ”تريندز” فتناول في مداخلته تاريخ العنف لدى جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها، حيث كشف عن زيف ادعاءات الجماعة برفضها للعنف. وذكر أن فكر الإخوان أسَّس لأفكار تنظيمات إرهابية مثل “القاعدة” و”داعش”، الذين خرجوا من عباءة هذا الفكر المتطرف.وقال إنه منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، سعت إلى تقديم نفسها كوجه معتدل للحركات الإسلامية السياسية، مدعية رفضها لكل أشكال العنف والتطرف والإرهاب، إلا أن التحليل الدقيق لتاريخ هذه الجماعة، وقراءة أدبيتها الفكرية وأيديولوجياتها يكشف بوضوح زيف هذه الادعاءات، فالإخوان المسلمين هم في الحقيقة مصدر للتطرف والإرهاب في المنطقة والعالم.

تخادم الأفكار
وعقب استراحة قصيرة عقدت الجلسة النقاشية الثالثة تحت عنوان “الروابط الفكرية والعملياتية بين الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية”، وأدارتها نورة الحبسي، مديرة إدارة النشر العلمي بـ”تريندز”، وتحدث فيها السيد عمر البشير الترابي،رئيس التحرير بمركز المسبار للدراسات والبحوث، واستعرض فيها كيف يمثل تبرير الإرهاب نفسه شكلاً من أشكال العنف، حيث يدعم الخطاب المتطرف اللجوء إلى العنف لتحقيق الأهداف السياسية والدينية.
وركز في مداخلته على الإرهاب كتمرد على فكرة الدولة الوطنية وكعنصر التقاء بين الإخوان وغيرهم. وأوضحت المحاضرة موقف الإخوان المسلمين المعارض لفكرة الدولة الوطنية منذ تأسيس الجماعة، حيث تم الترويج لفكرة “الخلافة” كبديل عن الدول القومية، موضحاً أن هذا التوجه أسهم في تبرير استخدام العنف كوسيلة لمقاومة الأنظمة القائمة، ما يعكس تمرداً على فكرة السيادة الوطنية، مؤكداً ثبات الأفكار الإقصائية والتكفيرية لدى الجماعة وعدم تقديم أي تراجعات جوهرية، وعلى التخادم المستمر بين الإخوان والتنظيمات الإرهابية.

كيان واحد
من جانبها ذكرت الدكتورة زينب التوجاني، أستاذة في الحضارة العربية الإسلامية بجامعة منوبة التونسية، أن الإسلاموية تُبنى على عنف تأسيسي يتمثل في اعتبار المجتمع الذي نشأت فيه “جاهلية” و”تكفير” المسلم المختلف قبل الآخر غير المسلم، وبذلك فإن أيديولوجية التكفير هذه تمثل أسس الفكر الجهادي المتوحش الذي يمضي بالفكرة إلى أقصاها ليحارب المختلف عنه ويستأصله.
وأوضحت أن الإسلام السياسي والمرور إلى تطبيقه المسمى إسلاماً جهادياً أو حركات جهادية؛ يمثلان وجهين لكائن واحد وعنفهما متأصل في تربة واحدة هي تربة الجهل المقدس، الذي يقود إلى التكفير والتفجير والاستهانة بحق الحياة وحقوق المختلفين ووجوب الاستخلاف في الأرض بالعمارة والإبداع والبناء لا الانتحار والقتل والدماء.

الروابط الفكرية والتنظيمية
بدوره توقف السيد منتصر حمادة، الباحث بمركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث،عند القواسم المشتركة ــ في شقيها النظري والعملي ــ بين الفصائل الحركية الإسلاموية بخصوص اللجوء إلى العنف أو الإرهاب أو التطرّف العنيف، لافتاًإلى بعض المحددات التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار في هذا السياق من جهة، وطرح مجموعة أسئلة لا بد من الاشتغال عليها، في أفق التوصل إلى قراءة مركبة للظاهرة.وقال إن التجربة الميدانية لجماعة الإخوان المسلمين، قبل وبعد منعطف أحداث 2011، أكدت تورط بعض أعضائها في أعمال عنف.

إشكالية العلاقة
أما الدكتور فريد بن بلقاسم،الأستاذ المشارك بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بجامعة تونس المنار،فطرح في مداخلته إشكالية العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والتنظيمات الإرهابية في وجهيها؛ الفكريّ المتّصل بالأطروحات والمفاهيم، والتنظيميّ المتّصل بأشكال التنظيم، وديناميكيات الممارسة في الواقع.
وأكد أن جماعات الإسلام السياسيّ بكلّ أطيافها تتقاسم جملة من المشتركات المشكّلة لبنية التفكير؛ وهي أدلجة الدين والهوياتية والماهوية والماضوية والخلاصية والانغلاقية والشعبوية، وكلّها تنطوي على نزعة لإقصاء الآخر.وأشار إلى أن الصلات بين الإخوان والتنظيمات الإرهابية في الصعيد التنظيميّ قائمة في عدّة مستويات، منها أهمها التماثل في بنية التنظّم من حيث الانقياد لسلطة الزعيم “المعصوم” من خلال أداء بيعة الولاء والطاعة له.

الروابط الفكرية والعملياتية
وفي مداخلته بالجلسة الثالثة، أكد الأستاذ علي بكر، الخبير في الإسلام السياسي بمركز تريندز للبحوث والاستشارات، أن جماعة الإخوان المسلمين تُعد المظلة الفكرية والعباءة التنظيمية التي خرجت من تحتها معظم التنظيمات الإرهابية المتواجدة حالياً على الساحة الدولية، وذلك بالنظر لمجموعة من الروابط الفكرية التي كرستها جماعة الإخوان المسلمين وتبنتها من بعدها التنظيمات الإرهابية وأسَّست عليها بنائها الفكري.وقال إن التنظيمات الإرهابية والمتطرفة نقلت عن جماعة الإخوان مبدأ حصرية الإسلام، والذي يعنى أن كلاً منها صاحب الحق المطلق والممثل الوحيد والحصري للنموذج الإسلامي الصحيح، وهو ما جعل كلاً منها في حالة عداء مع الآخر.

بناء حوار
عقب ذلك جرى حوار مثمر حول عدد من الأفكار التي وردت بالجلسات، ثم ألقيت التوصيات الختامية ومخرجات المنتدى. والتي شددت على أنه لن يوجد إرهاب أو تطرف مؤدٍ للعنف باسم الإسلام، دون تنظير الإسلاموية له، ولن يستمر وينمو دون تبريره وتطبيعه من بعض الباحثين، ودون استخدامه جيوسياسياً كبديل للحروب المباشرة. وأن الهدف الأهم لهذا المنتدى يتلخص في البدء ببناء حوار بين الأكاديميتين؛ لفهم أفضل لظاهرة التطرف المؤدي للعنف باسم الإسلام، الذي تنظر له وتمارسه جماعة الإخوان.


تعليقات الموقع