الأطماع التركية شمال سوريا

مقالات
سمير اصطفان: كاتب سوري

أطماع تركيا في شمال سوريا تفوق مساحة دول كاملة

الحديث عن منطقة عازلة في شمال سوريا، أو آمنة كما يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وفريقه السياسي تسميتها ترجمتها الوحيدة هي احتلال، وبما أنه يحاول منذ سنوات الحصول على دعم دولي لم يلق تجاوباً، فإن الهدف أن يكون احتلالاً برضى دولي كما يهدف الجانب التركي، وهو ما لاقى رفضاً أمريكياً حتى الأيام الأخيرة من الإعلان عن اتفاق تتم بموجبه إقامة غرفة عمليات مشتركة.
المبررات التركية التي يتم التعذر بها لإقامة هذه المنطقة، تارة لتسهيل إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم بعد أن بات وضعهم ورقة تستخدمها المعارضة التركية في مواجهة أردوغان الذي يعاني من أزمات داخلية وتخبطاً وانقساماً حتى في حزبه الحاكم، وهو ما بينته الانتخابات البلدية خاصة في اسطنبول وأنقرة وعدد من المدن الكبرى التي ألحقت هزيمة كبرى بأردوغان لم تنجح كل محاولات التقليل منها رغم إعادة الانتخابات، وثانية بحجة منع الأكراد من إقامة حكم ذاتي في منطقة شرق الفرات، وغير ذلك من المبررات، وهو ما دفع قوات “سوريا الديمقراطية” للنظر بتوجس للاتفاق الأخير والمطالبة بكشف جميع تفاصيله، ويضاف إلى ذلك أن النوايا التركية تاريخياً وحاضراً ليست غائبة عن أحد، وإن كانت خطورتها اليوم أن جانباً من القوى العسكرية إن لم تكن الأهم هي أن الفصائل التابعة لتركيا والتي تتبع لها بالولاء والعمل ضمن أجندتها وبمعظمها من المعارضة السورية المدعومة من قطر والمقاتلين الأجانب الذين سبق أن تم استقطابهم وإدخالهم عبر تركيا إلى سوريا ليقاتلوا مع أكثر التنظيمات وحشية مثل “داعش” و”النصرة” التي لا تزال تسيطر على أغلب إدلب حتى اليوم، وهؤلاء المقاتلين باتوا اليوم هماً ثقيلاً خاصة على الدول التي يحملون جنسياتها.
المنطقة التي يطالب بها أردوغان منذ وقت طويل يعود لبداية الأزمة السورية، وهو يطالب بمنطقة بعمق 30 كيلومتراً ، مع طول الحدود بين البلدين، أكثر من 800 كيلومتر بينها قرابة 400 في منطقة الفرات، وهو ما يبين الرغبة التركية في السيطرة على أكبر مساحة ممكنة في سوريا، خاصة أن معظم فصائل إدلب تتبع لتركيا وتتلقى الدعم منها وتعمل خدمة لأجندتها ولاشك أن حادثة عفرين واحتلالها عن طريق مسلحين رفعوا علم تركيا واقتحموها واستباحوها تؤكد حقيقة النوايا والمآرب التركية.
أردوغان يدرك تماماً أن أي قبول دولي بإقامة مثل هذه المنطقة لن يتحقق دون أزمات ومعارضة واسعة داخلياً وخارجياً، لأن دخول قوات تركية مدعومة بمرتزقة ومسلحين إلى شمال سوريا سوف يكون طويلاً وسيختلق الكثير من الأعذار للبقاء فيها، تارة بحجج أمنية وثانية لمنع الأكراد من إقامة مناطق حكم ذاتي وثالثة لمنع التعرض للاجئين، وخلال ذلك سوف يقوم بتغيير المعالم والهوية وتوطين التابعين له ليوجد واقعاً جديداً في تلك المنطقة تكون عملياً قد باتت تركية.. هكذا يفكر أردوغان وحزبه، وهذه الخطوة إن لاقت معارضة أمريكية لأنها تدرك حقيقتها ولا تريد لحلفائها الأكراد أن يتعرضوا للإبادة، لكن أنقرة تبدو اليوم وأنها تقبل بأي عرض أمريكي حتى يكون هذا منفذاً يمكنها من التسلل دون معارضة إلى شمال سوريا.
منطقة شرق الفرات، تعتبر الأغنى في سوريا، فهي خزان القمح والطاقة إذ توجد بها حقول النفط التي تكفي حاجة سوريا، وفي المقلب الآخر غرب سوريا هناك إدلب بفصائلها الموالية لأردوغان وتتعامل معه على أنه “سلطانها”، وهذا يعني أنه يخطط ليكون صاحب النفوذ الأقوى في معظم الشمال السوري، وبمعنى أدق هو يريد احتلال كل تلك المنطقة سواء بشكل مباشر كما كان يهدد بعملية عنوانها مواجهة قوات “سوريا الديمقراطية”، أو بشكل غير مباشر عن طريق اتباعه في محافظة إدلب وما يسمى “هيئة تحرير الشام” الإرهابية “النصرة” سابقاً، وفي حين تمكنت تركيا من تمرير مخططها فإنها تكون قد حققت هدفها الرئيسي وبات تقسيم سوريا أمراً خطيراً وشبه واقع.
غربلة الخيارات الكردية مع مراعاة القادم يمكن أن يكون حلاً، خاصة أن الكثير من القراءات تبين أن سياسة تركيا الحالية بالإضافة إلى أطماعها هروب للأمام من الأزمات الداخلية والوضع الاقتصادي المتردي.
قطع الذراع الرئيسي للمخطط “الأخواني” الإرهابي بدء مع ترميم الجروح التي تسبب بها ما سمي زوراً بـ”الربيع العربي” وسحق رأس الأفعى في مصر وإعادة تصويب البوصلة بالاتجاه الصحيح، وهو ما كان له أثر إيجابي في جميع الدول التي ابتليت بذلك “الربيع” المزعوم، حيث كانت الذراع التركية تحاول العبث وتهاجم بعنف كل سياسة لا تتوافق معها وتحذر من مخاطر مشروعها، واليوم فإن مشروعها بسوريا في حال تم إفشاله فسيكون هذا اسرع لانتهاء الأزمات التي لا تزال تعاني منها، فوحدة سوريا تلقى إجماعاً عالمياً وعربياً ولا يجوز السماح لأي مشروع أو أطماع تاريخية أن ترى النور على حساب وحدة وسلامة أراضيها، فهي ملك غير قابل للتصرف لشعبها والأجيال القادمة التي ستكون معنية بالخروج مما سببته سنوات الحرب في عامها التاسع والتي كان لتركيا دوراً كبيراً فيها دعماً وتسليحاً وتمويلاً ومشاركة، واليوم فإن أي محاولة تركيا لقطع جزء من سوريا خاصة مع الحديث عن نية أنقرة بإقامة مشاريع بنية تحتية يكشف بشكل جلي جداً النوايا الواضحة لاحتلال طويل الأمد.


تعليقات الموقع