حرائق الغابات تساعد على انتشار الأوبئة.. وتهدد الموائل الطبيعية للأنواع البرية.. وتحذيرات من الآثار الخطيرة لـ«فقدان التنوع البيولوجي» على البشرية.. بما في ذلك انهيار الغذاء والصحة

غابات العالم تشتعل

مقالات
هاني زايد:كاتب عربي

غابات العالم تشتعل

 

 

بات مشهد اندلاع حرائق الغابات حول العالم أشبه بسيناريو يتكرر كل عام دون أن يحرك ساكنًا لمنعه من التكرار؛ فتونس الخضراء تعاني من خطر “الاصفرار” بعدما أتت الحرائق على كثير من أشجار الزيتون، و”الجزائر” بلد المليون شهيد دخلت حربًا مفتوحةً لإخماد نيران لا تكاد تهدأ في مكان حتى تتحرك إلى ميدان آخر وسط ارتفاع أعداد الضحايا من مدنيين وعسكريين بعدما شهدت المناطق الواقعة شرق الجزائر حرائق كبيرة التهمت عشرات الهكتارات، خاصةً في منطقة الأوراس، وحتى روسيا التي تُعد أحد أكثر بلدان العالم برودةً باتت مسرحًا لحرائق دمرت ملايين الأراضي.
وتشير أحدث التقديرات إلى أن بؤرة الجفاف والحرائق في منطقة الأمازون أدت إلى مقتل 2.5 مليار شجرة وكرمة، في حين تَسبَّب الجفاف الكبير وحرائق الغابات في غابات الأمازون المطيرة في مقتل مليارات الأشجار والنباتات، وتحويل أحد أكبر مصارف الكربون في العالم إلى أحد أكبر مصادر التلوث.
وتسببت ظاهرة “إلنينو” التي ضربت العالم في 2015-2016 في جفاف شديد ارتبط باندلاع حرائق ضخمة تسببت في انبعاث 495 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون من منطقة تمثل 1.2% من كامل غابات الأمازون المطيرة البرازيلية، و1% من المنطقة الأحيائية بأكملها، ما أثر سلبًا على الجهود العالمية للسيطرة على توازن الكربون في الغلاف الجوي؛ إذ إن إجمالي انبعاثات الكربون من الجفاف والحرائق في منطقة “تاباجوس السفلى” وحدها كان أعلى من إزالة الغابات لمدة عام كامل في منطقة الأمازون بكاملها، ونتيجةً للجفاف والحرائق، أطلقت تلك المنطقة ما يزيد على فترة ثلاث سنوات مثل انبعاثات الكربون السنوية التي تصدرها بعض البلدان الأكثر تلويثًا في العالم، متجاوزةً انبعاثات البلدان المتقدمة مثل المملكة المتحدة وأستراليا.
وتحدث ظاهرة “إلنينو” بشكل طبيعي وتنطوي على تقلب في درجات الحرارة السطحية للمحيط الهادئ الاستوائي، ويصحب ذلك تغيرات في دوران الغلاف الجوي فوق المنطقة، وتؤثر هذه الظاهرة تأثيرًا كبيرًا على أنماط الطقس في أنحاء كثيرة في العالم.
المشاهد السابقة وما يتبعها من مشاهد متوقعة، دفعت فريقًا من الباحثين لإجراء عمليات محاكاة حاسوبية يمكنها التنبؤ بانتشار حرائق الغابات؛ بهدف “تحسين فهمنا وإدارتنا لسلوك حرائق الغابات”.
وتشمل المحاكاة نمذجةً لتكوين السحب وهطول الأمطار، الذي يمكن أن ينتج عن إطلاق بخار الماء من الغطاء النباتي المحترق، إضافةً إلى استخدام صور الأقمار الصناعية لحرائق الغابات الحقيقية، وفق ما ذكرته الورقة البحثية التي حملت عنوان “حريق في باردايس”، في إشارة إلى مدينة بارادايس الواقعة شمال كاليفورنيا، والتي دمرتها حرائق الغابات في نوفمبر 2018 ، مما أدى إلى مقتل أكثر من 80 شخصًا.
تهديد الموائل الطبيعية للأنواع البرية
وتحت عنوان “قدرة غابات الأمازون على امتصاص الكربون تتراجع”، أشار تقرير أعده الزميل محمد السعيد إلى دراسة أعدها فريق دولي من الجغرافيين وخبراء البيئة، حذروا فيها من أن “زيادة وتيرة إزالة الغابات والتغيُّر المناخي قد تهدد قدرة غابات الأمازون المطيرة على أسر الكربون من الغلاف الجوي وتخزينه”.
وأضاف التقرير أن “عمليات إزالة الغابات تهدد الموائل الطبيعية للأنواع البرية التي تحتضنها بيئة الأمازون التي تغطي مساحة قدرها ستة ملايين كيلومتر مربع، وهي مساحة توازي 6 أضعاف مساحة مصر. وأن غابات الأمازون المطيرة تُعَد أكثر الأنظمة البيئية غنًى وتنوعًا في العالم؛ إذ تحتوي على عدة ملايين من أنواع الحشرات والنباتات والطيور والحيوانات، وأشكال الحياة الأخرى التي لا يزال العديد منها غيرَ مُكتشَف بالكامل، كما أن قرابة 400 قبيلة تضم أكثر من مليون شخص من سكان أمريكا الجنوبية الأصليين، تتخذ غابات الأمازون موطنًا لها”.
وخلص التقرير إلى أن “الإجهاد الذي يلحق بالنظم البيئية المحلية -نتيجة إزالة الغابات وموسم الجفاف، وزيادة حدوث الحرائق- قد يكون مسؤولًا عن هذه الانبعاثات الكربونية المرتفعة في شرق الأمازون، وهو ما قد تكون له عواقب بيئية سلبية دائمة على كلٍّ من توازن الكربون في المنطقة وهشاشة نظمها البيئية”.
انتشار الأوبئة
كما أعد “السعيد” تقريرا آخر حمل عنوان “استهلاك الدول الغنية للمنتجات الزراعية يحفز إزالة الغابات في البلدان النامية”، تناول فيه نتائج دراسة نشرتها دورية “إيكولوجي أند إيفولوشن”، وأجراها باحثون من جامعة “كيوتو” اليابانية، محذرا من أن “استهلاك الدول الصناعية لمنتجات الغابات الاستوائية في دول مجموعة السبع الصناعية الكبرى يمثل خسارة متوسطة تبلغ 3.9 شجرات للفرد في السنة”.
وذكر التقرير أن “الغابات تغطي قرابة 30.6% من مساحة اليابسة، وتوفر الغابات الاستوائية موائل لما بين 50 إلى 90% من جميع الأنواع البرية، كما أنها موطن لعدد غير معروف من الكائنات المُمْرضة التي تهرب مع إزالة الغابات، ما قد يفسر انتشار بعض الأوبئة التي وقعت في السنوات الأخيرة”.
وأوضح التقرير أن “الغابات تؤدي عددًا من الخدمات البيئية المهمة، مثل عزل الكربون وتخزينه وحماية التنوع البيولوجي، فضلًا عن صيانة النظام البيئي من خلال الأشجار التي تُعد إزالتها أحد أهم مصادر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كما تمثل أشجار المانجروف 0.7% من إجمالي الغابات الاستوائية في العالم، وتتمتع غابات المانجروف بنظام إيكولوجي فريد يُسهم في حماية السواحل؛ إذ تعمل كمنطقة عازلة تحمي الأرض من أضرار الرياح والأمواج، وتحول دون تسرُّب المياه المالحة إلى المياه الجوفية، كما تحد من وطأة تغيُّر المناخ؛ إذ تحتجز نحو 75 مليار طن من الكربون، وتؤوي العديد من الحيوانات البرية والبحرية”.
انقراض جماعي
وتحت عنوان “الأمم المتحدة حذرت من رسائل الطبيعة في اليوم العالمي للبيئة”، نشرت مجلة “للعلم” تقريرا تناول تحذيرات أطلقتها منظمة الأمم المتحدة حول التهديدات التي تلحقها الأنشطة البشرية بالتنوع البيولوجي، مشددة على أن “فقدان التنوع البيولوجي ستكون له آثار خطيرة على البشرية، بما في ذلك انهيار الغذاء والصحة”.
ونقل التقرير عن المنظمة الأممية قولها “إن الأنشطة البشرية غيرت بشكل كبير ثلاثة أرباع سطح الأرض وثلثي مساحة المحيط، وإنه بين عامي 2010 و2015 فقط، اختفى 32 مليون هكتار من الغابات، وفي الـ150 سنة الماضية، تم تخفيض غطاء الشعاب المرجانية الحية بمقدار النصف، كما يذوب الغطاء الجليدي بمعدلات مدهشة بينما يزداد تحمُّض المحيطات، مما يهدد إنتاجيتها. وتختفي أنواع الحياة البرية الآن عشرات إلى مئات المرات أسرع مما كانت عليه في الـ10 ملايين سنة الماضية. ونحن على وشك الانقراض الجماعي”.
تحذيرات الأمم المتحدة تتفق مع نتائج كثير من الدراسات التي حذرت من خطر الانقراض الذي بات يهدد كثيرا من الحيوانات التي تتخذ من الغابات موطنا لها، ولا يمكن بالطبع تجاهل الدور الذي تقوم به الحرائق التي تنتدلع في غابات الأمازون بصورة “موسمية”.
وتحذر دراسة حديثة من أن نسور “هاربي” –أحد أكبر أنواع النسور في العالم- باتت تكافح من أجل إطعام ذرياتها في مناطق غابات الأمازون بسبب إزالة الغابات، مشيرة إلى أن حوالي 35%من شمال ولاية “ماتو جروسو” البرازيلية أصبحت غير مناسبة لتربية نسور “هاربي”، وربما تسبب هذا في انخفاض أعداد أزواج التربية بمقدار 3256 منذ عام 1985.
يقول الباحث المشارك في الدراسة إيفرتون ميراندا: تتغذى نسور “هاربي” على الثدييات التي تعيش على الأشجار وخاصة الكسلان والقرود والسناجب. وحددنا 306 عنصرًا من الفرائس التي تعتد عليها النسور في غذائها؛ وكانت 49.7 منها عبارة عن كسلان ثنائية الأصابع وقرود كابوتشين بنية اللون وقردة صوفية رمادية اللون. وهي فرائس بات العثور عليها صعبا بسبب إزالة الغابات ما جعل النسور تتضور جوعا.عن “سينتفك أمريكن”


تعليقات الموقع