الطاقة النووية هي المسؤولة عن أسرع جهود لإزالة الكربون في التاريخ

هل هناك خيار نووي لوقف تغيّر المناخ؟

مقالات
سبينس بوكات ليندل:كاتب في "نيويورك تايمز"

هل هناك خيار نووي لوقف تغيّر المناخ؟

 

 

في بعض الأحيان يجري تأطير فشل البشرية في تجنب أزمة الاحتباس الحراري على أنه مشكلة تكنولوجية كبرى. فلعدة قرون، اعتمدت البلدان على الوقود الأحفوري لبناء اقتصاداتها وتوليد الثروة، ولم تظهر هذه الطرق البديلة لتزويد المجتمع بالطاقة إلا في السنوات الأخيرة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
لكن عندما يتعلق الأمر بالكهرباء على الأقل، فإن هذه القصة ليست صحيحة. فاليوم تحصل الولايات المتحدة على 60 في المائة من الكهرباء من الوقود الأحفوري و20 في المائة فقط من مصادر الطاقة المتجددة. تأتي نسبة الـ20 في المائة الأخيرة من الطاقة النووية، وهي تقنية موجودة منذ الخمسينات من القرن الماضي، ولا تنتج ثاني أكسيد الكربون، وتسببت في مقتل عدد من البشر أقل بكثير مما يتسب فيه الوقود الأحفوري.
إن إزالة الكربون من الشبكة الكهربائية ليست بالتأكيد التحدي الوحيد الذي يفرضه تغير المناخ، لكنها التحدي الجوهري؛ لذلك قالت إدارة بايدن إن الولايات المتحدة بحاجة إلى تحقيق ذلك بحلول عام 2035، فهل ينبغي أن تلعب الطاقة النووية دوراً أكبر في التحول؟ هذا ما يقولونه.
غالباً ما يشير مؤيدو هذا الاتجاه إلى أن الطاقة النووية هي المسؤولة عن أسرع جهود لإزالة الكربون في التاريخ. ففي السبعينات، شرعت فرنسا في توسيع مخطط مركزي شامل لصناعة الطاقة النووية لكسر اعتمادها على النفط الأجنبي. وخلال العقد التالي، تمكنت من توسيع اقتصادها حتى مع خفض انبعاثاتها بمعدل لم تحققه أية دولة أخرى منذ ذلك الحين. واليوم، تستمد فرنسا 70 في المائة من طاقتها الكهربائية من الطاقة النووية.
لماذا لا تحذو الولايات المتحدة حذوها؟ كتب روبنسون ماير، المحرر بمجلة “أتلانتيك” في عام 2019، يقول: “من شأن الزيادة السريعة في الطاقة النووية أن تخفض الانبعاثات من قطاع الطاقة، كما يوضح النموذج الفرنسي”، مضيفاً “حتى اليوم، تحتل كثافة الكربون في فرنسا – بحسب نسب انبعاثات الكربون للفرد – مرتبة أقل بكثير من تلك الموجودة في ألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة”.
ففي الوقت الذي خطت فيه الطاقة المتجددة خطوات هائلة في السنوات الأخيرة، لا تزال الطاقة النووية تتمتع بمزايا واضحة، فمزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، على سبيل المثال، تشغل مساحة أكبر بكثير من المحطات النووية، وهي توفر الطاقة فقط عندما يسمح الطقس بذلك؛ لهذا السبب جزئياً، وجدت العديد من الدراسات الحديثة أن المرافق العامة يمكن أن تحقق 80 في المائة من الكهرباء الخالية من الكربون بحلول عام 2030 باستخدام تكنولوجيا الطاقة المتجددة اليوم، لكن العمل على تنظيف الـ20 المتبقية سيكون أكثر صعوبة.
هناك عدة طرق مقترحة لحل مشكلة تخزين الطاقة المتجددة – بما في ذلك مصفوفات البطاريات الضخمة ووقود الهيدروجين – لكن هذه التقنيات لم ترق إلى مستوى المهمة، بحسب زميلي براد بلومر في مقاله الشهر الماضي.
وبحسب جوشوا جولدشتاين، وستافان كفيست، وستيفن بينكر، الكتّاب بصحيفة “ذا تايمز” في عام 2019، من منظور الصحة العامة، تعد الطاقة النووية أيضاً أكثر أماناً من الوقود الأحفوري. وفقاً لدراسة نُشرت العام الجاري، تسبب تلوث الهواء من الوقود الأحفوري في مقتل 8.7 مليون شخص في عام 2018، وعلى النقيض من ذلك، أشار جولدشتاين وكفيست وبينكر إلى أنه خلال 60 عاماً من الطاقة النووية، دقت ثلاثة حوادث فقط جرس ناقوس الخطر العام، ولم يتسبب حادث “تشيرنوبيل” في حدوث أي وفيات بشكل مباشر.
ماذا عن النفايات النووية التي يمكن أن تظل مشعة لعشرات الآلاف من السنين؟ بحسب الكتّاب الثلاثة المذكورين، فبالمقارنة مع تغير المناخ، فإنه من الأسهل بكثير حل مشكلة بيئية حيث يمكن إعادة تدوير أكثر من 90 في المائة من الوقود المستهلك، وما لا يمكن دفنه في مستودعات عميقة تحت الأرض، كما هو الحال في فنلندا.
في عام 1987، استقر الكونغرس على خطط لبناء مستودع وطني للنفايات النووية في ولاية نيفادا، لكن المعارضة المحلية والولائية والفيدرالية أحبطت المشروع لعقود. نتيجة لذلك، تحتفظ المحطات النووية الأميركية بنفاياتها في الموقع في براميل من الصلب والخرسانة لم تكن مخصصة للتخزين الدائم.
لكن يجب ألا تسير الأمور على هذا النحو. فبحسب جولدشتاين، وكفيست وبينكر، «إذا كان بإمكان الجمهور والسياسيين الأميركيين مواجهة التهديدات الحقيقية والتغلب على المخاوف التي لا أساس لها، فيمكننا حل أكثر التحديات إلحاحاً التي تواجه البشرية لنترك لأحفادنا مستقبلاً مشرقاً لاستقرار المناخ ووفرة الطاقة».
قد تكون الطاقة النووية أكثر أماناً مما يعتقد الجمهور، لكن معتقدات الجمهور مهمة إلى حد كبير في الديمقراطية. تحظى الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشعبية كبيرة بين الأميركيين، ولكن الطاقة النووية ينظر إليها بشكل سلبي، حيث يعارض عدد أكبر من الناس توسعها بدلاً من دعمها.
يرجع جانب من هذه المعارضة بالتأكيد إلى حقيقة أنه عندما تفشل الطاقة النووية، يمكن أن يكون الفشل مذهلاً: فكارثة فوكوشيما في اليابان عام 2011 لم تقتل أي شخص بشكل مباشر، لكنها أدت إلى نزوح 164000 شخص، وآلاف الوفيات المرتبطة بالإجلاء وعملية تنظيف استغرقت عقوداً من الزمن ستكلف ما يقدر بنحو 200 مليار دولار. وبعد تراجع ثقة الجمهور في الطاقة النووية، أغلقت اليابان جميع محطاتها النووية تقريباً، ما أدى إلى ارتفاع الانبعاثات. لا تشكل مصادر الطاقة المتجددة أي مخاطر مماثلة للسلامة، وبالتالي فهي تعتبر أقل عرضة للتراجع.
العقبة الرئيسية الأخرى أمام الطاقة النووية هي سعرها حيث تكلف المحطات النووية مليارات الدولارات للبناء، ما يجعل الألواح، على النقيض من ذلك، تولد الآن أرخص كهرباء في التاريخ – رخيصة جداً بحيث يمكن الآن لمشاريع الطاقة الشمسية الجديدة، بما فيها تكاليف التشييد، منافسة الطاقة النووية الحالية.
ذكر تقرير عن الصناعة النووية العام الماضي أن «الملاحظ في هذه الاتجاهات هو أن تكاليف مصادر الطاقة المتجددة تستمر في التراجع بسبب التحسينات الإضافية في التصنيع والتركيب بينما تستمر تكاليف الطاقة النووية في الارتفاع، رغم أكثر من نصف قرن من الخبرة الصناعية».
يفسر هذا جزئياً سبب استمرار اعتماد فرنسا على الطاقة النووية إلى هذا الحد. وفي هذا السياق، قالت نعومي أوريسكس، المؤرخة بجامعة هارفارد، العام الماضي: «لم ينجح أي بلد في تطوير صناعة طاقة نووية آمنة وناجحة وتنافسية اقتصادياً في بيئة قائمة على السوق». ويدلنا هذا إلى أنه من غير المرجح أن تنجح الطاقة النووية في الاقتصادات القائمة على السوق. قد ينجح ذلك في الصين، لكن من غير المرجح أن ينجح في معظم الأماكن الأخرى».
يقول مؤيدو الطاقة النووية إن مشاكلها الاقتصادية يمكن حلها. إن تحديد سعر للتلوث الكربوني يعكس الوقود الأحفوري تكلفته البيئية الحقيقية، على سبيل المثال، يمكن أن يساعد في جعل الطاقة النووية قادرة على المنافسة مع الغاز الطبيعي، كما يمكن أن يحدث تقدماً في تصاميم المفاعلات. في العام الماضي، أعلنت وزارة الطاقة أنها ستمول تطوير تصميمين من هذا القبيل، أحدهما دافع عنه بيل غيتس.
لكن ضرائب الكربون أثبتت حتى الآن أنها ليست بداية سياسية في الولايات المتحدة، وكشف تحليل أجراه اتحاد العلماء المهتمين في مارس أن ما يسمى تصميمات المفاعلات المتقدمة «لا تقدم تحسينات واضحة» على التكنولوجيا الحالية، ويمكن أن تشكل مخاطر أمان جديدة وسيستغرق ذلك على الأرجح عقوداً لتحقيق الجدوى التجارية. ومن ناحية أخرى، تبدو التطورات في تكنولوجيا البطاريات التي يمكن أن تحل مشكلة التخزين طويل الأمد لمصادر الطاقة المتجددة أقرب في الأفق.عن “الشرق الأوسط”


تعليقات الموقع