هل تؤثر فترة المكوث بالمستشفى على نتائج عمليات القسطرة القلبية؟

الرئيسية مقالات

 

هل تؤثر فترة المكوث بالمستشفى على نتائج عمليات القسطرة القلبية؟

 

محمد السيد علي

كاتب عربي

 

ضرورة متابعة المرضى الذين يحتاجون إلى المكوث طويلاً بعد العملية عن كثب لمنع إعادة إدخالهم مرةً أخرى

 

عادةً تُثقل التكلفة الإضافية كاهل المريض وذويه، إذا استمر لفترة طويلة في المستشفى بعد إجراء عملية جراحية، ناهيك بالتأثيرات البدنية والنفسية، وبدافع الرغبة في تحسين نتائج الجراحات والحد من الأعباء المالية، هناك اتجاه لتبنِّي نهج يُعرف برعاية “الحد الأدنى”؛ من أجل تسريع عملية الخروج من المستشفى بعد العمليات، بما يتضمن التخدير الواعي (شكل من أشكال التخدير للسيطرة على الإحساس بالألم دون فقدان الوعي)، والمراقبة اللاحقة للعمليات الجراحية؛ لتحقيق إستراتيجيات التعافي السريع.

لكن هل يؤتي هذا النهج ثماره؟ خاصةً إذا تعلق الأمر بإجراء جراحة مثل تغيير الصمام الأورطي عبر القسطرة، أو عملية ربط الصمام الميترالي باستخدام القسطرة، وهما إجراءان يمكن للمريض أن يذهب بعدهما إلى بيته في غضون 72 ساعة، أم أن المكوث بالمستشفى سيكون أفضل لصحة المريض؟ وما العواقب المترتبة على كلا الخيارين؟

وللإجابة عن هذه التساؤلات، أجرى فريق بحثي أمريكي بقيادة باحثين مصريين، دراسة تهدف إلى تقييم تأثيرات طول فترة الإقامة بالمستشفى بعد الخضوع لعملية تغيير الصمام الأورطي عبر القسطرة، أو عملية ربط الصمام الميترالي باستخدام القسطرة، ومدى ارتباط ذلك بحدوث مضاعفات واحتمالات إعادة المريض إلى المستشفى مرةً ثانية أو وفاته خلال 30 يومًا عقب خروجه بعد العملية.

وكشفت الدراسة، المنشورة في العدد الأخير من دورية (American Heart Journal Plus: Cardiology Research and Practice) أنه كلما كانت مدة إقامة المريض في المستشفى أطول، زادت احتمالات دخوله إلى المستشفى للمرة الثانية خلال 30 يومًا من إتمام الجراحة، وذلك بصرف النظر عن حدوث مضاعفات من عدمه، وبصرف النظر أيضًا عن طبيعة الإجراء التداخلي، سواءٌ للصمام الأورطي أو الميترالي.

إصلاح صمامات القلب بالقسطرة

يقول عبد الرحمن أبو شوك، الباحث المصري بمستشفى كليفلاند كلينك وكلية الطب بجامعة هارفارد الأمريكية وأحد المشاركين بالدراسة: إن الدراسة تابعت مرضى خضعوا لنوعين من عمليات إصلاح صمامات القلب بواسطة القسطرة، هما تغيير الصمام الأورطي وإصلاح مشكلات الصمام الميترالي، وهي الطريقة الحديثة لإصلاح مشكلات صمامات القلب دون جراحة، بدلًا من الطريقة التقليدية التي تتمثل في جراحة القلب المفتوح من أجل تغيير صمامات القلب.

وفي تصريحات لـ”للعلم”، أضاف أن الهدف الرئيسي من الدراسة كان رصد مدى تأثير طول فترة الإقامة بالمستشفى أو قصرها على نتائج هاتين العمليتين، واحتمالات عودة المرضى إلى المستشفى مرةً أخرى.

والقسطرة القلبية هي إجراء يتضمن توجيه أنبوب رفيع ومرن (القسطرة) عبر أحد الأوعية الدموية وصولًا إلى القلب، لتشخيص أو علاج أمراض قلبية محددة، مثل انسداد الشرايين أو عدم انتظام ضربات القلب، وهي وسيلة تُمكّن الأطباء من إجراء اختبارات قلبية مختلفة، أو توصيل العلاج إلى القلب، أو استئصال جزء من نسيج القلب لفحصه، بالإضافة إلى رأب الأوعية التاجية وتركيب الدعامة التاجية.

وعادةً ما يكون المريض مستيقظًا في أثناء إجراء القسطرة القلبية التي تتميز بقِصر مدة التعافي وانخفاض خطر التعرُّض لمضاعفات.

وعملية استبدال الصمام الأورطي عبر القسطرة هي إجراء قلبي “طفيف التوغل” لتغيير الصمام الأورطي الضيق الذي يعجز عن الانفتاح بالكامل نتيجة تضيّق الصمام الأورطي -يقع بين البُطين الأيسر والشريان الرئيسي للجسم أو الشريان الأورطي- وإذا لم ينفتح الصمام كما ينبغي، يقل تدفق الدم من القلب إلى الجسم.

وقد تساعد هذه العملية على استعادة تدفق الدم الطبيعي وتخفيف الأعراض الناتجة عن تضيّق الصمام الأورطي، مثل ألم الصدر وضيق النفس والإغماء والإرهاق.

أما الصمام التاجي أو “الصمام الميترالي” وهو أحد صمامات القلب الأربعة التي تحافظ على تدفق الدم بالاتجاه الصحيح، فتُجرى له عملية ربط باستخدام القسطرة، إذا حدث خلل فيه يُسبّب تسرُّب الدم من البطين الأيسر إلى الأذين الأيسر، في أثناء ضخ الدم خارج القلب، ويُعد ربط الصمام الميترالي خيارًا غير جراحي لإصلاح عملية ارتجاع الصمام التاجي الناتج عن ارتخاء الصمامات.

تأثير إيجابي

وللوصول إلى نتائج الدراسة، لجأ الفريق إلى قاعدة بيانات وطنية أمريكية، وفحصوا مجموعتين من المرضى، خضعت الأولى (65726 مريضًا) لعملية تغيير الصمام الأورطي، أما الأخرى (7347 مريضًا) فخضعت لعملية إصلاح الصمام الميترالي، خلال فترة الدراسة من يناير 2014 إلى ديسمبر 2017.

وأظهرت النتائج أنه بعد 30 يومًا من الخروج من المستشفى، جرت إعادة دخول 13.7٪ من مرضى تغيير الصمام الأورطي و15.1٪ من مرضى إصلاح الصمام المترالي إلى المستشفى، في حين رُصدت نسب قليلة من حالات الوفاة بين المرضى، إذ توفي 0.5٪ من المجموعة الأولى و0.9٪ من المجموعة الثانية خلال إعادة دخول المستشفى.

لاحظ الباحثون أن قِصر فترة الإقامة بالمستشفى بعد الخضوع لعمليتي تغيير الصمام الأورطي وإصلاح الصمام المترالي كان له تأثيرٌ إيجابي، من حيث خفض احتمالات إعادة دخول المرضى إلى المستشفى مرةً أخرى بسبب مشكلات أو مضاعفات صحية أبرزها قصور القلب وإصابة الكلى الحادة، وتراجُع نسب الوفيات، مقارنةً بمَن مكثوا فترةً طويلةً بالمستشفى بعد العملية.

يشير “أبو شوك” إلى أن هذه النتائج مثيرة للاهتمام؛ لأن الشائع أن الأطباء كانوا قديمًا يفضلون مكوث المرضى بالمستشفى لفترات طويلة بعد العملية، للمتابعة وتلافي حدوث مضاعفات بعد الخروج، لكن وجدنا العكس تمامًا، فكلما مكث المريض طويلًا تزيد المضاعفات، ومعها يزيد خطر العدوى التي يمكن أن يصاب بها، بالإضافة إلى التكلفة الاقتصادية على المريض والقطاع الصحي، ولذلك فإن الاتجاهات الحديثة أن يخرج المريض بأسرع وقت ممكن ليعود إلى حياته الطبيعية، إذ إن لهذا تأثيرًا إيجابيًّا على نتائج أي عملية جراحية.

وعن العوامل التي تتوقف عليها فترة مكوث المريض في المستشفى، كشف أن الفريق لم يتطرق في دراسته إلى هذه الجزئية، لكن دراسات أخرى أظهرت أن تلك العوامل كانت في الغالب تتعلق بالمرضى الذين تزيد أعمارهم على 85 عامًا، أو أولئك الذين يعانون من مشكلات سابقة في الصمام الميترالي، بالإضافة إلى المعاناة من الإصابة بمرض السكري أو الرفرفة الأذينية.

الطبيب الأردني المقيم في أمريكا، محمد الحجيري، استشاري أمراض القلب والقسطرة والشرايين وكهرباء القلب، ورئيس قسم كهرباء القلب في مستشفى أوهايو هيلث- مانسفيلد بولاية أوهايو الأمريكية، يقول: إن ما يشغل بال الأطباء عادةً بعد إجراء العملية هو متى يستطيع المريض أن يتحرك من سريره ويمشي ويرجع إلى طبيعته قبل إجراء الجراحة، مؤكدًا أنه من حسن التصرف الإسراع في إخراج المريض بمجرد تحسُّن حالته الصحية.

وفي تصريحات لـ”للعلم”، أضاف: تقودنا الدراسة إلى مجموعة من التوصيات، أبرزها ضرورة متابعة المرضى الذين يحتاجون إلى المكوث طويلًا بعد العملية، عن كثب لمنع إعادة إدخالهم مرةً أخرى ولتحقيق نتائج أفضل، بالإضافة إلى تقييم تأثير طول فترة الإقامة بالمستشفى على النتائج طويلة الأجل، وتقييم توجه المريض وفهم المخاطر المرتبطة به، وتقييم فرق التكلفة الإجمالية فيما يتعلق بالإقامات المختلفة في المستشفى، ناهيك بأخذ العبء النفسي والاجتماعي للإقامات الطويلة بالمستشفى في الاعتبار، مع عدم إغفال تقييم العبء الواقع على كواهل العاملين بالمستشفى بسبب العمل الزائد.

وبعيدًا عن التكلفة الاقتصادية، هناك أخطار يمكن أن يتعرض لها المريض نتيجة المكوث في المستشفى لفترات طويلة بعد إجراء العملية، وفق “الحجيري”، أبرزها العدوى البكتيرية أو الفيروسية، والتي عادةً تكون مقاوِمة لكثير من المضادات الحيوية ويمكن أن تعرض حياة المريض للخطر، بالإضافة إلى إصابة المريض بالوهن أو الضعف الذي ينجم عن المكوث لفترات طويلة على السرير.

تحسين حياة المرضى

الاستنتاج الرئيسي من الدراسة -وفق “أبو شوك”- أن هذه النتائج يمكن تعميمها على المرضى، ونتمنى أن يتم ذلك في مختلِف المستشفيات داخل أمريكا أو خارجها، لمَن يخضعون لهذا النوع من عمليات الطب التداخلي أو العلاج بالقسطرة، وذلك لتحسين حياة المرضى وخفض التكلفة الاقتصادية على المرضى والأنظمة الصحية، وأضاف: نعمل حاليًّا في “كليفلاند كلينك” على دراسة أخرى تبحث مدى إمكانية خروج مرضى عمليات القسطرة في يوم إجراء العملية نفسه، بعد الخضوع للملاحظة لعدة ساعات؛ لأن إجراء القسطرة هذا خطورته عادةً على المريض أقل، مقارنةً بعمليات القلب المفتوح.

وأضاف أن هناك خطواتٍ بحثيةً أخرى، وهي أن تتم متابعة النتائج التي تحدث للمرضى على المدى الطويل، وليس فقط خلال 30 يومًا من الخروج من المستشفى كما فعلت الدراسة، وهو ما يخطط الفريق لإجرائه؛ لاكتشاف التأثيرات التي تحدث بعد عام إلى 5 أعوام من موعد إجراء العملية.

من جانبه، أكد أحمد بنداري -مدرس أمراض القلب والأوعية الدموية في كلية الطب بجامعة بنها- أن أهمية هذه النتائج تكمن في ضرورة المتابعة الدقيقة والجيدة لهؤلاء المرضى الذين قضوا وقتًا أطول بالمستشفى في المرة الأولى، كمحاولة لتفادي دخولهم إلى المستشفى للمرة الثانية، ويُعد ذلك ضرورةً من وجهة النظر الصحية للمريض، وكذلك من وجهة النظر الاقتصادية للنظام الصحي ككل، إذ تُعد تكلفة دخول المستشفى للمرة الثانية عبئًا ماديًّا على أي نظام صحي مهما بلغت قوته.

وأضاف لـ”للعلم”: “نتائج هذه الدراسة جاءت غريبةً بعض الشيء بالنسبة لي، عندما درس الباحثون العلاقة بين مدة إقامة المريض في المستشفى في أول مرة وزيادة احتمالات وفاته عند دخوله المستشفى للمرة الثانية، وجد الباحثون أن هذه العلاقة تحققت فقط بشكل واضح في عمليات تغيير الصمام الأورطي بالقسطرة، والتي حدثت فيها مضاعفات، في حين لم تتحقق بالصورة نفسها لدى المرضى الذين خضعوا لعملية ربط الصمام الميترالي بالقسطرة”، مضيفًا: “في اعتقادي -ومن خلال المشاهدات والممارسة الطبية- فإن هذا الجزء من النتائج جاء بمحض الصدفة الإحصائية البحتة، وذلك لأن المرضى الخاضعين لعملية ربط الصمام الميترالي بالقسطرة لديهم من المشكلات الطبية الأخرى مثل كبر السن وهبوط عضلة القلب وقصور وظائف الكلى ما يجعلهم عرضةً بشكل كبير للوفاة عند دخولهم إلى المستشفى للمرة الثانية”.

ونوه بأن السؤال المهم الذي تثيره نتائج هذه الدراسة والذي تتحتم علينا الإجابة عنه في المستقبل هو: كيف يمكننا بالأساس تقليص مدة إقامة هؤلاء المرضى في المستشفى عند دخولهم لأول مرة، ما قد ينعكس بشكل مباشر وإيجابي على احتمالات دخولهم للمرة الثانية ووفاتهم؟ تظل هذه الإجابة مفتوحةً للدراسات العلمية التي يتم إجراؤها حاليًّا.

ووافقه الرأي “أبو شوك”، مشيرًا إلى أن هناك عاملين ثبت في دراسات سابقة أنهما يمكن أن يحدَّا من فترة إقامة المرضى في المستشفيات، أولهما إجراء خطة علاجية شاملة تحدد موعد خروج المريض من المستشفى وكيف يتم التعامل معه بعد الخروج، والثاني يُتَّبع مع المرضى المسنين، من خلال تقييم حالتهم عبر طبيب متخصص في أمراض الشيخوخة، لضمان عدم مكوثهم لفترات طويلة، نتيجة أمراض الشيخوخة المختلفة التي تؤثر على حالتهم الصحية ونتائج العمليات، لكن هذه النقطة ما زالت تحت الاختبار، كما أن الدراسات التي أُجريت من قبل جاءت بنتائج مختلفة ومتباينة، بعضها يشير إلى فاعلية عوامل بعينها في تقصير مدة الإقامة بالمستشفى، في حين تشير أخرى إلى عدم وجود دليل علمي يدعم فاعلية هذه العوامل، ما يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة في المستقبل.عن “ساينتافيك أميريكان”

 


تعليقات الموقع