يُنصَح الشخص الذي يعلم أنه تعرَّض من قبل لأحد مُسبِّبات الأمراض بأن يرتدي كمامةً عالية الجودة

تحسينُ جودة الهواء داخل الأماكن المغلقة أصبح ضرورةً ملحة: إليكم الطرق والأسباب

مقالات
 تانيا لويس:صحفية علمية

 

تحسينُ جودة الهواء داخل الأماكن المغلقة أصبح ضرورةً ملحة: إليكم الطرق والأسباب

 

 

 

 

يقضي الناس 90% من حياتهم داخل أماكن مغلقة، ورغم ذلك فإن معظمنا قلما يخطر بباله جودة الهواء الذي يتنفسه داخل تلك الأماكن.

منذ ما يزيد على قرن من الزمان، نادت فلورنس نايتنجيل -الممرضة الرائدة وعالِمة الإحصاء- بأهمية الهواء الطلق وتهوية غرف النوم لمرضى السل، من الممارسات الشائعة حاليًّا في البلدان النوردية ترك الرضع ينامون فترة القيلولة في الهواء الطلق، وأحيانًا يفعلون ذلك في أجواءٍ قارسة البرودة، لكن حتى بالرغم من أن البشر أدركوا منذ وقتٍ طويل الفوائد الصحية للهواء الطلق النقي، يبدو أن الكثيرين منا قد نسوا هذا الدرس، إلى أن اجتاح العالم جائحة «كوفيد-19» فتعلمنا الدرس من جديد.

لقد أصبح من المسلَّم به على نطاقٍ واسع أن «سارس-كوف-2»، وهو الفيروس المُسبِّب للمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة، كثيرًا ما ينتقل من خلال الرذاذ المتطاير في الهواء، الذي يُعرَف باسم الهباء الجوي، ويَعلق في الهواء ويمكنه الانتقال عبر مسافاتٍ قصيرة وطويلة، يقول جوزيف ألين، الأستاذ المشارك بكلية تي إتش تشان للصحة العامة في جامعة هارفارد ومدير برنامج الأبنية الصحية التابع للكلية ذاتها: “هذا فيروسٌ يكاد ينحصر انتشاره عبر الهواء داخل الأماكن المغلقة، ومن هذا المنطلق، فإن الأبنية عاملٌ مهم دون شك”.

تزداد أهمية تحسين جودة الهواء داخل الأماكن المغلقة بالتزامُن مع إلغاء إلزامية ارتداء الكمامات وغيرها من التدابير قصيرة الأجل الرامية إلى الحد من انتشار «سارس-كوف-2» في الولايات المتحدة وكثير من البلدان الأخرى، يُعلق ألين على هذا الأمر قائلًا: “مع بدئنا في التخلي عن هذه التدابير واللوائح الحكومية واسعة النطاق، نحن بحاجةٍ إلى إستراتيجياتٍ غير مباشرة تؤدي دورها في خلفية المشهد، ينبغي ألا يكون الهواء النقي حكرًا على أحد”.

إلى جانب الحد من خطر الإصابة بمرض «كوفيد-19»، ثمة فوائد أخرى يمكن أن نجنيها من تحسين جودة الهواء داخل الأماكن المغلقة؛ فالإنفلونزا والفيروسات التنفسية الأخرى تنتقل أيضًا عبر الهواء وتُسبِّب قدرًا كبيرًا من المرض وإهدار الإنتاجية، إضافةً إلى ذلك، أظهرت الدراسات أن سوء التهوية يترتب عليه جميعُ أنواع التأثيرات الصحية الأخرى، بدءًا من “متلازمة الأبنية المغلقة” وانتهاءً بالآثار المعرفية.

لعل المجتمع يتعلم درسًا من الطريقة التي يُولي بها اهتمامًا لمعالجة المياه؛ فثمة تدابير واسعة النطاق اتُّخذت بهدف ضمان جودة المياه في المنظومات العامة، فلماذا لا يُتَّخذ مثلها فيما يخص الهواء؟

بوجه عام، “نحن لا نعتمد على السكان في الولايات المتحدة في تنقية مياههم كأفراد، بل نقدم لهم مياه شرب نظيفةً وآمنة”، وفق ما تقول لينزي مار، أستاذة الهندسة المدنية والبيئية في جامعة فرجينيا للتقنية وإحدى كبار الخبراء في مجال انتقال الفيروسات عبر الهباء الجوي، تضيف مار قائلةً: “أعتقد أن الوقت قد حان كي نبدأ التفكير في الهواء الذي نتنفسه داخل الأماكن المغلقة بالطريقة نفسها”.

مستوى “مقبول” من جودة الهواء

وبالعودة إلى ألين، فإنه يقول إن المهندسين عكفوا -خلال الأربعين عامًا الماضية أو نحو ذلك- على تصميم الأبنية بحيث تكون أكثر إحكامًا، وهو ما يعني خفض مستويات تبادل الهواء مع المحيط الخارجي؛ سعيًا لتحسين كفاءة الطاقة، لكن المشكلة أن هذه الممارسة أدت إلى أن كثيرًا من أبنيتنا صارت الآن مصانعَ مثاليةً للجراثيم.

تحظى جودة الهواء في الأماكن المفتوحة بالكثير من الاهتمام؛ فتلك أحد أهم أدوار وكالة حماية البيئة الأمريكية، غير أن الأفراد يقضون وقتًا أطول بكثير داخل الأماكن المغلقة، حيث نتعرض بشكلٍ روتيني للملوثات الداخلية ناهيك بالملوثات البيئية، وتتراوح الملوثات الداخلية بين مُسبِّبات الأمراض مرورًا بالأدخنة الناتجة عن الطهي وانتهاءً بالكيماويات المنبعثة من الأثاث.

من جانبه، يقول ريتشارد كورسي، عميد كلية الهندسة بجامعة كاليفورنيا في ديفيس: “البشر مخلوقاتٌ عجيبة تميل إلى الأماكن المغلقة”، بلغ متوسط العمر في الولايات المتحدة قبل الجائحة نحو 79 عامًا، و”نقضي 69 عامًا داخل الأبنية” حسبما يردف كورسي، الذي يُنوِّه أيضًا بأنه من أصل تلك المدة، “يمر 54 عامًا ونحن بداخل منازلنا”.

تُعد الجمعية الأمريكية لمهندسي التدفئة وتكييف الهواء (ASHRAE) كيانًا صناعيًّا أمريكيًّا يضع المعايير لما أُطلق عليه “الجودة المقبولة للهواء داخل الأماكن المغلقة”، وفيما يتعلق بالأبنية غير السكنية، يُعرَّف هذا المصطلح بأنه “الهواء الخالي من أي ملوثات معروفة بتركيزاتٍ ضارة، وفق ما تحدده السلطات المختصة، والتي لا تعبر أغلبيةٌ كبيرة (80% أو أكثر) من الأشخاص الذين يتعرضون له عن استيائهم منها”، أما فيما يخص الأبنية السكنية، فيُعرَّف هذا المصطلح بأنه “الهواء الذي لا تعبر أغلبيةٌ كبيرة من السكان عن استيائها منه، وذلك فيما يخص الرائحة وتهيُّج الحواس، والذي لا يُحتمل احتواؤه على ملوثاتٍ بتركيزاتٍ من المعلوم أنها تمثل خطرًا صحيًّا”.

يرى ألين أنه يجدر بمصممي الأبنية ومديريها أن يعملوا جاهدين من أجل الوصول إلى مستوى أفضل من الجودة وعدم الركون إلى المستوى “المقبول”، مضيفًا أن هذه المعايير “أدنى بكثير” مما هو ضروري للحماية من «كوفيد-19» والإنفلونزا وغيرهما من الأمراض المعدية، ثمة آخرون يتفقون مع ألين فيما يذهب إليه؛ فمثلًا يقول كورسي: “فكر فيما إذا عرض شخصٌ سيارةً للبيع واستخدم النوع التالي من الدعاية: ’اشترِ سيارتنا؛ وستجدها مقبولةً بالنسبة لك‘، لا أظن أن كثيرًا من الناس سيُقبل على شراء سيارةٍ كهذه”.

يشير ويليام بي بانفليت -الذي يرأس مجموعة العمل المعنية بالأوبئة في الجمعية الأمريكية لمهندسي التدفئة وتكييف الهواء، وأستاذ الهندسة المعمارية في جامعة ولاية بنسلفانيا- إلى أن الهدف من المعايير التي تقرِّرها الجمعية هو الحد من تعرُّض الأفراد للمواد الضارة ذات حدود التعرُّض المعروفة، مثل الفورمالدهايد وغيره من المركبات العضوية الطيارة، لكنها لا تشمل مُسبِّبات الأمراض، التي لا يتوافر لها سوى قدرٍ أقل بكثير من البيانات، أرسل بانفليت رسالةً إلكترونية إلى دورية “ساينتفك أمريكان” Scientific American جاء فيها: “لا تُفضي معدلاتُ التهوية الدنيا الحالية –بمفردها– إلى التخفيف التام من خطر انتقال الأمراض المحمولة جوًّا”، وأضاف أنه ليس بالإمكان النزول بمخاطر انتقال الأمراض إلى الصفر، لكن الجمع بين الإجراءات الاحترازية من جهة، كالتطعيم وارتداء الكمامات وتحديد حدٍّ أقصى لعدد شاغلي الأبنية، والممارسات الهندسية من جهةٍ أخرى، كالتهوية والترشيح وتعقيم الهواء، يُعد “أكثر الطرق فاعليةً لتقليل الخطر إلى أدنى حدٍّ ممكن”.

من المعلوم أن تغيير معايير جودة الهواء يستغرق وقتًا، لكن هذا لا يمنع من اتخاذ بعض الخطوات على الفور من أجل تحسين الهواء الذي نتنفسه داخل الأماكن المغلقة، تشمل هذه الخطوات تقوية الركائز الأربع الرئيسية لجودة الهواء داخل الأماكن المغلقة: التحكم بالمصدر، والتهوية، والترشيح، والتعقيم.

التحكم بالمصدر

من منظورٍ معاصر أوسع نطاقًا، يمكن للأفراد الحيلولة دون إطلاق الملوِّثات في الهواء عن طريق منع مصادرها المحتملة من الأساس، فيمكننا التقليل –مثلًا- من الأدخنة الناتجة عن الطهي من خلال استخدام المواقد الكهربائية بدلًا من المواقد المعتمدة على الغاز.

وفيما يخص مُسبِّبات الأمراض، مثل «سارس-كوف-2»، يُنصَح الشخص الذي يعلم أنه تعرَّض من قبل لأحد مُسبِّبات الأمراض بأن يرتدي كمامةً عالية الجودة أو يلزم منزله إذا ما ظهرت عليه أعراضٌ مرضية.

بطبيعة الحال مثل هذه التدابير لا يمكنها وحدها منع جميع مُسبِّبات الأمراض أو غيرها من الملوِّثات من الاختلاط بالهواء، ولذا، ثمة حاجةٌ إلى خطواتٍ أخرى.عن “ساينتافيك أميريكان”

 

 


تعليقات الموقع