بقلم ديفيد ديديان، شريك في شركة بوسطن كونسلتينغ جروب.
تشهد دول مجلس التعاون الخليجي تحولات سريعة عبر مجالات متعددة، حيث تتضافر الجهود التي تبذلها الجهات الحكومية وهيئات القطاع الخاص لتطوير الأسواق المحلية، عبر تعزيز المنظومة المتكاملة للتكنولوجيا والابتكار، مسترشدة بالأطر الاستراتيجية الوطنية، والمعروفة باسم الرؤى. وتعتبر صناديق الثروة السيادية والمستثمرون الرئيسيون من الجهات الفاعلة الرئيسية في هذا الإطار، عبر المساهمة في توفير التمويل اللازم لتطوير القطاعات المحورية الحالية والناشئة، والتي يتم الاعتماد عليها لتحقيق أهداف الرؤى الحكومية. وبحسب المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية، فقد بلغ حجم استثمارات الصناديق السيادية في المنطقة، ومن ضمنها الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حوالي 12.7 مليار دولار خلال العام 2020، معظمها في الشركات والمشاريع المحلية – ما يقدر بحوالي ثلاثة أضعاف رؤوس الأموال المستثمرة عام 2019.
فعلى سبيل المثال، أطلق صندوق الاستثمارات العامة – صندوق الثروة السيادية في المملكة العربية السعودية، مجموعة من المشاريع الضخمة مثل نيوم، التي تعتبر من المدن العابرة للحدود بتكلفة تبلغ 500 مليار دولار ، والتي تعمل بالكامل باستخدام الطاقة المتجددة، مع تصدير الطاقة الخضراء. كما أنشأ صندوق الاستثمارات العامة شركاته الخاصة في القطاعات الناشئة، مثل الشركة السعودية للذكاء الاصطناعي (SCAI)، والتي ستدعم الشركات المحلية عبر توفير مجموعة من الحلول عبر منظومة الذكاء الاصطناعي. وبالمثل، قامت الشركة القابضةADQ – صندوق الثروة السيادي الإماراتي، بتمويل العمليات الهادفة لتأسيس شركات محلية ذات غايات وطنية- مجتمعية مثل “سلال”، والهادفة لتنويع مصادر المنتجات الغذائية وتحفيز قطاعات الأغذية الزراعية المحلية، وبالتالي تعزيز الأمن الغذائي الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة.
سجل حافل لمصادر رأس مال المخاطر
أدى التوجه الاستثماري المتزايد لصناديق الثروة السيادية والمستثمرين الرئيسيين، والتركيز على توسيع مصادر الدخل وتأسيس شركاتهم الخاصة، إلى تعزيز أهمية ودور مصادر رأسمال المخاطر، باعتبارهم من العوامل الأساسية الضامنة لنجاح الجهود الاستثمارية، وتحسين قابليتها للتوسع، مع العمل على توفير خدمات الدعم الاستشاري والتشغيلي لتطوير نطاق الأنشطة التجارية.
وينتشر حول العالم حالياً، أكثر من 500 مصدر لرأسمال المخاطر، يعمل على نحو فعال في جميع أنحاء العالم. في عام 2019، أنشأت خطة المعاشات التقاعدية للمعلمين في أونتاريو (OTPP)، وهي أكبر برنامج معاشات تقاعدية لمهنة واحدة في كندا، منصة Koru لدعم محفظة شركاتها عبر جميع مراحل تطوير الأعمال الرقمية المبتكرة الجديدة، على مستويات التخطيط والاحتضان وتعزيز الأعمال. وانخرطت Koru على نحو فائق السرعة في مشروعها الأول بالتعاون مع Elovee، وهي شركة برمجيات تركز على توفير الدعم لكبار السن الذين يعانون من الخرف، ضمن برنامج أميكا للارتقاء بمستويات حياة المسنين . وتعتبر هذه الشراكة على مستوى رأسمال المخاطر، بمثابة دليل واضح على توجه الصناديق السيادية نحو ابتكار أفكار جديدة عبر تأسيس الشركات وضمها إلى محفظة أعمالها الخاصة. على صعيد آخر، تستعرض هذه الشراكات دور مصادر رأسمال المخاطر في تعزيز القدرات وتسريع مسار النمو، عبر الاعتماد على منهجيات متخصصة وفريدة من نوعها. على هذا النحو، يعتبر سجل رأسمال المخاطر واسع الانتشار عبر قطاعات متعددة مما يعزز جاذبيته لاستثمارات صناديق الثروة السيادية.
تصميم وإدارة مصادر رأسمال المخاطر
تساهم مصادر رأسمال المخاطر المصممة على نحو مدروس في تعزيز ريادة صناديق الثروة السيادية، بحيث تصبح بمثابة منصات للابتكار السريع عالي القيمة، بالإضافة إلى دورها في زيادة تدفق الصفقات ومضاعفاتها لمحفظة الأعمال المتكاملة. والجدير بالذكر، أن هذه المصادر ستتمكن من تحقيق هذه النتائج عبر توفير الوصول إلى أحدث التقنيات والقدرات البشرية اللازمة، وبالتالي تطوير تجارب وعلاقات متميزة مع العملاء، وتوفير عمليات ذات إنتاجية أفضل، مع معدلات ابتكار متزايدة على نحو كبير – وهذا مفهوم تشير إليه شركة بوسطن كونسلتينغ جروب باسم “شركة بيونيك”. ووفقاً لاستبيان مؤشر التسريع الرقمي (DAI) الذي أجريناه على 2,246 شركة في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، من المرجح أن تحقق الشركات الإلكترونية الرائدة، نمواً يفوق نسبة 10٪ على مستوى الإيرادات بالإضافة إلى تعزيز نمو قيمة الشركة، باحتمالية تبلغ 2.2 ضعفاً مقارنةً بالشركات التي لم تتبنى مسار التحول الرقمي على النحو المطلوب. وفي دراسة استقصائية مماثلة شملت 150 شركة كبيرة في الشرق الأوسط، كانت احتمالية أن تحقق الشركات الإلكترونية نمواً في الإيرادات يفوق نسبة 10٪ من الإيرادات مع تعزيز قيمة المؤسسة، أعلى بمقدار 1.8 مرة مقارنةً بالشركات غير الناضجة رقمياً. وعلى نحو مماثل، شهدت عينة من الشركات الصغيرة والمتوسطة في الشرق الأوسط نمواً مشابهاً، حيث حققت الشركات الإلكترونية أداءً جيدًا بالمثل مع احتمالية أعلى بمعدل 1.7 مرة للوصول إلى عتبة 10٪ لنمو الإيرادات، مع الارتقاء بقيمة المؤسسة. ويجب على مصادر رأسمال المخاطر توظيف الكفاءات المناسبة وتبني التقنيات الحديثة المناسبة لاحتضان الشركات الإلكترونية وتحقيق الأهداف المرجوة.
يُعد امتلاك المنظومة الرقمية المتكاملة والأدوات الصحيحة، من الأمور الأساسية التي يجب توفرها لنجاح الشركات الإلكترونية في مسارها التطوري. ويمكن لوحدة مصادر رأسمال المخاطر تسريع مسار النهج التكنولوجي للشركات الناشئة من خلال تقديم حل “التكنولوجيا الجاهزة”.ومن الضروري أن يستند هذا النهج إلى بنية وهيكلية تقنية حديثة ووحدات معيارية مناسبة، لضمان دعم الترتيبات متعددة الشركات، والتوفر العالي واستمرارية الأعمال، بالإضافة إلى معايير الأمان المرتفعة بما يتماشى مع السياسات الوطنية وأفضل الممارسات في القطاع. كما يمكن لمصدر رأسمال المخاطر تبني البيانات والقدرات التحليلية والأنظمة الحالية الجاهزة والشركات العاملة ضمن محفظة الصناديق السيادية، أو الاستفادة منها عبر مجالين مختلفين : (1) تطوير حالات استخدام التحليلات (على سبيل المثال، تحسين عمليات التسعير، والبيع المتقاطع، والرفع، والتنبؤ بالطلب) للشركات الناشئة و(2) مشاركة بيانات السوق والبيانات الأخرى من الشركات الناشئة الأخرى والشركات العاملة ضمن محافظ الصناديق السيادية، وذلك على نحو محتمل مقابل بيانات الشركات الناشئة.
وتحتاج مصادر رأسمال المخاطر إلى اتخاذ القرارات اليومية، عبر الاعتماد على فريق إدارة متعدد التخصصات يعزز الأدوار المالية، بالتعاون مع مجموعة من الخبراء في مجالات التصميم والبرمجة والهندسة والعمليات المرنة. ومن المحتمل أن يؤدي هذا المسار إلى كشف الستار عن الفجوة القائمة لناحية توظيف مواهب جديدة، الأمر الذي قد يتصاحب مع مجموعة من التحديات على المدى الطويل. ومن الصعوبة بمكان، أن تنافس برامج صناديق الثروة السيادية والمعاشات التقاعدية، القدرات التي تمتلكها الشركات العاملة في قطاعات التكنولوجيا والاستشارات لناحية توظيف الكفاءات العالمية المتقدمة. ويمكن الترويج للموقع كمركز ابتكار صاعد، بالإضافة إلى إمكانية توافق مصدر رأسمال المخاطر مع المسارات المحددة من قبل مراكز البحث والابتكار الوطنية التي ترعاها الحكومات. ويتم النظر إلى مجتمع مصادر رأسمال المخاطر على المستويات المحلية، باعتبارها من أهم الجهات الداعمة لتطوير الجيل القادم من الكفاءات الوطنية.
ويبقى السؤال الأهم في هذا الإطار: كيف يحدث كل ذلك؟ عادة ما يتم إنشاء مصدر رأسمال المخاطر ككيان منفصل أو كذراع داخلي للمشاريع ضمن صناديق الثروة السيادية. ويتم ذلك على الأغلب، عبر التعاون مع شركاء خارجيين أو محفظة الشركات الحالية والرائدة في مجال المشاريع الرقمية. واستطاعت مصادر رأسمال المخاطر بعد تجارب متعددة، من تطوير مراكز التميز الخاصة بها، مع تحسين القدرات التي يمكن تطبيقها الآن على معظم الشركات العاملة ضمن محافظ الصناديق السيادية.
وتعتبر القدرة على دعم المجتمع المحلي الحاضن لصندوق الثروة السيادية ومستوى النمو الاقتصادي في الدولة المالكة للصندوق، أحد العوامل الهامة لتأسيس هذا النوع من الأعمال. وعادة ما تعزز هذه المصادر، الروابط بين الصناديق وتساهم بالتالي في نجاح الشركات الناشئة وضمان ازدهار المنطقة وأسواق المنطقة التي تعمل فيها على نحو شامل. ويمكن لنهج المحفظة أيضاً توسيع شبكة الصناديق من الممولين والخبراء والتقنيين، لخلق دورة متكاملة من الإنجازات، والمساهمة في تعزيز القدرات وتحسين التأثير وزيادة الأرباح على نحو مستمر. ويمكن للأعمال التجارية الرائدة رعاية الجيل القادم من الكفاءات المحلية على نحو واسع النطاق.
ومن المتوقع أن تولد صناديق الثروات السيادية عوائد ضخمة، بالإضافة إلى دعم الاقتصادات المحلية بشكل متزايد. بالنسبة للصناديق نفسها، توفر مصادر رأسمال المخاطر، إمكانية الوصول إلى شركات يونيكورن المحتملة والمشاريع ذات قدرات النمو العالية، التي يعتمد وجودها ونجاحها على هذه المصادر. كما تقلل هذه المصادر من مخاطر الفشل، ذلك أن نجاح المشاريع يرتبط عادة بشركات المحافظ وبصناديق الثروة السيادية. ومن المتوقع مع توجه المستثمرين الرئيسيين والصناديق ذات الصلة لتطوير نهج متعدد الأوجه لتعزيز التنمية الاقتصادية، أن تتطوّر مصادر رأسمال المخاطر لتصبح إحدى الأدوات الرئيسية التي يتم الاعتماد عليها لتحقيق الأهداف المرجوة. كما أن هناك إمكانية عالية للتعاون بين روّاد الأعمال الشباب وصناديق الثروة السيادية بهدف تعزيز وزيادة رؤوس الأموال.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.