“مادة هلامية” تتحول إلى أقطاب كهربائية في الدماغ

الرئيسية مقالات
محمد السيد علي:صحفي علمي
“مادة هلامية” تتحول إلى أقطاب كهربائية في الدماغ

 

“مادة هلامية” تتحول إلى أقطاب كهربائية في الدماغ

 

 

 

 

 

 

 

نجح باحثون سويديون في تنمية أقطاب كهربائية في الأنسجة الحية باستخدام جزيئات الجسم كمحفزات؛ ما يمهد الطريق نحو تطوير علاجات مستقبلية للاضطرابات العصبية، وعلى رأسها المرض الرعاش “باركنسون”.

وأوضح الباحثون، في دراسة نشرتها دورية “ساينس” (Science) ، أن النتائج تفتح المجال لتشكيل دوائر إلكترونية متكاملة تمامًا في الكائنات الحية.

ويُعد ربط الإلكترونيات بالأنسجة البيولوجية أمرًا مُهمًّا لفهم الوظائف البيولوجية المعقدة، ومكافحة الأمراض في الدماغ، وتطوير واجهات مستقبلية بين الإنسان والآلة، ومع ذلك، فإن الإلكترونيات الحيوية التقليدية التي تم تطويرها بالتوازي مع صناعة أشباه الموصلات لها تصميم ثابت، ويصعب -إن لم يكن يستحيل- دمجها مع أنظمة الإشارات البيولوجية الحية.

لسد هذه الفجوة بين علم الأحياء والتكنولوجيا، طوّر الباحثون طريقةً تساعد على إنشاء أقطاب كهربائية من مواد لينة وخالية من الركيزة وموصلة إلكترونيًّا في الأنسجة الحية، ويتم حقنها في الجسم في صورة مادة هُلامية.

وتمكن الباحثون من زراعة الأقطاب الكهربائية في أنسجة أسماك الزرد، التي تُعد نموذجًا ممتازًا لدراسة الأقطاب الكهربائية العضوية في الدماغ، بالإضافة إلى العلقات الطبية (نوع من الحيوانات يعيش في مياه البرك والمستنقعات)، وذلك عن طريق حقنها بالمادة الهلامية.

ووفق الفريق البحثي، فإن “اتصال المادة الهلامية مع مواد الجسم يغير بنية الجل ويجعله موصلًا للكهرباء، وهو ما لم يحدث قبل الحقن، واعتمادًا على الأنسجة، يمكن أيضًا ضبط تكوين الهلام لبدء العملية الكهربائية”.

وأضاف الباحثون أن “جزيئات الجسم الذاتية تكفي لتحفيز تكوين الأقطاب الكهربائية، وبذلك لا تحتاج إلى التعديل الجيني أو الإشارات الخارجية كالضوء أو الطاقة الكهربائية التي كانت ضروريةً في التجارب السابقة”.

يقول ماجنوس بيرجرين -الأستاذ في مختبر الإلكترونيات العضوية بجامعة “لينشوبينج” السويدية، وقائد فريق البحث- في تصريحات لـ”للعلم”: لعدة عقود، حاولنا إنشاء إلكترونيات تحاكي علم الأحياء، والآن ندع البيولوجيا تصنع الإلكترونيات لنا.

يضيف “بيرجرين”: لقد طوّرنا وبحثنا في عملية تصنيع وإنشاء أقطاب كهربائية للتحفيز المستقبلي أو تسجيل الإشارات العصبية داخل الأعضاء (الأنظمة العصبية) لنماذج الحيوانات.

وعن آلية عمل هذه الأقطاب يقول: يوضع مزيج من المواد على العضو مثل الدماغ، ويمكننا تنمية الأقطاب الكهربائية والموصلات داخل الدماغ عن طريق استخدام المركبات الذاتية من العضو، مثل السكريات الطبيعية، المتوافرة داخل العضو، والتي تعمل على تشغيل البلمرة لجعل هذا المزيج موصلًا إلكترونيًّا في النهاية.

وفي التجارب التي أُجريت في جامعة لوند السويدية، نجح الفريق البحثي في تكوين قطب كهربائي في المخ والقلب وزعانف الذيل لأسماك الزرد، وحول الأنسجة العصبية للعلقات الطبية.

ووفق الفريق، لم تتأذَّ الحيوانات بالهلام المحقون ولا بتكوين القطب، وكان أحد التحديات العديدة في هذه التجارب أخذ الجهاز المناعي للحيوانات في الاعتبار؛ إذ تمكنوا من تطوير أقطاب كهربائية تقبلها أنسجة المخ والجهاز المناعي.

وأشار الفريق إلى أن دراستهم تمهد الطريق لنموذج جديد في الإلكترونيات الحيوية، وبينما تُستخدم أشياء مادية مزروعة مسبقًا لبدء العمليات الإلكترونية في الجسم حاليًّا، فإن حَقن مادة هلامية لزجة سيكون كافيًا في المستقبل.

وكشف الباحثون في دراستهم أيضًا أن هذه الطريقة يمكن أن تحول المواد الموصلة إلكترونيًّا إلى بنى أساسية بيولوجية محددة، وبالتالي يمكن إنشاء واجهات مناسبة لتحفيز الأعصاب، فعلى المدى الطويل، قد يكون من الممكن تصنيع دوائر إلكترونية متكاملة تمامًا في الكائنات الحية.

يشير “بيرجرين” إلى أن النتائج التي توصل إليها الفريق تبشر بإمكانيات جديدة تمامًا لتطوير أقطاب كهربائية لتسجيل إشارات الدماغ، وأيضًا لتمكين بروتوكولات علاجية جديدة للأمراض والاضطرابات التنكسية العصبية، مثل باركنسون والصرع.

وتابع: بالإضافة إلى ذلك، فإن تقنيتنا موجودة على الحدود بين المستحضرات الصيدلانية والإلكترونيات، وبالتالي فهي مفتوحة أيضًا لحلول جديدة؛ حيث تكون الوظائف الكهربائية والكيميائية ضروريةً في علم الأحياء، مثل حالة الأنظمة العصبية.

وعن خطواتهم المستقبلية قال “بيرجرين”: نستهدف استكشاف هذه الأدوية العصبية الإلكترونية في نماذج حيوانية أكثر تقدمًا؛ للتحقق من تأثير التحفيز داخل الدماغ على سبيل المثال، واستهداف الأمراض والاضطرابات، بالإضافة إلى ذلك، هناك فرص كبيرة لتطبيق هذه الأقطاب الكهربائية المزروعة أيضًا على الخلايا الفردية لتحفيز إشارات الخلية المفردة.عن “ساينتافيك أميريكان”