الصين المورد المهيمن لمدخلات المواد الخام للصناعة باستحواذ على الإنتاج العالمي للمعادن الضرورية بنسبة تصل إلى 60% من إنتاج تعدين الأرض النادرة في العالم

صراع القمة على “أشباه الموصلات”

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

 

اتجاهات مستقبلية

صراع القمة على “أشباه الموصلات”

 

 

 

 

 

 

صناعة أشباه الموصلات والرقائق جانب من التنافس على صدارة العالم، فأشباه المواصلات قلب الأجهزة الإلكترونية النابض، والمحرك الدافع لتقدم التكنولوجيا، لأنها المكون الناقل للتيار الكهربائي في الأجهزة الإلكترونية والهواتف الذكية والحواسيب والسيارات والطائرات وحتى الأسلحة، كما أنها تُسهم في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والأنظمة الدقيقة.

ويعيش العالم حربًا تجارية بدأت شرارتها في أزمة نقص “أشباه الموصلات”، في 2018، مع فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية شملت “أشباه الموصلات”،وبعدها تتالت الرسوم مع حظر على الصادرات إلى شركات صينية من بينها “هواوي”؛ ما دفع الصين إلى دعم صناعة “أشباه الموصلات”، وتقديم التمويل والحوافز لشركات تصنيع الرقائق الإلكترونية في الدولة الآسيوية.

إن عملية تصنيع الرقائق تحتاج إلى وقت واستثمارات هائلة ومنشآت ومصانع تكلّف مليارات الدولارات، لتبدأ مراحل الصناعة بالحصول على المعادن الأرضية النادرة، والصين المورد المهيمن لمدخلات المواد الخام للصناعة باستحواذ على الإنتاج العالمي للمعادن الضرورية بنسبة تصل إلى 60% من إنتاج تعدين الأرض النادرة في العالم، ونحو 90% من عمليات المعالجة والتكرير.

ولا تتمتع أي دولة بالاكتفاء الذاتي تكنولوجيًّا، لكن اعتماد الولايات المتحدة على حصة الصين الكبيرة في السوق في صناعة المعادن المتعلقة بأشباه الموصلات يخلق خللًا تجاريًّا بين الدولتين، ولاسيّما أن دَور أشباه الموصلات أساسيٌّ في الصناعات التكنولوجية؛ إذ تعطي الرقائق فرصة لتطور التكنولوجيا، سواء في تصميمها أو حجم الأجهزة والكفاءة، ولمواجهة التقدّم الصيني، تفرض الإجراءات الحمائية، لتقليل التصدير ومعالجة خطر استخدامها عسكريًّا، كما تقدم إعانات بمليارات الدولارات لكبرى شركات أشباه الموصلات في الولايات المتحدة وتايوان، لإنشاء مصانع جديدة لأشباه الموصلات.

وتقف تايوان، عملاق إنتاج أشباه الموصلات عالية التقنية في العالم، إلى جانب الولايات المتحدة، لكن هذا يعقد التنافس مع الصين، التي تعتبر تايوان جزءًا من أراضيها؛ لذا فإن أي صراع على الجزيرة قد يؤدي إلى توترات، بل انهيارات في الاقتصاد العالمي.

وترتبط صناعة أشباه الموصلات بالملكية الفكرية، والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وتايوان وبعض الدول الأوروبية متقدمة في هذا الشأن، لكن الكثير من إنتاج وتجميع واختبار المنتجات يحدث في الصين،حيث تشتري أكثر من 50% من الإمدادات العالمية سنويًّا، لكنها لا تزال تعتمد على الواردات من العملاق الهولندي “إيه إس إم إل”، وشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات.

وفي الشرق الأوسط، تعمل الإمارات على أن تصبح منتجًا لأشباه الموصلات المتقدمة، ولذلك أنشأت صندوقًا للاستثمار في التكنولوجيا يتجاوز أصوله 100 مليار دولار، في وقت تحدُّ فيه الولايات المتحدة من صادرات الرقائق إلى الشرق الأوسط. ولأن صناعة الرقائق استراتيجية في التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، تبحث الإمارات والسعودية عن إنتاج أشباه الموصلات.

ولاعتبار الولايات المتحدة تصنيع أشباه الموصلات “مسألة أمن قومي”، خاصة مع الطموحات الصينية، تقدم واشنطن مبالغ كبيرة لتطوير قطاع إنتاج أشباه الموصلات، حيث خصّصت الولايات المتحدة وحلفاؤها ما يقرب من 81 مليار دولار لتطوير الجيل القادم من أشباه الموصلات كاستثمار استراتيجي، في وقت تستثمر الحكومات في جميع أنحاء العالم نحو 380 مليار دولار لتعزيز قدرات الإنتاج في شركات كبرى مثل شركة “إنتل” و”تي إس إم سي” التايوانية.

ويبدو أن واشنطن تتجه إلى  فرض قيود أكثر صرامة على تصدير تكنولوجيا أشباه الموصلات المتقدمة إلى الصين، فالولايات المتحدة تواجه تحديات في الحفاظ على مكانتها الرائدة في تصميم وتصنيع أشباه الموصلات، في وقت يسعى فيه الاتحاد الأوروبي إلى تقليل اعتماده على الولايات المتحدة والصين في أشباه الموصلات، خاصة أن نحو 70% من إجمالي القدرة التصنيعية تواجدت، عام 2022، في كوريا الجنوبية وتايوان والصين، وتستحوذ اليابان على 13%، وبعدها تأتي الأمريكتان، ويمكن الاستثمار في البحث لتطوير تقنيات جديدة لتصنيع أشباه الموصلات تخفف أسعار الإلكترونيات والسلع التي تعتمد عليها، وبالتعاون الدولي يمكن ضمان سلاسل توريد آمنة ومستقرة للرقائق، لكن يبدو أن التنافس على إنتاج الرقائق سيستمر؛ طالما تَواصل الصراع على قمة الهرم الدولي.


تعليقات الموقع