علي نانجي، المدير الإقليمي لشؤون شراكات الأعمال التجارية بشركة باك بيس: هناك العديد من المناطق معروفة عالميًا بمستويات ثرائها المرتفعة، إلا أن البعض قد يُفاجأ بأن قطاع إدارة الثروات في الشرق الأوسط لا يزال غير متطور إلى حد كبير. فعلى الرغم من أن الأفراد ذوي الثروات الكبيرة والشركات العائلية كانوا دائمًا هدفًا للمؤسسات المالية في المنطقة، إلا أن الجزء الأكبر من السكان لا يزال غير مستهدف. وتعتمد هذه الاستراتيجية بالطبع على عدة عوامل اقتصادية، حيث أن الـ10% الأعلى دخلًا يمتلكون أكثر من 60% من إجمالي الدخل في المنطقة. لذلك كان من المنطقي للمؤسسات المالية التي تقدم خدماتها الاستمرار في التركيز على الشريحة الصغيرة. فطالما يعتمد الأثرياء بشكل شبه حصري على مديري الثروات المتخصصين، لا يوجد حافز قوي لاستثمار الأموال في تطوير الأنظمة الرقمية.
نقطة تحول
ومع ذلك، هناك عوامل سوقية جديدة تلعب دورًا مهمًا في الوقت الحاضر، بالإضافة إلى ذلك، سنشهد على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة أكبر عملية انتقال للثروة في تاريخ البشرية، حيث سيتم تمرير أكثر من 60 تريليون دولار أمريكي من الأصول إلى جيل جديد يختلف تمامًا عن الجيل السابق.
وباختصار، لا يمكن توسيع نطاق النهج اليدوي الحالي لإدارة الثروات، الذي يتطلب الكثير من الجهد، من أجل تلبية احتياجات شرائح العملاء الجديدة والمختلفة. فحتى الآن، يتطلب الاستثمار في صندوق استثماري أو فتح حساب استثماري زيارة شخصية لأحد الفروع. وبغض النظر عن الاستثمار الهائل في القوى العاملة اللازم لجذب الآلاف من المستثمرين الأفراد بهذه الطريقة، فهل هذا هو حقاً النهج المفضل؟ ومن هذا المنطلق، يجب على المؤسسات المالية في المنطقة إذا كانت تسعى إلى تحقيق إيرادات جديدة من هذه الشرائح غير المخدومة، إيجاد طرق لخدمتهم بشكل اقتصادي. وهذا ما يتطلب في المقام الأول فهم ما يلزم لتلبية احتياجات إدارة الثروات لمختلف فئات العملاء بفعالية وكفاءة.
تقسيم العملاء
بصفة عامة، يمكن تقسيم العملاء المحتملين إلى ثلاث فئات, أولها شريحة “العملاء الأفراد” الذين يمتلكون أصولًا أقل من 1.5 مليون دولار أمريكي، وهي الأكبر وربما الأكثر استهدافًا. ونظرًا لأهمية الحجم في تحقيق النجاح لهذه الشريحة، فإن تقديم الخدمة لهم مع التحكم في التكاليف يتطلب تمكينهم من خدمة أنفسهم قدر المستطاع. لكن يجب أن نضع في اعتبارنا أيضًا أن العديد من هؤلاء العملاء في بداية رحلتهم الاستثمارية، لذا فإن توفير مواد تعليمية كافية لهم سيكون له الأثر الأكبر، بالإضافة إلى تقديم الدعم الافتراضي من خلال تخصيص العروض بناءً على تحليل سلوكهم الفعال.
أما الشريحة الأعلى، والتي تمتلك أصولًا تتراوح بين 1.5 مليون دولار أمريكي و 5 ملايين دولار أمريكي، فتضم “المستثمرين الأثرياء”. يتميز هؤلاء المستثمرون بوعيهم العميق بالتجارب التي يحصلون عليها وتوقعاتهم بمستوى متميز من الخدمة. وبالرغم من أن الإيرادات العالية لكل عميل تبرر مستوى إضافيًا من التفاعل، إلا أن ذلك لا يعني استثمار ساعات عمل طويلة بلا حدود. ويكمن الحل هنا في الاستثمار المكثف في رقمنة سير العمل وتبسيط العمليات من خلال الأتمتة. ولإضفاء “اللمسة البشرية” دون الاعتماد المفرط على مديري العلاقات، يمكن إنشاء منصة توفر نهجًا “هجينًا”. حيث يتم من خلالها تقديم جميع المعلومات التي يحتاجها العملاء رقميًا، مع توفير قنوات تواصل مثل الدردشة الفورية والمكالمات الافتراضية لتمكينهم من التواصل بسهولة مع مديري العلاقات المخصصين لهم، دون الحاجة إلى عقد اجتماعات شخصية.
وأخيرًا، لنلقِ نظرة على شريحة كبار الأثرياء، وهي الشريحة التي شكلت محور تركيز جهود إدارة الثروات في المنطقة حتى الآن، لنفهم لماذا لا يزال يوجد هناك مجال للتحسين والتطور حتى في هذه الشريحة. ففي حين أن الطبيعة الشخصية لخدمة العملاء ستبقى بلا شك سمة مميزة لهذه الشريحة، إلا أن الرقمنة ستضيف قيمة كبيرة. فعلى سبيل المثال، يمكن تبسيط العديد من المهام الروتينية المتعلقة بالاستثمار – مثل جمع المستندات، و ملء الاستبيانات، وتقديم مقترحات الاستثمار ورقمنتها. فقد يفضل العملاء الاجتماعات الشخصية لمناقشة استثماراتهم وأدائها، لكنهم بالتأكيد لن يحبذوا الحضور الشخصي لمهام بسيطة مثل توقيع اتفاقية أو مسح المستندات ضوئيًا. بوفي هذا السياق تجدر الاشارة إلى أن دور الرقمنة يتعدى مجرد تحسين تجربة العملاء في مختلف الشرائح إلى تمكّين الموظفين وتزيد من كفاءتهم – سواء كان ذلك من خلال الاستجابة بشكل أسرع وأكثر احترافية أو تحديد فرص البيع الإضافي والترقية.
حل المعضلة الرقمية
أدركت بنوك المنطقة أهمية رقمنة عملياتها الأساسية، ويتجلى ذلك في النمو الملحوظ الذي شهده قطاع الخدمات المصرفية الرقمية، والذي بلغ 52% بين عامي 2021 ومنتصف 2023. ومع ذلك، فإن الاكتفاء بهذا القدر يعني تفويت فرصة كبيرة. لذلك، يجب على البنوك، لاغتنام الفرص التي تقدمها إدارة الثروات الرقمية، أن تبحث أولاً عن منصة مصرفية تفاعلية يمكن دمجها مع الاستثمارات الحالية، مما سيمكنها من الاستفادة من نقاط قوتها وإطلاق العنان للإمكانات الكاملة لتلك الاستثمارات.فعلى سبيل المثال، قد تكون معظم البنوك قد استثمرت بالفعل في أنظمة إدارة علاقات العملاء الرائدة في الصناعة، وهي أدوات قوية للخدمات المصرفية للأفراد بحيث يمكن تعزيز هذه الأنظمة بمنصة تفاعلية تُمكن البنوك من اتخاذ الخطوة المنطقية التالية وتقديم عروض مخصصة تستند إلى البيانات الغنية التي تمتلكها بالفعل.
نهج هجين
اضافة إلى ما سبق، على البنوك اعتماد نهج مرن وهجين يلبي احتياجات مختلف شرائح المستثمرين، سواء كانوا أفرادًا أو أثرياء من ذوي الملاءة المالية العالية، ويوازن بين السرعة والقدرة على التكيف. كما أن استخدام المنصات التفاعلية يتيح للبنوك تقديم حلول مبتكرة بسرعة، مع الاحتفاظ بإمكانية تخصيص ميزات معينة لتلبية المتطلبات الفريدة للأسواق المستهدفة. فمثلاً، يمكن للبنوك تنفيذ حلول لإدارة المحافظ المالية الآلية وإعادة التوازن للعملاء الأفراد، أو تقديم أنظمة تداول وإدارة أوامر متقدمة للعملاء الأثرياء. ومما لا شك فيه أن هذا النهج الهجين الذي يجمع بين الشراء والتطوير الداخلي، يمكّن البنوك من تقديم عروض تنافسية بسرعة، مع الحفاظ على المرونة لتطوير وتقديم تجارب مخصصة تتماشى مع تطورات السوق بمرور الوقت.
قيمة مضافة
لطالما كان قطاع إدارة الثروات، عبر تاريخه، مجالًا حصريًا ونخبويًا يخدم شريحة محدودة من أغنى الأغنياء. لكن ومع تزايد عدد الأفراد الأثرياء وتغير مفهوم الثروة، حان الوقت لاتخاذ خطوات كبيرة نحو تحقيق الشمولية. فمن خلال الاستفادة من الحلول البنكية التفاعلية القابلة للتطور وللتوسع، يمكن للبنوك الوصول إلى مصادر دخل جديدة، وبناء علاقات طويلة الأمد مع فئات المستثمرين الناشئة، مع الحفاظ على اللمسة البشرية التي لا غنى عنها في إدارة الثروات. ومما لاشك فيه أن البنوك التي تتكيف مع التغييرات ستتمكن من تعزيز مكانتها كرواد في السوق الذي يتميز بسرعة تطوره، وتقديم قيمة حقيقية للعملاء في جميع شرائح الثروات.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.