اتجاهات مستقبلية
المستقبل المالي في قبضة الذكاء الاصطناعي
في ظل الثورة التكنولوجية المتسارعة، تشهد الأنظمة المالية العالمية تحولات جذرية بفعل التقنيات الذكية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، والبلوك تشين، والحوسبة السحابية. فلم تعد هذه التقنيات مجرد أدوات لتحسين الأداء، بل أصبحت قوى محركة تعيد رسم ملامح الاقتصاد، من خلال الأتمتة، وتحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بالتوجهات المالية. وبينما تحمل هذه التحولات وعودًا بالكفاءة والشفافية، فإنها تثير في الوقت ذاته تساؤلات حول الأمن السيبراني، والعدالة المالية، ومستقبل الوظائف التقليدية في القطاعات المالية المصرفية وغير المصرفية. فكيف ستتأقلم الأنظمة المالية مع هذه الطفرة الذكية؟ وهل نحن على أعتاب نظام اقتصادي عالمي أكثر استقرارًا أم أكثر هشاشة؟
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الثورات التكنولوجية عبر التاريخ كانت دائمًا محركًا لتغيير القوى العاملة، حيث تستحدث وظائف جديدة وتؤدي إلى اندثار أخرى. وفي هذا السياق، تبرز التكنولوجيا المالية (FinTech) كأحد العوامل الرئيسية في تعزيز الشمول المالي وتقليل التكاليف. فقد أشار تقرير للأمم المتحدة إلى أن التكنولوجيا المالية يمكنها تقليل تكلفة الخدمات المالية، وذلك ما يعزز الوصول إلى الخدمات العامة ويؤدي في النهاية إلى خفض النفقات.
وفضلًا عن ذلك أسهمت الثورة الرقمية في زيادة إمكانية الحصول على الخدمات المالية في البلدان النامية، حيث أحدثت تحولًا في طريقة سداد المدفوعات وتلقيها والاقتراض والادخار. ووفقًا لبيانات البنك الدولي، ارتفعت نسبة البالغين في البلدان النامية الذين يمتلكون حسابات مالية رسمية من 42% في عام 2011 إلى 71% في عام 2021. كما زادت نسبة البالغين الذين يسددون أو يتلقون مدفوعات رقمية من 35% في عام 2014 إلى 57% في عام 2021.
وإضافة إلى ذلك تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى أن التحول إلى اقتصاد أكثر استدامة يمكن أن يوجِد 24 مليون وظيفة جديدة على مستوى العالم بحلول عام 2030 من خلال اعتماد ممارسات مستدامة في قطاع الطاقة واستخدام المركبات الكهربائية وزيادة كفاءة استعمال الطاقة في المباني الحالية والمستقبلية. وفي الوقت ذاته، تشير تقارير بعض المجموعات مثل مجموعة ماكينزي إلى أن 800 مليون شخص قد يفقدون وظائفهم بسبب التشغيل الآلي بحلول عام 2030، وأن النسبة الغالبة من جميع الموظفين يشعرون بالقلق من ألا يكون لديهم التدريب الضروري أو المهارات اللازمة للحصول على عمل جيد الأجر. وفيما يتعلق بالعملات الرقمية، فقد شهدت نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة؛ فوفقًا لتقارير حديثة بلغت القيمة السوقية للعملات الرقمية أكثر من تريليون دولار في عام 2023، وذلك ما يعكس جاذبيتها للمستثمرين.
وفي الختام، يبدو أن التقنيات الذكية تؤدي دورًا حاسمًا في تشكيل مستقبل الأنظمة المالية العالمية. وبينما توفر فرصًا لتعزيز الشمول المالي وتقليل التكاليف، فإنها تفرض تحديات تتعلق بالأمن السيبراني، وحماية البيانات، وتأثيرها على سوق العمل. لذا يجب على الحكومات والمؤسسات المالية العمل معًا لضمان تحقيق التوازن بين الاستفادة من هذه التقنيات ومواجهة التحديات المرتبطة بها.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.