اتجاهات مستقبلية
العمل الإنساني التزام أخلاقي على العالم
في عالم يعجُّ بالصراعات والكوارث والأزمات، يبدو العمل الإنساني أكثرَ من مجرد اختيار إنساني يحفظ كرامة الإنسان في أصعب الظروف، بل هو التزام أخلاقي يجسد التضامن والتعاون بين البشر. فما يشهده العالم من تحديات من حروب وأوبئة وأزمات مناخية، لا يمكن التغلب عليها سوى بالتعاون والتكامل الدولي، الذي يقوم على الإنسانية، ويعزز ثقافة التكاتف بين الأفراد وروح العطاء والخير؛ إذ إن المقاربات الإنسانية لا تقدّر بثمن، خاصة إذ تعلق الأمر بإنقاذ الأرواح، وتقديم الرعاية الطبية العاجلة، وتوفير الطعام والمأوى في مناطق الخطر.
لكن التمويل هو أحد أكبر تحديات العمل الإنساني. وفي مثل هذه الحالات، تعتمد المنظمات الإنسانية على موارد محدودة لتقديم المساعدات الإنسانية على المدى القصير، دون وجود إمكانيات كبيرة لتحقيق الانتعاش والتنمية على المدى الطويل؛ نتيجة للفجوة التمويلية. وبالرغم من أن العمل الإنساني في أصله حل مؤقت، لتلبية الاحتياجات الفورية، فإن الجانب التنموي ضرورة أخرى لإيجاد مسارات مستدامة للاستقرار والحياة، دون العودة إلى دوائر العنف والنزاع؛ إذ يمكن للعمل الإنساني التنموي إحداث تطور في الاستقرار.
وبالرغم من أن تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) تصل إلى 47 مليار دولار لعام 2025، لتوفير مساعدات لنحو 190 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، فإن 305 ملايين شخص حول العالم يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في 2026. وتتمثل الأسباب الرئيسية وراء ذلك في الصراعات وحالة الطوارئ المناخية العالمية، وفي مقدمتها بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي كل الأحوال، لا يلبي التمويل ما يحتاج إليه العمل الإنساني. وقد مثّل عام 2024 أحد أكثر الأعوام وحشية في التاريخ الحديث بالنسبة للمدنيين في الصراعات؛ فبحلول منتصف 2024، نزح ما يقرب من 123 مليون شخص قسرًا؛ بسبب الصراع والعنف، مع تجاهل صارخ للقانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان.
وغالبًا ما تحذر الأمم المتحدة من أن الناس يموتون بسبب الخفض الحاد في تمويل العمل الإنساني، وسط تزايد الحروب وانتهاكات القانون الدولي، لكن الاستجابة أقل من اللازم. وفي مثال حي على الفجوة التمويلية للأمم المتحدة ووكالاتها، فإن من أصل 47 مليار دولار طلبتها الأمم المتحدة في ديسمبر 2024، لم تحصل إلا على 9 %، وكأن فكرة التضامن العالمي ومساعدة أكثر الناس ضعفًا تتراجع.
وتقدم دولة الإمارات نموذجًا يُحتذى به في تقديم المساعدات التنموية. ووفقًا لخدمة التتبع المالي، التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإن الإمارات العربية المتحدة أسهمت بأكثر من 788.8 مليون دولار أمريكي كمساعدات خارجية في عام 2024، لتحتل بذلك المرتبة التاسعة بين أكبر المانحين عالميًّا. كما أن دولة الإمارات ثاني أكبر مساهم في غزة، حيث قدمت مساعدات بقيمة 396.6 مليون دولار؛ أي ما يزيد على 14% من إجمالي المساعدات، متجاوزةً بذلك الولايات المتحدة الأمريكية. أما في لبنان، فقد أسهمت بمبلغ 121.8 مليون دولار؛ أي ما يعادل 10.7% من إجمالي الدعم؛ ما وضعها في المركز الثالث بين المانحين. كما أنه منذ بداية الأزمة في السودان، قدمت دولة الإمارات 600.4 مليون دولار أمريكي لدعم الاستجابة الإنسانية ليصل إجمالي ما قدمته للسودان إلى 3.5 مليارات دولار أمريكي من المساعدات الإنسانية على مدى السنوات العشر الماضية.
إن العمل الإنساني هو بالأساس جهد لمساعدة الآخرين، سواء كان ذلك في مواجهة الكوارث الطبيعية، أو الحروب أو الأزمات الاقتصادية، وهو تعبير عن الضمير الإنساني الجمعي، وهو أعمق من تقديم المساعدات العينية فقط، بل يشمل الجهود الرامية إلى بناء السلام، وتمكين المجتمعات من الوقوف على أقدامها من جديد. وحتى يمكننا تنفيذ ذلك، فإن على الدول تركَ السياسة جانبًا، والتحرك لإنقاذ الأرواح بشكل عاجل وسريع. ومع تزايد الوعي العالمي بالتضامن الإنساني، يمكن للعالم أن يتطلع إلى مستقبل أكثر إنسانية وعدالة.
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.