اتجاهات مستقبلية
المناورات الإسرائيلية بضم الضفة الغربية
لا تنشغل إسرائيل بحربها في قطاع غزة فقط، وإنما تناور أيضًا بضم الضفة الغربية جزئيًّا أو كليًّا، كتهديد لإقدام دول حول العالم على الاعتراف بدولة فلسطينية، ويعزز هذه التوجهات اليمين الإسرائيلي، سواء في الدفع بالضم بشكل رسمي، أو تنفيذ خطط استيطانية لفصل شمال الضفة عن جنوبها. وبالرغم من أن التهديد بالضم قد يبدو أحيانًا مناورة سياسية، فإن هذه المناورة تعكس السعي إلى القضاء على مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة حتى في المستقبل.
ويمكن إرجاع تصريحات الوزراء المتطرفين في حكومة بنيامين نتنياهو، من أمثال بتسئيل سموتريتش، وإيتمار بن غفير، إلى إرضاء الجمهور الإسرائيلي من المستوطنين، لكن خطر يظل الضم قائمًا؛ خاصة في ظل استمرار التوسع الاستيطاني الذي يفرض واقعًا على الأرض يعقّد التفاوض مستقبلًا، حيث الحد من سلطات السلطة الفلسطينية، وتقييد العمران في مناطق الولاية الإدارية للفلسطينيين، وهو ما يعني تصفية حلم الدولة والقضية الفلسطينية.
في السنوات الأخيرة، وبين الحين والآخر، تطرح السلطات الإسرائيلية فكرة فرض السيادة على غور الأردن والمستوطنات، لضمان السيطرة الاستراتيجية على المنطقة الشرقية للضفة، وبينما من غير الواضح موقف الولايات المتحدة، خاصة في إدارة دونالد ترامب، فإن هناك رفضًا أوروبيًّا وعربيًّا واسعًا لهذه الفكرة لتداعياتها على استقرار المنطقة وفرص السلام، لكون هذه الخطوة تعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
وفي هذا الإطار، تقف دولة الإمارات العربية المتحدة ضد أي تحرك أحادي الجانب لضم أراضٍ فلسطينية، لكونها ستضر بجهود الاستقرار والسلام، فالمخططات الإسرائيلية قد تجرّ المنطقة إلى موجة جديدة من العنف تفوق العنف الحالي في الشرق الأوسط، وسياسة الأمر الواقع من إسرائيل تضيع أي فرصة لإحياء عملية السلام، وبذلك فإن إسرائيل لا تهدد الفلسطينيين وحدهم، بل تهدد العلاقات الإقليمية والدبلوماسية.
وبينما تمضي الحكومة الإسرائيلية نحو ضم الضفة الغربية، سواء بفرض واقع على الأرض أو بتشريعات قانونية تُمهد لإعلان ضمّ الضفة الغربية في المستقبل، تضغط تل أبيب على الفلسطينيين لخلق حالة من اللايقين، وفقدان الثقة بأي تسويات مقبلة. وفي الداخل الإسرائيلي، تعزز القاعدة الشعبية للحكومة، وتساوم بها كورقة تفاوض مع الولايات المتحدة أو الأطراف الدولية، وهذه الأيام تلوّح إسرائيل بضم الضفة الغربية في مقابل موجة الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة.
وبالنسبة إلى دولة الإمارات، فإن ضمّ الضفة الغربية يمثل خطًا أحمر، فاتفاقية السلام بين أبوظبي وتل أبيب جاءت بعد تعهُّد إسرائيل بألا تضم غور الأردن، وقد تسهم التحركات الإسرائيلية في تهديد عملية السلام، فالآثار عميقة على القضية الفلسطينية، وهي ضربة للاتفاقيات الإبراهيمية، إذ تقوض إسرائيل بخطوة كهذه أي فرصة للسلام مع دول المنطقة.
وعلى أرض الواقع، لم يتوقف الاستيطان، بل يُمكن القول إن عام 2024 كان الأعلى في اعتبار أراضٍ في الضفة الغربية أراضيَ دولة، حيث قُدرت بنحو 24 ألف دونم، بالمقارنة مع 501 دونم عام 2023، بينما ترافق عملية الاستيطان عمليات طرد للفلسطينيين من القرى الفلسطينية؛ خاصة في مناطق “ج”، إذ تدار المسألة بتباينات وتناقضات، أي لا يُعلَن الضم، لكن تزداد المستوطنات وتُفرض السيادة الإسرائيلية، لتفادي الإضرار بالصورة الدولية لإسرائيل على المستوى الإقليمي والدولي.
ويبقى التحدي في احتمال تحول التهديد بالضم إلى ضم متدرج على أرض الواقع، والوقوف في وجه ذلك يتطلب وحدة وطنية من الفلسطينيين، وتفعيل الأدوات الدولية، والتفاوض مع الولايات المتحدة، بقيادة دول عربية مقبولة أمام كل الأطراف، مثل دولة الإمارات، للدفع نحو وقف ملف الضم نهائيًّا، والبحث عن حل ينهي الصراع المعقد سلميًّا، وعدم فرض أي قوى في المنطقة لأمر واقع على الأرض من دون سلام حقيقي يضمن الاستقرار في الشرق الأوسط.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.