أبوظبي – الوطن:
أصدر مركز تريندز للبحوث والاستشارات، عبر مكتبه الافتراضي في مونتريال – كندا، العدد الخامس عشر من تقريره الدوري “اتجاهات المستقبل”، الذي ركز على الذكاء الاصطناعي بوصفه قوة تحول جيوسياسي وعسكري مؤثرة في النظام العالمي المعاصر.
ويعكس العدد التحول الجوهري في الذكاء الاصطناعي من أداة تقنية إلى فاعل جيواستراتيجي يعيد تشكيل موازين القوة العالمية، إذ لم يعد تأثيره مقتصراً على التكنولوجيا، بل امتد إلى السياسة الدولية والأمن والاقتصاد. ويبرز التقرير أن عسكرة الذكاء الاصطناعي تثير تحديات أخلاقية وقانونية تستوجب حوكمة دولية رشيدة، في حين يتيح فرصاً تنموية واقتصادية للدول التي تطور استراتيجيات سيادة رقمية وابتكار خوارزمي محلي. كما يؤكد أن الذكاء الاصطناعي بات محركاً لجغرافيا سياسية جديدة قوامها البيانات والمعرفة، داعياً إلى نهج استباقي يوازن بين التطور التكنولوجي والمسؤولية الأخلاقية لضمان أن يبقى الذكاء الاصطناعي قوة لتعزيز الاستقرار والتفاهم الإنساني لا عاملاً للتوتر والصراع.
وقد صدر التقرير باللغتين العربية والإنجليزية، متضمناً تحليلاً معمقاً لتأثير الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل النظام العالمي من زوايا متعددة تشمل الديناميكيات العسكرية، والاقتصاد السياسي، وتحديات الحوكمة.
الذكاء الاصطناعي والتصعيد العسكري والسيبراني
تضمن التقرير دراسة تطبيقية حول نماذج اللغة وعامل التصعيد، كشفت عن مخاطر استخدام نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) في صناعة القرار العسكري والدبلوماسي. وأظهرت محاكاة متعددة الأطراف سلوكاً تصعيدياً واضحاً لدى هذه النماذج، إذ اتخذت قرارات عدوانية مدفوعة بمنطقي “الردع” و”الضربة الاستباقية” حتى في بيئات محايدة، مما يستدعي رقابة صارمة وتدقيقاً مستمراً على استخدامها في السياقات الحساسة.
كما تناول التقرير دراسة بعنوان “عسكرة الذكاء الاصطناعي: أوكرانيا وغزة”، ناقشت تطبيقات الذكاء الاصطناعي في النزاعات الحديثة، حيث تم توثيق استخدامه في أوكرانيا لتوجيه الطائرات المسيرة وتحديد الأهداف، وفي غزة لتحليل كميات ضخمة من بيانات المراقبة واقتراح أهداف لمراجعتها لاحقاً من قبل محللين بشريين. وقد أثارت الدراسة قضايا أخلاقية وقانونية حول المساءلة وحماية المدنيين.
وفي هذا السياق، حذرت دراسة أخرى من تصاعد خطر وكلاء الذكاء الاصطناعي العسكري السيبراني (MAICAs)، وهم أنظمة قادرة على التخطيط والتنفيذ المستقل لهجمات إلكترونية معقدة تستهدف البنى التحتية الحيوية مثل الطاقة والمياه والاتصالات. وتكمن خطورتها في قدرتها على الاستنساخ الذاتي والتنقل عبر الشبكات، مما يجعلها تهديداً عابراً للحدود يصعب احتواؤه.
تحولات الاقتصاد السياسي والحوكمة
تحت هذا المحور، استعرض التقرير دراسة حول “الرأسمالية الخوارزمية” التي أوضحت كيف أصبحت الخوارزميات قوى تنظيمية مركزية تعيد تشكيل أنماط الإنتاج ومفاهيم القيمة والاستغلال. وأشارت إلى أن استخراج البيانات يمثل آلية جديدة لتحويل القيمة من دول الجنوب إلى دول الشمال، فيما يشبه نمطاً جديداً من التبعية العابرة للحدود.
كما ناقش التقرير تحديات السيادة الرقمية وسوق العمل، حيث توقعت التحليلات أن يؤدي تسارع الأتمتة بالذكاء الاصطناعي إلى فقدان ما بين 40% و50% من الوظائف، بما في ذلك القطاعات المعرفية، بحلول عام 2040. كما حذر من تراجع دور المنظمات متعددة الأطراف في ظل سعي الدول إلى تعزيز سيادتها التكنولوجية والسيطرة على البنى التحتية الرقمية، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضعف مؤسسي في إدارة فوضى الذكاء الاصطناعي والتوترات الجيوسياسية.
وفي المقابل، خلصت دراسة حول تعزيز التجارة إلى أن الذكاء الاصطناعي يسهم بوضوح في زيادة حجم التجارة ودعم التكامل الاقتصادي الإقليمي، مؤكدة أهمية تطوير سياسات داعمة وبنية تحتية تكنولوجية متقدمة لتحقيق الإمكانات التجارية الكاملة.
آفاق الجغرافيا السياسية الجديدة
في هذا المحور، عرض التقرير دراسة تحليل المخاطر الجيوسياسية التي دعت إلى تبني نهج تكاملي يجمع بين التخطيط عبر وضع السيناريوهات واستكشاف التحولات الكامنة، ودمج أدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز دقة وسرعة الاستجابة للتغيرات الدولية.
كما تناول التقرير تطورات الجغرافيا السياسية النقدية، مبرزاً تصاعد تأثير الفاعلين غير الحكوميين مثل المنظمات المدنية والجماعات المتطرفة في تشكيل الاتجاهات السياسية العالمية. وأشار إلى أن التهديدات المناخية، كالتغيرات الحادة وندرة الموارد، أعيدت صياغتها ضمن إطار الأمن القومي، ما يعكس تحولاً في مفاهيم الأمن والاستقرار الدولي.
ويقدم العدد الخامس عشر من “اتجاهات المستقبل” رؤية شاملة حول الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل النظام العالمي من منظور استشرافي وتحليلي، محذراً من مخاطره المحتملة، وداعياً إلى حوكمة دولية رشيدة تكفل الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التقنيات في المجالات المدنية والعسكرية على حد سواء.
ختاماً، يؤكد التقرير في المجمل أن مستقبل الذكاء الاصطناعي سيحدد بقدرتنا على توجيهه نحو خدمة الإنسان وصون استقرار العالم.
اترك تعليقاً
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.