علمونا الحياة، وأضاؤوا بشموعهم طريقنا

مقالات
نوره حسن الحوسني: زوجة شهيد الإنسانية

علمونا الحياة، وأضاؤوا بشموعهم طريقنا

 

عندما يمضي بنا قطار الحياة، ويعبر محطاتها واحدة تلو الأخرى، تبدو العودة بالذاكرة، إلى المحطات الراحلة من حيواتنا، أشبه بالحنين، وكدفق الروح أحياناً، حيث على أجنحة ذاكرتنا نسافر بعيداً، إلى الماضي، فنستعيد ذكريات أيامنا الماضية، ووجوه ألفناها، فوجدت مكانها على جدران ذاكرتنا، وجوه كان لأصحابها الفضل في ما نحن فيه، وكأنما هم أشجارنا التي ما انفكت تثمر فينا ولنا على الدوام.
أنهم هؤلاء الذين قدموا لنا المعرفة، وأمسكوا بأيدينا للولوج في رحاب المعرفة، إنهم هؤلاء المعلمين، والمعلمات الذين، أعطونا في رحيق علمهم، فكانوا كالشموع التي تنير لنا دروبنا في هذه الحياة ومتعرجاتها الكثيرة.
نعم نحتفل بهم في كل عام، نحتفل بيوم المعلم، وأي أنسان أحق بالاحتفال به من المعلم، ولا سيما عندما يكون مخلصاً في عمله، أميناً على الرسالة التي يحملها.
هاهو أمير الشعراء أحمد شوقي، يعمل يراعه الدافق بجميل الشعر، والعبارات الخالدة، يقول في المعلم:

قُـمْ للمعلّمِ وَفِّـهِ التبجيـلا كـادَ المعلّمُ أن يكونَ رسولا
أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي يبني وينشئُ أنفـساً وعقولا
سـبحانكَ اللهمَّ خـيرَ معـلّمٍ علَّمتَ بالقلمِ القـرونَ الأولى
أخرجـتَ هذا العقلَ من ظلماتهِ وهديتَهُ النـورَ المبينَ سـبيلا
نعم إننا نحتفل بيوم المعلم كل عام، ولعل هذا أقل ما يمكن أن نقدمه شكراً وعرفاناً، لمن أناروا طريقنا في هذه الحياة.
والحقيقة أنه في بلد كبلدنا الحبيب، يقوم على تقديس العلم والمعرفة، يبدو الاحتفال بهذه المناسبة، أقرب إلى احتفال وطني بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
وقد لا نستطيع أن نفي المعلم حقه ببعض السطور، لكن أراني في هذه المناسبة، أقف وقبل كل شيء إجلالاً وتقديراً للمعلم الأول، الراحل الكبير الشيخ زايد رحمه الله، مؤسس هذه الدولة الحضارية، الذي آمن بالعلم، ونادى به منذ اللحظات الأولى لقيام صرح دولتنا الحبيبة، فهاهو يقول : إن تعليم الناس وتثقيفهم في حد ذاته ثروة كبيرة نعتز بها فالعلم ثروة ونحن نبني المستقبل على أساس علمي. إنني أريد أن يتعلم كل أبناء الخليج.أريد أن يبني ابن الخليج بلاده بنفسه وبعلمه.إننا نرسل بعثاتنا من الطلبة إلى كل مكان من الأرض ليتعلموا وعندما يعود هؤلاء إلى بلادهم سأكون قد حققت أكبر أمل يراود نفسي لرفعة الخليج وأرض الخليج.
كما يشدد رحمه الله على أهمية بناء الإنسان المؤمن والمتمسك بدينه أيضاً، باعتباره الثروة الأهم للوطن، فيقول : لن تكون هناك ثروة بشرية حقيقية ومؤهلة وقادرة على بناء الوطن، إن لم تتمسك بمبادئ ديننا الحنيف وشريعتنا السمحاء لأن القرآن الكريم هو أساس الإيمان وجوهر الحياة والتقدم عبر الأجيال.
وهو منهج ما زالت تتمسك به قيادتنا الرشيدة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة ، التي لم تبخل يوماً في دعم مسيرة العلم والمعلمين.
ولا يفوتني أيضاً في هذه المناسبة أن أتوقف عند الدور الجليل والكبير، الذي يقدمه لنا المعلم وصاحب التجربة الحياتية والثقافية الكبيرة، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، الذي ما انفك يعلمنا الاداره و الحياه والاخلاق، والعزيمة والإرادة، لكي نسهم في تشييد صرح الإمارات العربيةالمتحدة، الحضاري والكبير، على أسس متينة، من العلم والإخلاص، والتميز، كما يستوقفنا ذلك الدور الناصع والرائد لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي آمن بالدور الذي يلعبه العلم والمتعلمون، في بناء المستقبل، فقدم كل ما بوسعه وبلا حدود لدعم مسيرة العلم في هذا البلد.
ومع أن هناك الكثير ما يمكن قوله في يوم المعلم، لكنني لابد من أن أتوقف ملياً، وبشكل شخصي، عند معلمة معطاء، جمعت بين صفات المعلم والموجه والأخلاق كلها، ألا وهي مديرتي السيدة ” عافية محمد عوض” التي كلما أذكر مدرستي أرى صورتها أمامي، معلقة في قلب ذاكرتي، لاسيما أنها كانت مديرتي في جميع مراحلي الدراسية تقريباً.
فأرى فيها الاحترام و الوقار.
لقد علمتني هذه المرأة الفاضلة، التي تختزل بشخصها النساء الإماراتيات المخلصات، النظام و كيف أن أتبع سياسات المدرسه في اللباس الرسمي و النظام في الطابور، وكانت معلمتي في الكثير من فنون الحياة أيضاً.
فها أنا أتذكرها عندما كنت ألقي كلمة في الطابور الصباحي وكيف كانت تراقبني بعينين يملؤهما الفرح، وهي تستمع لِما أقول .
وأتذكرها عندما كانت تكرمنا كأوائل بالمدرسه و كيف كانت تدخل الفصل و تحثنا على العلم و الاستماع للمدرسه أثناء الحصص، حتى أنني كنت أرى فيها صورة الأم أيضاً، وأي منزلة أعلى من منزلة الأم في الحياة ؟.
وهنا أراني سعيدة وأنا أتذكر تلك اللحظات التي رأيت فيها معلماتي الفاضلات حينما زرنني في بيتي، ليواسينني في محنتي، عندما استشهد زوجي، فكانت مواساتهن، كقطرات الندى التي تسقط على الغصن الجاف، وتبعث فيه الحياة من جديد، حيث رحت أتحدث لأبنائي عن معلماتي اللواتي وقفن بجانبي و أتعلم منهم إلى هذا اليوم بمواقفهن النبيله.
وهنا حري بي أيضا ألا أنسى معلمي الأهم وهو زوجي شهيد الإنسانية، الذي كان يوجهني في كل خطوه في حياتي.. كطالبه و كموظفة و كمديره و كزوجه و كمربيه لأبنائه.
وأخيراً وليس آخراً نقول تحية للمعلم في يومه، وتحية لكل من أضاء في طريقنا ولو شمعة واحدة نهتدي بنورها في طريق الحياة، تحية لكل المعلمين القائمين على مهنتهم الشريفة في عيدهم، وتحية كل التحية للذين رحلوا منهم، بعد أن أدوا الأمانة التي حملوها، فتركوا بصماتهم الخيرة والمعطاءة، خالدة في عمر الأجيال، التي تسير في دروب المعلم والمعرفة، لبناء مستقبل مشرق لبلادنا الحبيبة، وكل عام وكل المعلمين بخير .

nooraalhosani0@gmail.com