مريم الحمادي: مدير مؤسسة القلب الكبير

أي عدالة يحتاجها العالم؟

مقالات

أي عدالة يحتاجها العالم؟

 

في التاريخ الإنساني حقائق عديدة تدل على أن الاحتياجات الأساسية للأفراد لم تتغير من عصر إلى عصر، فكل إنسان في كل مكان من العالم وفي كل زمان يحتاج إلى المسكن والغذاء والتعليم والرعاية الصحية والعمل، ومن حقه أن يكون قادراً على توفيرها من دون أن يعرّض نفسه للمخاطر أو أن يرضخ تحت ضغط الخوف من فقدانها بين ليلة وضحاها. وهذا يحيلنا إلى حقيقة أن مفهوم العدالة الاجتماعية هو حق أساسي وأصيل لكل فرد وليس مفهوماً حديث العهد أو أحد ابتكارات العصر.
العالم اليوم يقف على مفترق الطرق، حيث اتساع رقعة الاضطرابات والكوارث والحروب خلال العقود الماضية، وارتفاع حصيلة الهجرة القسرية في عدد من البلدان، دفعت جميعها نحو المزيد من الاهتمام بمسألة العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان لتصبح في صدارة الأولويات، ليس فقط لدى الحكومات التي باتت ترى فيها حلاً جذرياً للنزاعات والصراعات والتطرف، بل أيضاً لدى الشركات والمؤسسات الخاصة في سعيها نحو إحداث فرق جوهري في أعمالها وضمان استدامة مشاريعها واستثماراتها.
من هنا تشكل أجندة الألفية الجديدة التي وضعتها الأمم المتحدة لحث البلدان على تحقيق أهداف التنمية المستدامة المحددة في 17 هدفاً، طرحاً متجدداً ومستداماً لمفهوم العدالة الاجتماعية لأنه يدعو إلى معالجة الأسباب المادية المختلفة للأمراض الاجتماعية السائدة في البلدان الفقيرة من ناحية، ويحد من قدرتها على التشكل من ناحية ثانية. ونحن في مؤسسة القلب الكبير نتفق مع هذا التوجه بل وندفع باتجاه استدامة العدالة الاجتماعية عبر توفير سبل استدامة أسبابها تمكين الشعوب من أدوات التنمية لتستكمل في مرحلةٍ ما مسيرتها بقواها الذاتية.
العام 2030 الذي حددته الأمم المتحدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، هو استحقاق جديد أمام البلدان على اختلاف ظروفها الاقتصادية والاجتماعية. لكن هذا الاستحقاق يحتاج إلى ما هو أكثر من الخطط والاستراتيجيات التي يقتصر تنفيذها على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، فهو يحتاج إلى الانتقال من الحديث عن أهمية هذه الحقوق لبناء عالم أكثر عدالة، إلى العمل التنموي الحقيقي الذي يحترم تلك الحقوق ويرعاها في التخطيط والممارسة.

من الضروري إذن، أن تتحول السلوكيات الجماعية والفردية في كل مكان من العالم إلى ممارسات مسؤولة تجاه الآخرين، والمسؤولية هذه تقتضي أن تُحترم كرامة الإنسان لأنها أساس إنسانيته وجوهر وجوده. إن التفكير بالجياع والفقراء واللاجئين يجب أن ينطلق من مبدأ أنهم أفراد لهم تاريخ وذكريات وأسماء وأحلام وخبرات ومهارات ويحتاجون إلى فعل يصون كرامتهم، يترجَم في مشاريع ومبادرات تتيح لهم الفرص للاستثمار في ما يختزنونه من طاقات ومعارف تساعدهم ليس فقط على توفير احتياجاتهم الأساسية، بل وعلى الشعور بأنهم جزء من المنظومة الاقتصادية والاجتماعية وشركاء في التخطيط لعالم أفضل، وليسوا عبئاً على ميزانيات الدول أو حالة خاصة يتم التعامل معها موسمياً أو وفقاً للظروف الطارئة.
يحضر في ذهني الآن كلام قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي التي نهتدي بحكمتها في مؤسسة القلب الكبير، حيث قالت قبل سنوات “لا كرامة في حياتنا من دون تنمية، ولا تنمية من دون إنسان متفهم لدوره المسؤول”.
ومع عودة العدالة الاجتماعية إلى الواجهة كل عام، في يوم خاص من شهر فبراير، لا بد من أن تستنهض هذه المناسبة جهود المجتمعات والشعوب والمؤسسات لتكريس مبدأ الشراكة في التنمية بين القطاعات الحكومية والخاصة من جهة، والآلاف والملايين من الناس الذين تستهدفهم البرامج والمبادرات الإنسانية. هكذا ومن خلال هذه الشراكة نبعث رسالة إلى كل شخص في هذا العالم بأنه لا يقل أهميةً عن غيره، وأن الآخرين لا ينوبون عنه في تقرير مصيره بل يساعدونه من أجل أن يحققه كيفما يشاء وبما يتوافق مع ظروفه.


تعليقات الموقع