«كوفيد ـ 19»… الموجة الرابعة
هل بدأنا إذن في موجة رابعة لجائحة فيروس “كوفيد 19” داخل الولايات المتحدة أم لا؟ من ناحيته، أطلق مايكل أوسترهولم توقعاً بأن نعاين تفشياً للجائحة يعادل “إعصاراً من الفئة الخامسة” هذا الربيع. ويرى البعض أن الأوضاع شديدة السوء في ميشيغان ربما تبرر هذا المستوى من التحذير.
ومع هذا، بمقدور بول أوفيت، من مستشفى فيلادلفيا للأطفال، أن يدعي هو الآخر أن توقعه الأكثر تفاؤلاً بكثير كان صائباً، ذلك أنه رأى أن اللقاحات ستنجح في ترويض الجائحة في الجزء الأكبر منها من الآن فصاعداً.
جدير بالذكر في هذا الصدد أن معدلات الوفيات والحجز في المستشفيات لا تشهد ارتفاعاً ضخماً داخل الولايات المتحدة، وربما لا تقترب مرة أخرى من الذروة التي بلغتها خلال موسمي الخريف والشتاء.
اللافت أن التوقعات تحولت إلى ما يشبه «اختبار رورشاخ»، حيث يمكن للناس أن يجدوا الموت أو الأمل أو الطمأنينة. إلا أن الأمر الذي يزداد وضوحاً يوماً تلو آخر أن مسؤولي الصحة العامة عاجزون عن معرفة السبب وراء تفشي هذه الجائحة هنا وانحسارها هناك.
ولم يعد من المنطقي إيعاز كل ما يحدث إلى مسألة فرض ارتداء أقنعة حماية الوجه – أو تشديد أو تخفيف القيود بصورة أوسع. إذا كانت القيود والقواعد العامل الوحيد الفاعل على هذا الصعيد، لم يكن الارتفاع الهائل الراهن في أعداد الإصابات ليحدث في ميشيغان، وإنما في ولاية أعادت فتح صعيدها العام بقوة، مثل تكساس أو فلوريدا، ولم تكن أعداد الإصابات على هذه الدرجة من الارتفاع في ولايات ملتزمة بالقواعد الاحترازية مثل مين وفيرمونت. ولماذا ترتفع حالات الإصابة الآن في كندا؟.
خلال مقابلة أجراها الشهر الماضي، ذكر الطبيب فيناي براساد، من جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، عدداً من العوامل التي ربما تؤثر على الموجات الإقليمية والوطنية. من بين هذه العوامل الظروف الأولية. في الموجة الأولى، كان لدى الكثير من الولايات الواقعة شمال شرقي البلاد عدد أكبر بكثير من حالات الإصابة الصامتة عن غيرها. وعليه، ظلت أعداد الحالات مرتفعة في نيويورك ونيو إنغلاند رغم السياسات الشديدة الصرامة.
ويتمثل عامل متغير آخر في أن ميشيغان ربما يكون قد حالفها سوء الحظ بإصابة أعداد أكبر من أبنائها بالنسخة الأكثر عدوى من الفيروس، بي.1.1.7. ومن الممكن كذلك أن تكون هناك عوامل موسمية أكثر تعقيداً عن مجرد تقلبات درجة الحرارة. ويلمح بعض العلماء إلى إمكانية وقوف عوامل بيئية وراء تفشي الوباء تتنوع ما بين التعرض لحبوب اللقاح وصولاً إلى استخدام أجهزة تكييف الهواء ومعدلات الرطوبة.
علاوة على ذلك، ربما تعكس الاختلافات الإقليمية في ذروات “كوفيد 19” تباينات وعدم انتظام في أساليب تسجيل الحالات، حسبما ذكر براساد.
الواضح أن ثمة تباينات هائلة من ولاية لأخرى في عدد الأشخاص الذين تجري لهم اختبارات، وفئات الأشخاص الذين تجري لهم اختبارات وكيفية إحصاء النتائج الإيجابية.
ويبقى هناك أيضاً عنصر العشوائية والفرصة البحتة ـ ربما يكون هذا العنصر الأصعب على الناس الحديث عنه أو تقبله.
وأشار براساد إلى أنه كان هناك تحيز مستمر باتجاه التوقعات المتشائمة، وذلك لأنه داخل دائرة المعنيين بمجال الأوبئة، ثمة تسامح أخلاقي إزاء إطلاق توقعات شديدة السلبية. في المقابل، فإنه إذا توقعت حدوث أعداد إصابات أو حجز بالمستشفيات أو وفاة أقل عما يحدث بالفعل على أرض الواقع، فإنك ستبدو وكأنك تعمد إلى التهوين من خطورة الوباء، وتتحول إلى “شخص سيئ أو شرير”.
إضافة لما سبق، ثمة افتراض بأن الإجراءات غير الدوائية التي تتخذ تشكل عاملاً فاعلاً كبيراً وراء حالات الإصابة، الأمر الذي ربما يكون صحيحاً، لكن البيانات لا تدعمه بالضرورة. على سبيل المثال، نجد أن ارتداء أقنعة حماية الوجه يجري في الجزء الأكبر منه في الأماكن المفتوحة، حيث يرى الكثير من الخبراء أن التأثير الإيجابي لارتداء أقنعة الحماية ضئيل للغاية. والملاحظ أن الأفراد في فلوريدا التي لا تلتزم إجراءات احترازية ما يزالون يتمسكون بارتداء أقنعة حماية الوجه داخل المتاجر الكبرى، بينما يتعرض سكان رود آيلاند التي تلتزم القواعد الاحترازية للعدوى داخل تجمعات خاصة، حيث لا يوجد نفوذ يذكر لقرارات فرض الإجراءات الاحترازية.
وينظر براساد إلى هذا التحيز باتجاه القيود باعتباره جزءاً من تحيز أوسع داخل المجتمع الطبي يميل للمبالغة في تقدير قوة إجراءات التدخل. على سبيل المثال، لو أن شخصاً ما يعاني من سرطان لم يكن لينمو أكثر ويخضع لعلاج مكثف، فإنه يجري افتراض أن هذا الشخص كان ليموت لو أنه ترك دونما علاج. إلا أنه استطرد موضحاً أنه لو أن طبيباً قال إن بعض فحوصات السرطان تؤدي إلى علاجات لا ضرورة لها، سيجري اتهامك بأنك مؤيد للسرطان ولفتكه بالمرضى.
من جهته، يرى الدكتور بيتر ساندمان، استشاري التواصل بمجال المخاطرة، أن ثمة نمطاً من الكذب والاختلاق أصبح ممارسة مقبولة داخل المجتمع المعني بالصحة العامة. وتدور الفكرة هنا في أن الغالبية أصبحت تعتبر أنه لا بأس في تضليل الناس من أجل تشجيعهم على اتباع سلوك أكثر صحة. وفي هذا الإطار، يجري تكديس المخاطر الكبيرة والصغيرة معاً في حزمة واحدة.
إلا أن هذا الأمر ربما لا يؤتي نتائج جيدة في ظل وجود جائحة، خاصة أن بعض الناس قرروا على ما يبدو تجاهل النصائح المرتبطة بالصحة العامة بشكل عام، بينما تملك الذعر آخرين وأصبحوا في حالة ترقب ويقظة مبالغ فيها.
على سبيل المثال، أوردت صحيفة «وول ستريت جورنال»، هذا الأسبوع، قصة حول أشخاص تملكهم خوف شديد من العودة إلى العمل. وأشار آخرون إلى أنهم تعاملوا مع أوامر التزام المنازل بجدية بالغة، لدرجة أنهم لم يغادروا منازلهم قط إلا لحضور تجمعات عائلية. وعلى ما يبدو أن هؤلاء الأشخاص لم يخبرهم أحد أن السير في الشوارع أو الذهاب إلى المتجر يحمل مخاطرة شديدة الضآلة، مقارنة بالتجمعات داخل أماكن مغلقة، سواء كانت مع أفراد من الأسرة أم لا.
وحتى إذا لم يكن باستطاعتنا التنبؤ بحجم أو توقيت الموجة التالية، فإن مسؤولي الصحة العامة على يقين من أن الوباء سيستمر في حصد الأرواح طالما أن بعض الأشخاص لم يحصلوا على اللقاح أو عجزوا عن حجز موعد للتطعيم. وعليه، فإن الوقت الحالي يبدو مناسباً لتركيز الرسالة على ما هو معروف بخصوص المخاطرة، والتحذير بصراحة أكبر مما هو غير مفهوم حتى الآن. إعداد “الشرق الأوسط”
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.