بعض من الواقعية

الإفتتاحية

بعض من الواقعية

لم يكن ما أدلى به وزير الخارجية اللبناني شربل وهبة من تصريحات، إلا تعبيراً عن حالة الإفلاس الأخلاقي والمهني ومخالفة فاضحة لجميع الأعراف والقواعد الدبلوماسية الواجبة الاتباع، لكنه في الوقت ذاته يعكس انفصالاً تاماً عن الواقع أشبه بحالة زهايمر سياسي، وها هو العالم اليوم يعترف بالفعل والقول بأن هذه منطقة دول الخليج العربي التي حباها الله بوفاء شعوبها وصدقها، قد باتت تحترف صناعة الحضارة وتعزيز الازدهار وتحقيق الإنجازات غير المسبوقة، و لا شك أن أي مقارنة بين النهجين هي مضيعة للوقت، فما بين الصحاري التي باتت جناناً على الأرض.. وما كانت يوماً تسمى بسويسرا الشرق قبل عقود وبات رغيف الخبز وتذكرة سفر باتجاه واحد الحلم الأول لأغلب شبابها، فارق كبير يختصر كل المقارنات والدلالات، وهذا من شدة الحرص على لبنان وشعبه الذي أوصلته طغمة سياسية تعيش التسلط والاستئثار بكل شيء لمصالحها فقط، ومليشيات تتحكم بقرارات البلد ومؤسسات دولة ينخرها سوس الفساد والطائفية معاً، وبفعل طبقة تنقلت ما بين أمراء حرب إلى قادة طوائف إلى أصحاب قرار سياسي حول لبنان برمته إلى دولة فاشلة مع كل أسف، شعبها في واد والساسة في واد مختلف تماماً، والنتيجة انهيارات بالجملة على الصعد كافة وأوضاع مأساوية وتراجع المستوى المعيشي إلى درجة غير مسبوقة ومواقف دولية مترددة باتت بدورها حائرة عن مساعدة هذا البلد الذي تحولت السلطات فيه إلى أخطبوط يستولي على كل شيء، وجعلت بلداً بمكانة لبنان وحضارته وآدابه مقراً لتهريب المخدرات والتسبب بالمخاطر في كل اتجاه، ولا شك أن الطبقة السياسية التي تستفيد من الشلل وتصم آذانها لأنين الشارع المنهك والذي وحدها المعاناة والحاجة كانت كفيلة بتوحيد جميع مكوناته منذ نهاية الحرب الأهلية، تواصل المكابرة وهي تجر لبنان من سيء إلى أسوأ، متناسية أن الجوع والحرمان فوق قدرة أي طبقة على تجاهله أو إسكاته بالشعارات الجوفاء واللغة الخشبية التي أكل عليها الزمن وشرب، وأن التخويف من صدام حقيقي في الشارع إن حصل لن يكون إلا بفعل المليشيات ومن ارتهنوا وقبلوا أن يكونوا بيادق متقدمة في الداخل اللبناني لصالح الخارج.
لقد استنكرت دولة الإمارات وكافة دول مجلس التعاون الخليجي تصريحات وزير الخارجية اللبنانية المسيئة للمملكة العربية السعودية الشقيقة وكافة دول التعاون، والتي عملياً وحدها من كان مع لبنان وشعبه دائماً وقدمت كل ما يلزم لتحسين أوضاعه، وتاريخياً لولا جهود الخليج العربي لم تكن حتى الحرب الأهلية لتضع أوزارها بعد اتفاق الطائف الذي يعتبر صمام الأمان الوحيد حتى اليوم لمنع عودة الزمن مجدداً إلى حرب الشوارع والاقتتال الطائفي.
يبقى الكبار كباراً بأفعالهم ومواقفهم ورقيهم على الصعد كافة، في حين يحترف العاجزون عن مواكبة زمنهم أو القيام بواجبهم المفترض الهرب والإساءة التي لا تعكس إلا حقيقة من يقدمون عليها، على الأمل أن يأتي اليوم الذي يحظى فيه شعب لبنان الشقيق بطبقة سياسية تجيد التعامل مع متطلباته وتعمل انطلاقاً من قاعدة تمتين العلاقات العربية – العربية، وتصدق مع نفسها وشعبها والتاريخ وتعرف العالم بمواقف دول الخليج العربي المشرفة والتي كانت دائماً تريد مصلحة لبنان.


تعليقات الموقع