“تريندز” ينظم ندوة بعنوان: “مستقبل الأمن المائي: التحديات وفرص التعاون”

الإمارات

 

 

 

 

دبي – الوطن:

 

أكد خبراء وباحثون ومختصون أن الأمن المائي يواجه في العصر الحديث تحديات غير مسبوقة، ولاسيما مع التغيرات المناخية التي تمثل أكبر تهديد له، بل وللحياة على كوكب الأرض، خصوصاً في ظل انتشار الصراعات واستمرار الحروب وضعف التعاون الدولي في مجال تحقيق الأمن المائي، والذي قد يفضي أحياناً إلى نشوب صراعات تهدد الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والعالمي، إذ أن قضية الأمن المائي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن الغذائي وما يترتب عليه من تحديات ومشاكل عدة، منها: التغير المناخي وتداعيات جائحة كورونا والفقر.

وشدد المشاركون على ضرورة التعاون الدولي في قضية الأمن المائي، من أجل وضع حلول مستدامة لها وعدم الاكتفاء بالحلول المرحلية أو الآنية، إذ أن العالم بحاجة إلى تعظيم الاستفادة من التكنولوجيا وحوكمة الموارد وتعزيز الحوار لتحقيق الأمن المائي المستدام، فضلاً عن حماية مصادر المياه والأحواض المائية من التلويث المتعمد كحق أصيل للشعوب، في الوقت الذي تحتاج فيه دول الأحواض النهرية العابرة للحدود إلى استخدام الدبلوماسية الذكية في مجال المياه، لأن تحقيق الأمن المائي يحتاج إلى استراتيجية زراعية فعالة وذكية، والمبتكرون قادرون على إيجاد حلول للتحديات المرتبطة بالتنمية المستدامة وشح المياه.

جاء ذلك خلال ندوة نظمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، في مركز دبي للمعارض “إكسبو”، بمناسبة اليوم العالمي للمياه، وحملت عنوان: “مستقبل الأمن المائي: التحديات وفرص التعاون”، شارك فيها كوكبة من الخبراء والباحثين والمتخصصين، وتضمنت هذه الندوة، التي يُسدل بها  “تريندز” الستار على سلسلة فعالياته في “إكسبو دبي 2020″، ثلاث جلسات نقاشية رئيسية، ركزت الأولى على تحديات حوكمة المياه وإدارتها، وناقشت الثانية نهج دولة الإمارات العربية المتحدة لضمان الأمن المائي، مسلطة الضوء على استراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036، بينما تناولت الثالثة العلاقة بين الحوكمة ودبلوماسية المياه، والأدوات التي توفرها دبلوماسية المياه لتقليص التركيز على الموارد الطبيعية المتنازع عليها.

 

استدامة الحياة

وقال الدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، في الكلمة الترحيبية للندوة، أن انعقاد هذه الندوة يأتي بالتزامن مع احتفال إكسبو 2020 دبي بأسبوع المياه الذي يجمع بين صانعي التغيير في القطاعين العام والخاص؛ لاستكشاف كيفية الحفاظ على المياه، وحماية هذا المورد الطبيعي المحدود والحيوي، والذي يمكّن من استدامة الحياة على الأرض، موضحاً أن الأمن المائي مرتبط برفاهية الإنسان وسعادته، وأن الأمن الغذائي الذي يضمن رفاه الإنسان وبقاءه يعتمد كلياً على الأمن المائي، ومن ثَم فإن الحديث عن أي تنمية مستدامة لا يمكن أن يتم في غياب الأمن المائي.

وأشار د. العلي إلى أن الأمن المائي يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة، ولاسيما مع التغيرات المناخية التي تمثل أكبر تهديد له، بل وللحياة على كوكب الأرض، إضافة إلى التقديرات التي تؤكد أن العالم سيحتاج سنوياً إلى 114 مليار دولار لتحقيق هدف الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي بأمان بحلول نهاية هذا العقد، مبيناً أن العالم يمر بتحولات كبرى، إضافة إلى قضايا أخرى إلى جانب الأمن المائي، منها: الفقر، والتهميش، والصراعات والحروب، والتعصب الديني والمذهبي، والتغيرات المناخية، وتداعيات جائحة كورونا الاجتماعية والثقافية، وغيرها من المشكلات التي تتطلب تحركاً جماعياً ومؤسسياً؛ من أجل التعاون على مواجهتها ووضع الحلول المستدامة لها وعدم الاكتفاء بالحلول المرحلية أو الآنية، منوهاًإلى أن هذا يقع ضمن أهداف ومهام “مركز تريندز” الذي يسعى إلى تعزيز التعاون بين مختلف الجهات المحلية والإقليمية والدولية للبحث عن حلول للتحديات المشتركة.

 

تحدي شح المياه

بدوره، أكد الشيخ الدكتور ماجد القاسمي شريك ومؤسس شركة سوما ماتر، في الكلمة الرئيسية للندوة، أن شح المياه العذبة يشكل تحدياً كبيراً مشتركاً لجميع دول المنطقة العربية، ما يملي علينا  التفكير في تطوير آليات مشتركة لتوفير المياه وترشيد استهلاكها، مع تقليل تأثيرات الاستخدامات السلبية على البيئة، مشدداً على أهمية مواجهة تحدي شح المياه وإدارة الموضوع بشكل مستدام، إضافة إلى حوكمة المياه لضمان وصولها إلى الجميع وضمان الحفاظ عليها أيضاً، إلى جانب أهمية تطوير آليات تساعد على تقليل التكلفة وترشيد نمط الاستخدام وضمان عدم وجود صدمات مائية.

وأوضح القاسمي أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك استراتيجية فريدة في تقليل استهلاك المياه وترشيده، إلى جانب زيادة إنتاج المياه ومعالجتها، مع تقليل تأثير ذلك على البيئة والمناخ، مبيناً أن الصراعات وتغير المناخ يؤثران بشكل أساسي على أمن المياه، مضيفاً أن الوصول إلى المياه النظيفة حق عالمي وأولوية لتحقيق الأمن المائي، مشدداً على أن إدارة المياه عمل جماعي يجب أن تتظافر فيه جهود العالم لإدارتها وتطويرها، مؤكداً على ما سماه الدبلوماسية المائية، وأهمية ما تتوصل إليه هذه الندوة من اقتراحات وتوصيات عملية وقابلة للتنفيذ تسهم في وضع استراتيجية شاملة للتعامل مع تحدي شح المياه العذبة.

 

الجلسة الأولى: “حوكمة المياه: التحديات والعقبات”

وركزت الجلسة الأولى التي حملت عنوان: “حوكمة المياه: التحديات والعقبات”، والتي أدارت أعمالها نوفر رمول المذيعة التلفزيونية في مؤسسة دبي للإعلام، على تحديات حوكمة المياه وإدارتها، ومسائل العدالة البيئية، وقضايا الإيكولوجيا السياسية، وحماية النظم الإيكولوجية النهرية وإصلاحها، وحقوق المجتمعات المحلية.

الأمن المائي الحضري

واستهل الجلسة الدكتور حسن أبوالنجا، نائب رئيس منتدى الشرق الأوسط للمياه، مؤكداً أن الأمن المائي الحضري من أكبر التحديات في العديد من الدول العربية التي تتميز بأنها المنطقة الأكثر ندرة في المياه عالمياً، فجميع الدراسات الحديثة التي ركزت على قياس الأمن المائي الحضري ليست شاملة، ولا يوجد حتى الآن فهم متفق عليه بشأن كيفية تفعيل وتحديد إطار تقييمي لقياس الوضع الحالي للأمن المائي وديناميكياته. كما لا يوجد تعريف واضح للأمن المائي الحضري، مضيفاً أننا نحتاج إلى تعظيم الاستفادة من التكنولوجيا والرقمنة في استهلاك المياه وإدارتها، مع تطبيق التدابير الاحترازية للحماية من الهجمات السيبرانية ووضع سياسات وحلول تقي من تسرب المياه في الشبكات.

حوكمة المياه

و أكد الدكتور أسيت ك. بيسواس، أكاديمي وأستاذ زائر متميّز في جامعة غلاسكو؛ ومدير الشركة الدولية المحدودة لإدارة المياه في سنغافورة؛ والرئيس التنفيذي لمركز العالم الثالث لإدارة المياه في المكسيك، أن دول المنطقة لا تشهد شح مياه، ولكنها تعاني من مشكلة إدارة المياه وحوكمتها، مشيراً إلى أن قطاع المياه المدنية يعاني من مشكلة استخدام وعدم ترشيد، لأن سكان المنطقة يستهلكون أعلى معدل من المياه عالمياً، إذ يستهلك الفرد منهم بين 700 إلى 1,200 لتر من المياه يومياً، فيما يحتاج الفرد ليعيش حياة مزدهرة إلى 75 لترا منالمياه فقط، مبيناً أن ما نسبته 35 إلى 45% فُقد في شبكات المياه بالمنطقة. ونوه إلى أن تحقيق التوازن بين الأمنين المائي والغذائي يحتاج إلى ترشيد الاستهلاك والتعاون، فليس ثمة دولة قادرة على تحقيق الأمن الغذائي بمفردها، مستشهداً بسنغافورة التي تستورد 90% من احتياجاتها الأساسية، ما دفعها لوضع خطة استراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي بحلول عام 2030، لتغطي 30% من احتياجاتها ذاتياً.

 

التغير المناخي

أما الدكتورة سيسيليا تورتاجادا، أستاذة الابتكار البيئي في كلية الدراسات متعددة التخصصات بجامعة غلاسكو، فرأت أن الموارد المائية تعد متعددة الأبعاد تتقاطع مع جميع القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، وأن على كل من الدول المتقدمة والنامية أن تطور السياسات والإدارة والحوكمة والابتكارات التكنولوجية لكي تستجيب لاحتياجات المجتمعات التي ما زال يتزايد فيها عدم المساواة، فيما الموارد المائية أشد ندرة وتوفرها محل شك كبير بسبب تقلب المناخ وتغيره. وأكدت على أن حوكمة الموارد المائية تتطلب الدخول في منظومة مبتكرة قادرة على فهم كيفية تفاعل المتغيرات الطبيعية والمؤسسية والمجتمعية والسياساتية والسياسية المختلفة فيما بينها وتأثير بعضها على بعض، وتتطلب هذه المنظومة المبتكرة منظوراً أوسع يكون قادراً على إيجاد بدائل تراعي التعقيد وتتكيف مع مستقبل المياه المبهم، منبهة إلى أنه عندما يتوقف هطول الأمطار سيقع العالم في أزمة كبرى.

ابتكار الحلول

بدورها، قالت جانا إلكوفا المتخصصة في الابتكار واستراتيجية النظم البيئيةأن قضية التغير المناخي بدأت تلقي بظلالها على قضية الأمن المائي، ولكن الأمر الجيد هو أن الدول والحكومات بدأت في العمل الجاد من أجل معالجة قضية شح المياه، داعية إلى مباشرة العمل فوراً على مستوى الحوكمة،وعلى مستوى الإدارة وابتكار الحلول، مشيرة إلى أن المبتكرين  لديهم القدرة على إيجاد الحلول لمواجهة التحديات المرتبطة بالتنمية المستدامة مثل قضية شح المياه، مبينة في هذا الصدد أن المغرب  يمتلك تجربة جيدة في توفير المياه من خلال استمطار السحب أو ما يسمى حصاد الأمطار. ونبهت إلى قضية الصرف الصحي بالنظر لكونها مشكلة كبرى ومعقدة ومكلفة، وتواجه شح التمويل، مشددة على الحاجة إلى استثمارات تدعمها الحكومات لتطوير وابتكار الحلول، مع تطبيق نظام هيكلي ممنهج، مؤكدة أن المبادرات الحالية ليست كافية، فهناك فجوة كبيرة بين الوعي والتعليم والسياسات التي تحث الناس على ترشيد الاستهلاك.

 

الجلسة الثانية: “معالجة الأمن المائي: الحلول والمقترحات السياساتية”

وحملت الجلسة الثانية عنوان: “معالجة الأمن المائي: الحلول والمقترحات السياساتية (دروس مستفادة من دولة الإمارات العربية المتحدة)”، وأدارت النقاش فيها علياء العوضي الباحثة في “تريندز”، وتركز النقاش في هذه الجلسة حول نهج دولة الإمارات العربية المتحدة لضمان أمنها المائي، مثل استراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036، وتحلية المياه، وتلقيح السحب، ومخزونات المياه الجوفية.

تحلية واستمطار

وافتتح أعمال الجلسة الدكتور حسنيغديرا، مدير إدارة الخدمات البحثية بجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن معظم مصادر المياه في منطقة دول الخليج العربي تأتي من مياه البحر التي تجري تحليتها وتنقيتها في المحطات الحديثة.كما قررت الإمارات،في الوقت نفسه،ملء خزانات المياه الجوفية المبتكرة لتصبح مخزونا استراتيجيا يغطي الاحتياجات الأساسية لمدة 90 يوماً، إضافة إلى مشاريع تلقيح السحب والاستمطار. وذكر الدكتور أن لترا واحدا من الماء يمكن أن ينتج كيلو وات من الطاقة، فمورد البحر لا ينفد ولكن ملوحة الخليج العربي الشديدة تجعل عملية التحلية مكلفة وتتطلب طاقة أكبر، مشيرا إلى أن المياه العذبة التي تتوافر في منطقة الخليج مصدرها الأمطار، إلى جانب المياه الجوفية المحدودة، مضيفاً أن الطاقة المستدامة توفر مياه مستدامة وغذاء مستداما، وهذا هو نهج دولة الإمارات التي تستخدم حالياً 60% من المياه الجوفية لأغراض الري الزراعي، في الوقت الذي تستهلك فيه تونس، على سبيل المثال، 80% من مواردها المائية في الري.

 

تكامل الأدوار

و أكد الدكتور شهاب العامري، مدير قسم الأصول المائية في شركة أبوظبي للنقل والتحكم (ترانسكو)، على ضرورة الاستفادة من التقدم التكنولوجي في أنظمة إدارة المياه، مضيفاً أن إمارة أبوظبي أنشأت واحداً من أكبر الخزانات الجوفية ضمن جهودها لتعزيز أمنها المائي، متطرقاً إلى أهمية تكامل الأدوار بين القطاعين الخاص والحكومي في إيجاد الحلول لقضية المياه وتأمينه للأجيال المقبلة، ومشددا على ضرورة تكامل الأدوار بين دول المنطقة لإيجاد حلول مبتكرة لصون المياه، مبيناً أن المياه ستكون مصدراً للنزاعات العالمية مستقبلاً وسلعة ضرورية تحتاج إلى المزيد من التعاون والشراكة، متطرقاً إلى أهمية الربط بين الطاقة والمياه في وضع السياسات، حيث أن التكنولوجيا الحديثة أوجدت الكثير من الحلول لتحقيق الرقابة على المنتج المائي، مضيفاً أن المياه المحلاة في الدولة صالحة للشرب ولا تقل عن غيرها في الجودة.

استراتيجية مستدامة

من جانبه، أشار فيصل علي راشد، مدير أول إدارة الطلب على الطاقة في المجلس الأعلى للطاقة بدبي، إلى أن تطور دبي في إدارة الطاقة أصبح جزءاً من العمل اليومي، وتحدد الإدارة بشكل أساسي كيفية التخطيط للانتقال من حيث هي الآن إلى حيث تريد أن تمضي، مؤكداً أن المياه تشكل جزءاً حيوياً من استراتيجية دبي المستدامة لإدارة الطلب على الطاقة، مضيفاً أنه توجد فرصة لتحقيق الاستخدام الأمثل لموارد المياه المحلية وتحسينها، ما يقلل تكلفة تشغيل وحدات جديدة وإنشائها لتحلية المياه في أفق عام 2030، وهذا ما تركز عليه استراتيجية دبي، مضيفاً أن الفوائد النهائية للاستراتيجية المتكاملة لإدارة الموارد المائية في دبي تتمثل في: خفض استهلاك المياه، وخفض استهلاك الفرد من المياه المحلّاة والتكلفة المرتبطة بذلك، وزيادة حصة مياه الصرف الصحي المعالجة في دبي، وزيادة استغلال مياه الصرف الصحي المعالَجة خلال الشتاء والصيف، وترشيد استخدام المياه الجوفية لأغراض متعددة.

 

حماية المياه الجوفية

إلى ذلك، تحدث عمر سيف مستشار المدن الذكية والمستدامة والمرنة في شركة “دبليو اس بي”، عن العلاقة بين المياه والطاقة والغذاء في دولة الإمارات العربية المتحدة من حيث صلتها بأمن المياه الجوفية والأمن الغذائي، وقال أن هناك الكثير من الدروس المستفادة من جهود الإمارات لتحقيق الأمن المائي بالاستناد على سياسات ناجعة منها: “المرونة والصمود، والاستدامة والاستمرارية، والحوكمة”، فسياسة الصمود والمرونة تقوم على استراتيجيات مدروسة ودقيقة في عملية تحلية المياه وتنويع مصادر المياه نفسها، أما الاستدامة والاستمرارية فتتحقق بتنويع مصادر الطاقة الكهربائية وتقليص الفجوة بين الماء والغذاء ، بينما تعكس الحوكمة التغيير الحاصل في منطقة الخليج والإمارات عبر الدمج بين وزارات المياه والطاقة التي أدت إلى تضافر الجهود وترشيد الاستهلاك وتقليل الهدر المائي، مؤكداً أن تحقيق الأمن المائي يحتاج إلى استراتيجية وسياسة زراعية جيدة وفعالة، تعتمد على تعزيز الاستدامة وتوظيف التكنولوجيا وتمكين إنتاج الغذاء المحلي المستدام.

الجلسة الثالثة: “الأمن المائي في النظم المائية العابرة للحدود: التعاون ودبلوماسية المياه”

وتناولت الجلسة الثالثة والأخيرة التي حملت عنوان: “الأمن المائي في النظم المائية العابرة للحدود: التعاون ودبلوماسية المياه”، والتي أدارها الدكتور كريستيان ألكساندر، رئيس قسم الدراسات الاستراتيجية، في “تريندز”، العلاقة بين الحوكمة ودبلوماسية المياه، مستعرضة العديد من الأمثلة والحالات التي تم فيها تحسين إدارة الأحواض المائية العابرة للحدود. كما ناقشت الأدوات التي توفرها دبلوماسية المياه لتقليص التركيز على الموارد الطبيعية المتنازع عليها.

 

المجتمع الذكي للماء

واستهل النقاش لويك شاربينتير، مدير سياسة الابتكارات المائية في مؤسسة مياه أوروبا ببروكسل، مؤكداً على أهمية الإطار المحدد للحوكمة الذي تتشارك فيه الرابطة الأوروبية للنظام الإيكولوجي المائي المبتكر (أوروبا). وذكر أن المياه لا تعترف بالحدود، وعلى جميع المستفيدين من الأنهار العابرة للحدود الالتزام بجودة المياه وكمياتها والحفاظ على الأنهار من التلوث، ويحكم هذه العملية تشريعات وقوانين واتفاقيات دولية، مضيفاً أن تعميم فكرة واستراتيجية المجتمع الذكي للماء ضرورة ملحة في العصر الحديث، لكي تعي المجتمعات قيمة المياه ولكي تدار مصادر المياه بطرق تحافظ عليها من التلوث والاستغلال، مبيناً أن مؤسسة مياه أوروبا تعتمد على الحلول التكنولوجية الذكية في إدارة الحوار الدولي للمياه، وتبادل الأفكار والخبرات، ومواجهة التحديات الآنية والمستقبلية للمياه، كما تعمل على تلافي الصراعات والنزاعات بين الشعوب، والتي قد تنشب بسبب الموارد المائية.

انخفاض جودة المياه

أما الدكتورة فرح حجازي، الباحثة في برنامج التغير المناخي والمخاطر بمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، فأكدت أن أفريقيا تشهد انخفاضاً في مستوى جودة المياه بسبب السحب الجائر من الموارد المائية، مما يؤدي إلى نشوء النزاعات والتوتر بين دول القارة خاصة في حالات الجفاف، مشيرة إلى أن هناك ندرة مائية ستؤدي إلى الضغط على الموارد المحدودة خصوصاً مع النمو السكاني الكبير. ونبهت إلى أن مشكلة تلوث المياه الجوفية أصبحت متفاقمة في منطقة حوض بحر الغزال التي تقع بين جنوب السودان وأفريقيا الوسطى، ما أدى إلى نشوب نزاعات حدودية، مشددة على أهمية تحسين قدرة الدول الأفريقية على حل النزاعات البينية والداخلية، حيث يشكل ذلك مدخلاً مهماً لإدارة مشاكل المياه في القارة، مضيفة أنه رغم كل هذه النزاعات فإن هناك بارقة أمل وتعاون ومرونة لإيجاد خارطة طريق بشأن مصادر المياه وتحسن القدرة على حل النزاعات.

موارد الماء النهرية

إلى ذلك، قال أشوك سوين أستاذ ورئيس قسم بحوث السلام والنزاعات في جامعة أبسالا – السويد، أستاذ كرسي اليونسكو للتعاون المائي الدولي، ومدير كلية بحوث التعاون المائي الدولي في جامعة أبسالا، إن دول الأحواض النهرية العابرة للحدود تحتاج إلى انتهاج وتبني مسارات إيجابية من أجل تحسين التفاعلات بينها  وتعميق الترابط بشأن استخدام المياه، فالتعاون في إدارة الموارد المائية النهرية يمكن أن يشكّل محفزاً لتعزيز الحوار وبناء الثقة واستغلال المصالح المشتركة وتوسيع التعاون ليشمل المجالات الخلافية الأخرى، وقد شهدت العقود الثلاثة الماضية قدراً كبيراً من البحوث التي تناولت العلاقة بين ندرة المياه والصراع العنيف والتعاون. وذكر أن تهديد التغير المناخي العالمي المتزايد أضاف زخماً إلى البحث الأكاديمي في هذا المجال، ولكن الجدال حول الأمن المائي لم يقدِّم حتى الآن أي نهج محدَّد لتحقيق السلام، حيث يرى أن دول الأحواض النهرية العابرة للحدود تحتاج إلى استخدام الدبلوماسية الذكية في مجال المياه.

 

نزاعات تنهك البيئة

واختتمت أعمال الجلسة الثالثة، هاسميك بارسيغيان، رئيسة برلمان الشباب الأوروبي من أجل المياه، ومديرة طاقة المستقبل بمجلس الطاقة العالمي، قائلة إن الشراكة في المياه والسلام والأمن أداة عالمية للإنذار المبكر، حيث أن ارتفاع درجات الحرارة العالمية المستمر سيؤدي إلى جفاف وشح الموارد المائية، ما يهدد الأمن الغذائي. كما أن التغير المناخي يؤدي بدوره إلى تعظيم هشاشة الوضع الغذائي العالمي، ويعزز من النزاعات والصراعات المسلحة بسبب نقص المياه، ما سينعكس على الوضع الصحي والاقتصادي الإقليمي والعالمي. واستحضرت السيدة بارسيغيان حرائق الغابات في جنوب القوقاز التي جرت باستخدام الأسلحة الكيميائية، ما يؤكد أن الحروب والنزاعات تنهك البيئة وتضر بموارد المياه، مبينة أن حماية مصادر المياه والأحواض المائية من التلويث المتعمد ضرورة ملحة، وحق أصيل للشعوب التي تعيش في مناطق الصراعات والنزاعات. وشددت على ضرورة تعزيز التعاون الدولي لتحقيق الأمنين المائي والغذائي، فضلاً عن إفساح المجال للشباب للاطلاع بدوره والانخراط في الحوارات المتعلقة بالأزمات والصراعات المائية وإدارة الأنهار.

 

رؤى وتصورات بناءة

وفي ختام أعمال جلسات الندوة، تقدمت سمية الحضرمي مدير إدارة المؤتمرات والاتصال الاستراتيجيفي “تريندز”، نيابة عن الدكتور محمد عبدالله العلي الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، بالشكر والتقدير للمشاركين في الندوة وعلى إنجاحها وإثراء مناقشاتها بالآراء والتعليقات القيمة والحضور الفاعل، إذ حملت الكثير من الأفكار والرؤى والتصورات البناءة ، مشيرة إلى أن  هذه الندوة المهمة جاءت ضمن فعاليات أسبوع المياه الذي يستضيفه معرض إكسبو دبي 2020، ضمن جهوده لتحقيق الاستدامة، وبعد يومين من الاحتفال باليوم العالمي للمياه الذي صادف 22 مارس الجاري، مضيفة أن الآراء التي تضمنتها الندوة تعد تأكيداً واضحاً على التزام مركز تريندز للبحوث والاستشارات القيام بدوره البحثي المهم في التصدي علمياً ومعرفياً للقضايا والتحديات الكبرى التي تواجه البشرية ككل، والإسهام في البحث عن حلول بناءة ومستدامة لها، وفي مقدمتها قضية الأمن المائي ذات الأهمية الحيوية لحياة الإنسان وبقائه، وهي التي قادت إلى هذه الندوة  التي أكدت على ضرورة تعزيز الحوار العالمي البناء كأساس لتحقيق الأمن المائي المستدام للشعوب والمجتمعات باعتباره أحد أهم التحديات المستقبلية وتوظيف كل الوسائل التكنولوجية الحديثة لتحقيق هذا الهدف.

 


تعليقات الموقع