اتجاهات مستقبلية

الملف التايواني يهدد التعاون المناخي العالمي

الرئيسية مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

في القمة العالمية COP26 التي انعقدت أواخر العام الماضي 2021، وبعد أن أعلنت كلٌ من الصين والولايات المتحدة الأمريكية تجاوز خلافاتهما المناخية واتفقتا على تعزيز التعاون في تقليل انبعاثات الكربون، كان ينظر لذلك الإعلان حينها باعتباره “انفراجة بعد تعثر” في سبيل تحقيق أهداف اتفاق باريس المناخي؛ ذلك لأن التعاون الصيني-الأمريكي في ملف المناخ يلعب الدور الحاسم في تحسين مؤشرات البيئة والاحترار العالمي؛ لكونهما الاقتصادين الأعلى تلويثاً للمناخ العالمي، وتولد أنشطتهما الإنتاجية نحو 40% من إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية. غير أن الزيارة الأخيرة لرئيسة مجلس النواب الأمريكي لتايوان قد عصفت بهذا الاتفاق، ووضعت برامج التعاون المناخي العالمي في مهب الريح. فلقد عبّرت الصين عن رفضها لهذه الزيارة بوقف تعاونها مع الجانب الأمريكي في عدة مجالات، وعلى رأسها التعاون المناخي.
على أن النتائج المتوقعة من مثل هذا التعثر الجديد في برامج التعاون المناخي الصيني-الأمريكي يمكن أن تتجلى آثارها السلبية في عدة مؤشرات دولية، منها ما يخص مؤشرات الالتزام المناخي العالمي، وأخرى تدور حول مؤشرات التحول في سوق الطاقة العالمية، وثالثة تنصرف لمؤشرات فاعلية مؤتمرات وقمم المناخ الدولية، ورابعة تخص مؤشرات قدرة الدول الآخذة في النمو المشاركة في برامج حماية البيئة.
فأما عن الالتزام الدولي تجاه البيئة وقضايا المناخ، فمن المعلوم أن اتفاق باريس للمناخ يلقي بأعباء عديدة على الاقتصادات الملتزمة به ولاسيما الاقتصادات المتقدمة؛ مثل إتاحة التمويل لزيادة الإنفاق المخصص لتكنولوجيا التقاط الكربون، وتقديم حوافز متنوعة للاستثمارات الخضراء والصديقة للبيئة، مع تحجيم أنشطة الصناعة الثقيلة كثيفة استخدام الطاقة الأحفورية وعالية الانبعاثات الكربونية. ومن شأن غياب و/أو تعثر التكامل الصيني-الأمريكي في قضايا المناخ أن يضعف الالتزام بتحمل هذه الأعباء وللدرجة التي تقيّد تحقيق هدف الحياد الكربوني العالمي في حدود العام 2050.
وبإمعان النظر في مؤشرات التحول في سوق الطاقة العالمية، فإن نكوص الصين على اتفاقها المناخي مع الولايات المتحدة الأمريكية قد يعني أن رافداً رئيسياً من الطلب العالمي على الطاقة التقليدية يمكن أن يستمر بذات الوتيرة غير المكترثة بالبيئة، مع تراجع محفزات الإنفاق على تكنولوجيا التحول للطاقة النظيفة. وبينما يأتي ذلك متزامناً مع أزمة طاقة شديدة المراس تعيشها الاقتصادات الأوروبية وتجبرها على التوسع في استهلاك الوقود التقليدي لدرجة العودة إلى الفحم، رغم تلويثه البالغ للبيئة، فمن غير المتوقع، والحال كذلك، أن يشهد العالم قريباً تحولاً جوهرياً في سوق الطاقة باتجاه مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة.
ومن نافلة القول أن إعلان الصين وقف تعاونها مع الجانب الأمريكي في ملف المناخ سوف يقلل من الفاعلية المتوقعة والمأمولة لمؤتمرات المناخ الدولية، بما في ذلك القمة السنوية COP27 والمنتظر عقدها الخريف القادم في مدينة شرم الشيخ المصرية. ولما كان الهدف الأساسي لمثل هذه المؤتمرات هو متابعة التزامات الدول في ملف البيئة، مع حثها على تحمّل مسؤولياتها تجاه قضايا انبعاثات الكربون، فيمكن الانتهاء إلى أن اشتعال الملف التايواني في هذا التوقيت يشكل تهديداً مباشراً لهذه المؤتمرات؛ ما يستدعي تكاتفاً دولياً لإنقاذها. وعلاوة على ذلك، فإن مزيداً من الخلافات الصينية-الأمريكية في قضايا المناخ يعني نزولاً متوقعاً للدعم التمويلي الدولي الذي كان يتعين أن تحصل عليه الدول النامية في برامجها المحلية لحماية البيئة، باعتبار أن مسؤوليتها عن التلوث البيئي العالمي تقل كثيراً مقارنة بمسؤولية الدول الصناعية المتقدمة.
وفي حال استمرار تراجع الالتزام الدولي في قضايا المناخ، وبانخفاض جدوى وفاعلية قمم ومؤتمرات المناخ الدولية، وبمحدودية التمويل الدولي المتاح للدول النامية لبرامجها المناخية، فإن المحصلة الإجمالية لكل ذلك أن تتراجع الأولويات البيئية في خطط التنمية العالمية، ليصبح هدف الحياد المناخي العالمي في العام 2050 أثراً بعد عين.


تعليقات الموقع