أن عمليات مثل فقدان قدرة الجين على تشفير البروتين ربما أدت دوراً رئيسيّاً في التطور الجيني للحيتانيات

باحثون يرصدون جينات “عملقة” الحيتان

الرئيسية مقالات
شروق الأشقر :صحفية علمية

 

باحثون يرصدون جينات “عملقة” الحيتان

 

 

 

 

للحيتان باع طويل في التطور استمر قرابة 52 مليون عام؛ إذ عاشت على اليابسة كأي كائن أرضي صغير الحجم، ثم بين اليابسة والماء تارةً، وبعدها انتقلت إلى حياة كاملة في الماء، حتى أصبحت من أكبر الكائنات الحية التي تعيش على وجه الأرض الآن.

ورغم كثافة الدراسات حول التحول العجيب الذي شهدته الحيتان، هناك بعض الحقائق التي ما زالت خافيةً على العلماء حتى يومنا هذا، وفي مقدمتها السبب الذي جعل الحيتان تصل إلى هذه الأحجام العملاقة، مع الأخذ في الاعتبار أن العملقة في الحجم يمكن أن تؤدي بدورها إلى عيوب بيولوجية، مثل انخفاض أعداد المواليد، وزيادة فرص الإصابة بأمراض مثل السرطان.

في هذا الصدد، كشفت دراسة نشرتها دورية “ساينتفك ريبورتس” (Scientific Reports) الجينات التي يُحتمل أن تتيح للحيتان النمو إلى أحجام عملاقة مقارنة بأسلافها، وتسلط النتائج الضوء على دور أربعة جينات هي: (GHSR، IGFBP7، NCAPG، PLAG1).

تقول ماريانا نيري -الأستاذ المساعد في قسم الوراثة والتطور والأحياء الدقيقة والمناعة في معهد علم الأحياء بجامعة ولاية كامبيناس البرازيلية، والباحث الرئيسي للدراسة- في تصريحات لـ”للعلم”: كان الهدف الرئيسي من الدراسة هو مشاهدة الانتقاء الطبيعي على المستوى الجزيئي، لفك بعض شفرات تطور الحيتانيات “المجموعة التصنيفية التي تنتمي إليها الحيتان والدلافين وعرائس البحر”.

تضيف “نيري”: طورت الحيتانيات صفاتٍ عديدةً من خلال طفرات جينية ورثتها عبر أجيال عبر الزمن، فكيف يمكن لبعض الطفرات أن تُورّث؟ لقد تعاملت أجسام الحيتانيات مع البروتينات الجديدة وكأنها بروتينات أصيلة في الجسم، فيما يُعرف بالاختيار الإيجابي.

وتتابع: اتضح من التحليلات الجزيئية أن الاختيار الإيجابي هو الذي يتسبب في الحفاظ على البروتينات الجديدة لدى الأفراد، مما يزيد من تواترها، وذلك لأن هذه المستجدات تجلب نوعًا من المزايا لحاملها في بيئة معينة، ما يتيح له البقاء على قيد الحياة وترك مزيد من الأحفاد، وبهذه الطريقة يرتبط الاختيار الإيجابي بالتكيُّف البيولوجي للحيتان، واختيار المستجدات التي تسمح بمعدل أعلى للبقاء والتكاثر، وهو ما عُثر عليه في نتائج الدراسة.

أجرى الباحثون تحليلًا تطوريًّا جزيئيًّا على تسعة جينات، خمسة جينات ترتبط بهرمون النمو، وهي (GHSR، IGF2، IGFBP، IGFBP7، EGF)، في حين ارتبطت الجينات الأربعة الأخرى وهي (NCAPG، LCORL، PLAG1، ZFAT) بزيادة حجم الجسم في الحيوانات ذات الحوافر مثل الأبقار والأغنام، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحيتان.

عمل الفريق البحثي على تقييم هذه الجينات في 19 نوعًا من الحيتان، تتضمن 7 أنواع عملاقة يبلغ طول جسمها أكثر من 10 أمتار (حوت العنبر، والحوت المقوس، والحوت الرمادي، والحوت الأحدب، وحوت شمال المحيط الهادئ الصائب، والحوت الزعنفة، والأزرق).

وجد المؤلفون اختيارًا تطوريًّا إيجابيًّا لأربعة جينات (GHSR، IGFBP7، NCAPG، PLAG1)، مما يشير إلى أن هذه الجينات الأربعة يُحتمل أن تكون هي العامل الأساسي في زيادة حجم الجسم بين الحيتان العملاقة، وإضافةً إلى ذلك، يتحكم جين (GHSR) في جوانب دورة الخلية، أما (IGFBP7) فيعمل كمثبط في عدة أنواع من السرطانات، قد تتصدى معًا لبعض العيوب البيولوجية التي قد تنجم عن العملقة.

تقول “نيري”: من النتائج الجانبية، والمثيرة أيضًا، أننا رصدنا تعطيل جين (EGF)؛ لأنها كانت المرة الأولى التي تحدث فيها هذه الظاهرة لهذا الجين في الحيتانيات؛ إذ إن هذا الجين هو المسؤول عن تكوُّن الأسنان، وفقدان قدرة هذا الجين على تشفير البروتين له دور أساسي في فقدان الحيتان لأسنانها واعتمادها على ترشيح الغذاء من الماء، وهذه النتيجة تفتح آفاقًا جديدةً لفهم العملقة في الحيتانيات نفسها؛ إذ تُعد عملية الترشيح -ذاتها- إحدى المزايا المساعدة للعملقة.

وتتابع: تمثل هذه الدراسة مرحلةً مهمةً وجديدةً لفهم العملية التكيُّفية في الحيتانيات؛ فمن المنظور الجزيئي استطعنا أن نجد دليلًا على عمل الانتقاء الطبيعي، وتعرفنا أيضًا على أن عمليات مثل فقدان قدرة الجين على تشفير البروتين ربما أدت دورًا رئيسيًّا في تطور الحيتانيات، وبهذه الطريقة نُظهر كيف يمكن أن تكون العملية التطورية إبداعية، وأن هذا يجب أن يؤخذ في الاعتبار في دراسات أي مجموعة بيولوجية.عن “ساينتافيك أميريكان”


تعليقات الموقع