أمن الفضاء الإلكتروني: من مجرد محادثات يجريها “المكتب الخلفي” إلى أولوية رئيسية تناقش في مجالس الإدارة

مقالات
فيل روبنسون رئيس قسم علوم البيانات بلومبرغ للإعلام في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا

 

أسهم تزايد حجم الهجمات الإلكترونية وشدتها على مدار العام الماضي في إلقاء الضوء على التهديدات الإلكترونية المتزايدة التي تواجهها الشركات والمدن والدول. وتعني هذه التوجهات المنذرة بالخطرأن المؤسسات لم تعد تعنى بإمكانية تعرضها للهجمات الإلكترونية أو عدمه، بل غدت تتساءل حول الطريقة التي ستتم بها مهاجمتها، وفقاً لتقرير المخاطر العالمية لعام 2019، الذي تم تقديمه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الذي أقيم في سويسرا في يناير الفائت.
تزايد المخاوف في منطقة الشرق الأوسط
تتزايد المخاوف من الهجمات الإلكترونية بين قادة الأعمال في منطقة الشرق الأوسط بشكل أسرع من غيرها، وفقاً لدراسة عالمية أجرتها شركة برايس ووترهاوس كوبر عام 2018. وكشفت الدراسة التي شملت أكثر من 1200 رئيس تنفيذي عن ارتفاع نسبة المخاوف التي تراود الشركات بشأن تزايد خطر الجرائم الإلكترونية إلى 54% في منطقة الشرق الأوسط، مقارنة بـ40% عالمياً.
ولا عجب من تزايد المخاوف في هذا المجال، إذ تعتبر دولة الإمارات اليوم ثاني أكثر دول العالم استهدافاً من قبل الجرائم الإلكترونية، حيث تبلغ خسائرها نحو 1.4 مليار دولار سنوياً، وفقاً لدراسة أجراها مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية وMcAfeeعام 2018، بعنوان “الأثر الاقتصادي للجرائم الإلكترونية”، وتواجه دول الخليج الأخرى كذلك تحديات مماثلة. كما أفاد تقرير “تهديدات أمن الإنترنت 2018” الذي أصدرته شركة “سيمانتك” أن المملكة العربية السعودية تصدرت دول المنطقة من حيث معدلات البريد الإلكتروني التطفلي في عام 2017، إذ بلغت نسبته 69.9%. وفي سبيل التصدي لهذه التحديات، خصص صناع القرار في قطاع الأعمال في منطقة الشرق الأوسط أكثر من 7.9 مليار دولار من أجل تعزيز أمن ومنتجات تكنولوجيا المعلومات في عام 2019، وفقاً لأحدث النتائج التي تمخضت عن دراسة ابسوس عنالمؤثراتفي قطاع الأعمال العالمي.
إذاً ما الذي يعنيه هذا التوجه بالنسبة لنوع الأخبار التي يستهدفها الجمهور في دولة الإمارات والمنطقة على شبكة الإنترنت؟
ظهور المخترقين الأخلاقيين
من خلال استخدام منصة (BloombergAiQ)، أداة المحتوى المستندة إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي التي توفرها بلومبرغ للإعلام، تمكنّا من التعرف على رؤى زوار موقع Bloomberg.com، وأكثر من 30 ألف من الناشرين العالميين و 64 مليون مستهلك وسائط رقمية. وتوفر الأداة رؤية فريدة لما يؤثر على المؤثرين (أي ما هو مكتوب في الصحافة) و تحديد تلك المحادثات المؤثرة حول العلامات التجارية والقضايا عبر المشهد الإعلامي العالمي. أتاح لنا هذا التحليل تحديد اتجاه واضح نحو استهلاك المحتوى المتعلق بأمن الفضاء الإلكتروني بين مستهلكي وسائط الإعلام و القراء في دولة الإمارات.
و في تحليل السلوك الرقمي لزوارBloomberg.com من الإمارات، يبدو أن القراء المهتمين بأمن الفضاء الإلكتروني يستهلكون الرسوم البيانية ومحتوى الفيديو بشكل كبير. وهذا يعني أن هذه الطريقة المثلى للعلامات التجارية والمعلنين لاستهداف هذا الجمهور.
تشير النتائج التي تم التوصل إليها بتزايد أهمية “المخترقين الأخلاقيين” في دولة الإمارات، الذين يعرفون كذلك باسم مخترقي “القبعات البيضاء”، حيث يتم توظيف هؤلاء من قِبل الشركات للعثور على ثغرات أمنية داخل الأنظمة الرقمية للشركات.
تم تسليط الضوء على أهمية مخترقي “القبعات البيضاء” في الصيف الماضي، عندما وجه العقيد سعيد الهاجري، مدير إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية في شرطة دبي، نداء إلى “المخترقين الأخلاقيين” للاستفادة من خبراتهم في ضمان أمن الفضاء الإلكتروني للشركات في مختلف أنحاء المدينة، وأشار إلى أن كل شخص يبلغ عن وجود خرق أمني عبر منصة ecrime.ae سيحصل على شهادة تقدير من شرطة دبي تكريماً لجهوده”.
تبرز بيانات “سيمانتك” أن عمليات التحايل والخداع عبر البريد الإلكتروني تعتبر نقاط الدخول الرئيسية التي تم الإبلاغ عنها للهجمات الإلكترونية في المنطقة في عام 2018. ويشير العدد الهائل للهجمات إلى الحاجة الملحة إلى زيادة الوعي حول حماية البيانات بين الشركات والأفراد. وأفاد تقرير سيمانتك أن سلطنة عمان تحتل المرتبة الرابعة من حيث معدل البرامج الضارة عبر البريد الإلكتروني، مع وجود رسالة إلكترونية خبيثة من بين كل156 رسالة. بينما تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الخامسة والكويت المرتبة الثامنة عالمياً على قائمة البرامج الضارة عبر البريد الإلكتروني، وتعتبر أربع دول خليجية هي المملكة العربية السعودية والكويت وعمان ودولة الإمارات من بين الدول العشر الأوائل من حيث معدلات الرسائل الإلكترونية التطفلية.
نظرة مستقبلية
تكتسي مسألة الوعي والتدريب حول الفضاء الإلكتروني أهمية قصوى بالنسبة للشركات في دولة الإمارات ومنطقة الأوسط، كما تمت الدعوة كذلك إلى المزيد من الابتكار وتعزيز سبل التعاون بين دول الخليج من أجل مكافحة الهجمات الإلكترونية.
ويرى يوسف حمد الشيباني، مدير عام مركز دبي للأمن الإلكتروني، أن هذه المخاطر تمثل دعوة واضحة إلى “بذل المزيد من التعاون” داخل القطاع الخاص من أجل تعزيز مكانة المنطقة كمركز عالمي للتميز.
تطمح دولة الإمارات، ودبي على وجه الخصوص، إلى ريادة مسيرة التقدم التكنولوجي من خلال إطلاق مجموعة من المبادرات التي تقودها الحكومة والتي تم الإعلان عنها في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، اقترنت هذه الجهود بظهور المزيد من الثغرات ونقاط الضعف، ما يتطلب توفير المزيد من الوعي وتعزيز أمن الفضاء الإلكتروني، وظهر ذلك جلياً في الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها “شركة كريم” العام المنصرم، والتي أثرت على 14 مليون مستخدم.
لقد انتقل أمن الفضاء الإلكتروني من مجرد محادثات يجريها “المكتب الخلفي” إلى أولوية رئيسية تناقش في مجالس الإدارة، وانتقل بالتالي من قسم أخبار التكنولوجيا المتخصصة إلى تقارير الأعمال الرئيسية. ومن هذا المنطلق، من المرجح أن تحظى الأخبار المتعلقة بأمن الفضاء الإلكتروني بأهمية متزايدة بالنسبة لعملاء وسائل الإعلام في دولة الإمارات.


تعليقات الموقع