يستشرف توجهات السياسة الأمريكية بعد مرور 100 يوم من رئاسة بايدن

“تريندز” ينشر عدداً جديداً من سلسلة “اتجاهات استراتيجية”

الإمارات

أبوظبي – الوطن
صدر عن مركز “تريندز للبحوث والاستشارات” مؤخراً العدد الرابع من سلسلة اتجاهات استراتيجية، تحت عنوان “فهم وتحليل سياسة الرئيس الأمريكي جو بايدن في ضوء المئة يوم الأولى من رئاسته: التوقعات والآفاق”، شارك في إعداده نخبة من الخبراء الدوليين المختصين في الشأن الأمريكي، لتسليط الضوء على توجهات بايدن الداخلية والخارجية، وتحليل تداعياتها المحتملة، واستشراف مساراتها المستقبلية.
ويتفق الخبراء الخمسة الذين شاركوا في إعداد هذه الدراسة على أن الأجندة المحلية لبايدن ستكون أكثر ميلاً لتبني الحلول الجذرية بشكل يفوق ما كان متوقعًا، حيث يتوقع الدكتور ستيفن بلاكويل مدير إدارة الاستراتيجية بـ”تريندز للبحوث والاستشارات”، أن الفترة المقبلة من رئاسة بايدن ستشهد أولوية للسياسة الداخلية على حساب العلاقات الخارجية، ويذهب إلى أن الأيام المائة الأولى للرئيس بايدن فاقت التوقعات فيما يتعلق باستعداده لاتخاذ إجراءات جذرية من أجل التصدي لآثار جائحة “كورونا” وإعادة تنشيط الاقتصاد الأمريكي. وفي الوقت ذاته، فإن التحديات والأزمات العالمية ستدفع، في مرحلة ما، الرئيس بايدن لإظهار أنه قادر على الحفاظ على أجندته الرامية إلى إحداث تغييرات جذرية في السياسة الخارجية واستعادة التفوق العالمي للولايات المتحدة.
ويرى جاستن داير، أستاذ العلوم السياسية والمدير المؤسس لمعهد كيندر للديمقراطية الدستورية في جامعة ميسوري الأمريكية، أن بايدن قد ورث مجتمعاً مدنياً أمريكياً منقسماً بشدة حول مجموعة من القضايا السياسية والحكومية والاجتماعية، بما في ذلك نزاهة إجراءات الانتخابات الأمريكية. ومع ذلك، فإن هذا الإرث الثقيل بحسب بايدن وفريقه يمثل فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل لتغيير الحكومة الفيدرالية والمجتمع الأمريكي بشكل جذري. ويتفق البروفيسور يوسي ميكيلبيرج، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ريجنت، مع هذا الرأي، حيث يصف بايدن خلال الأيام المائة الأولى لإدارته بأنه رئيس استباقي للغاية ورئيس راديكالي إلى حد ما؛ فعلى الصعيد المحلي حدد بايدن أولويات واضحة لبرنامج التطعيم وقدم حزمة كبيرة من الدعم المالي لمواجهة تبعات فيروس “كورونا”، إلى جانب استثمارات ضخمة في البنية التحتية.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، يرى بلاكويل أن إدارة بايدن تنظر للصين باعتبارها شريكاً حيوياً محتملاً في معالجة التحديات العالمية، مثل قضية التغير المناخي، غير أنها تعتبرها المنافس الرئيسي للولايات المتحدة على الساحة الدولية؛ ولهذا أبقى بايدن أيضاً على العقوبات التجارية التي فرضها ترامب على الصين، وأدان سياساتها في هونغ كونغ وإقليم شينجيانغ. ويتفق الدكتور تشينغ لي، وهو باحث غير مقيم ومدير وكبير الباحثين في مركز جون إل ثورنتون الصيني التابع لمعهد بروكينغز، كلياً مع رؤية بلاكويل، بل إنه ذهب إلى أن بايدن واصل إلى حد كبير نهج إدارة ترامب المتشدد تجاه الصين. وفيما يتعلق بروسيا يرى كل من بلاكويل وميكلبيرج أن إدارة بايدن ماضية في تبني نهج متشدد تجاه موسكو، كما هو الحال مع الصين، وأنها تعمل على استعادة دور الولايات المتحدة كلاعب رئيسي في الشؤون الخارجية، من خلال احتواء النفوذ الدولي المتصاعد لبكين وموسكو.
أما فيما يتعلق بسياسة بايدن تجاه منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، فيقول بلاكويل إن التركيز الأساسي للإدارة الجديدة من المرجح أن يتجه إلى إنهاء “الحروب الأبدية” في المنطقة. وفيما يتعلق بإيران، فإن سياسة بايدن وقدرته على المناورة مع طهران ربما تكون مقيدة بشدة بسبب التركة المتأزمة التي ورثها عن ولاية ترامب في البيت الأبيض. لكن بايدن، وتماشياً مع التزامه بنهج أكثر تعددية على مستوى السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عاد إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة” حول برنامج إيران النووي، وأعاد التواصل مع طهران من خلال المحادثات الجارية على المستوى الرسمي في فيينا حول البرنامج النووي الإيراني. وفيما يتعلق بإسرائيل، يرى بلاكويل أن بايدن سيسعى إلى البناء على الزخم الذي تحقق في الفترة الماضية بشأن إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات الإسرائيلية العربية من خلال اتفاقيات السلام الإبراهيمية. وبينما تفضل الإدارة الجديدة رسميًا حل الدولتين، إلا أنه من غير المرجح أن تمارس ضغطاً إضافياً على إسرائيل للاعتراف بالدولة الفلسطينية رسمياً.
ويتفق جيمس راسل، الأستاذ المساعد في قسم شؤون الأمن القومي بكلية الدراسات العليا البحرية بالولايات المتحدة، بطريقة ما مع بلاكويل في هذا الصدد، حيث يعتقد أن نهج إدارة بايدن في الشرق الأوسط يجب أن يتعامل مع حقائق جديدة على أرض الواقع، وذلك خلال سعيها نحو نقل أولويات سياستها المعلنة إلى مرحلة التنفيذ الفعلي. وتتمثل أهم هذه الحقائق في: أولاً، إن الولايات المتحدة تلعب الآن دوراً أقل مباشرة وتأثيراً مما كانت تقوم به في الماضي في منطقة منقسمة بشكل متزايد بين عدد من الكتل السياسية المتنافسة، وثانياً، إن سياسات أمريكا الداخلية لاتزال منقسمة بشكل مرير، وهو الانقسام الذي يُعقد ويقوّض سلوك السياسة الخارجية. وثالث هذه الحقائق هو الإجماع المتزايد في مجتمع السياسة الخارجية بواشنطن على أن الولايات المتحدة يجب أن تقلص من تورطها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبدلاً من ذلك، يجب أن تعطي الأولوية لإعادة بناء الشراكات المتوترة في أوروبا وعبر المحيطين الهندي والهادي لمواجهة التحديات الأكثر أهمية القادمة من موسكو وبكين.
ويعتقد راسل أن المحادثات حول خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران تواجه عقبات هائلة، حيث يرى أن إعلان إيران البدء في زيادة تخصيب اليورانيوم إلى 60 % والمؤشرات على أن الولايات المتحدة قد تُبقي على عقوبات إدارة ترامب المتعلقة بالأنشطة الإرهابية الإيرانية، كل ذلك يمثل أدلة واضحة على مدى الصعوبات التي تعرقل العودة إلى الاتفاق النووي.
ويخلص المشاركون في هذه الدراسة إلى أنه في الوقت الذي تتسم فيه السياسة الداخلية لإدارة بايدن بالوضوح والتركيز على الأولويات التي طرحها خلال حملته الانتخابية، وخاصة فيما يتعلق بمواجهة جائحة “كوفيد19″، وتنشيط الاقتصاد الأمريكي، وإنهاء الانقسام الداخلي، فإن سياسته الخارجية ماتزال في مرحلة التبلور، وخاصة فيما يتعلق بالتعامل مع القضايا الشائكة التي ورثها عن دونالد ترامب، كالتعامل مع الصين والاتفاق النووي الإيراني.


تعليقات الموقع