العمل عن بعد هو بلسم شافٍ لمقدمي الرعاية والسكان البعيدين جغرافياً والمعوقين

الوباء أرشدنا إلى أشياء مهمة

مقالات
بريا باركر:كاتبة في نيويورك تايمز

الوباء أرشدنا إلى أشياء مهمة

 

 

في رسالة بريد إلكتروني في يونيو، كتب تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، يقول لموظفيه إنَّ «الاتصال عبر الفيديو قد ضيَّق المسافة بيننا بالتأكيد، لكن هناك أشياء لا يمكن تكرارها ببساطة»، ثم أعلن عن خططه لعودة الموظفين إلى المكتب ثلاثة أيام في الأسبوع بالخريف.
بعد ذلك بيومين، نشرت مجموعة من 80 موظفاً في «أبل» برسالة رداً على كوك قالوا فيها: «يبدو أن هناك انفصالاً بين طريقة تفكير الفريق التنفيذي في العمل عن بُعد، بكل ما في ذلك من مرونة في العمل، والتجارب الحية لكثير من موظفي أبل».
قامت الشركة منذ ذلك الحين بإرجاء خطط إعادة فتحها بسبب «متغير دلتا»، لكن الأسئلة التي تتصارع معها «أبل» والمنظمات الأخرى في جميع أنحاء البلاد لا تزال قائمة: كيف ولماذا يجب أن نجتمع؟ ومن الذي يقرر؟
الاجتماعات كانت متقطعة حتى قبل الوباء، فقد قدر تقرير صادر عن مؤسسة «Doodle» لعام 2019، وهي خدمة جدولة عبر الإنترنت، أن الاجتماعات غير المجدية تكلف الشركات أكثر من نصف تريليون دولار سنوياً. في نوفمبر 2019، وجد استطلاع أجرته شركة استشارات «كورن فيري» أن 67 في المائة من العمال يقولون إن الاجتماعات المفرطة تمنعهم من أداء أعمالهم.
بعد انتشار الوباء، بدأنا نشعر بما يمكننا القيام به بشكل أفضل افتراضياً “استخدام الدردشات وغرف الاستراحة والتصويت على المقترحات”، بالإضافة إلى قيود عدم الوجود في المكان نفسه. مع ملايين الساعات من الاجتماعات الافتراضية، يمكننا طرح سؤال نادر جداً عن أماكن العمل: ما الذي يستحق وقت تجمعنا، وكيف ينبغي تنظيمه؟
قبل انتشار الوباء بفترة طويلة، أمضيت سنوات في البحث عن التجمعات الفعالة. لقد أجريت مقابلات مع أكثر من مائة شخص في جميع مناحي الحياة “مدربي الهوكي، وكراسي مجلس الإدارة، ومنظمي الحفلات” الذين ابتكروا تجارب جماعية مفيدة. كان لديهم بعض الأشياء المشتركة: قاموا بتقييم الاحتياجات المحددة للمجموعة في كل مرة اجتمعت فيها، وكان بإمكانهم توضيح سبب تجمعهم، ولم يفترضوا أن تجمعاتهم يجب أن تدار بطريقة معينة.
أحد الأمثلة المفضلة لديَّ على ذلك يعود إلى تسعينات القرن الماضي، حيث جمع مؤسسو مركز «ريد هوك للعدالة المجتمعية» في «بروكلين» مجموعة من القضاة والمتقاضين وأعضاء المجتمع لإعادة تصور كيفية عقد محكمة.
ماذا لو نظر قاضٍ واحد في جميع قضايا الحي بدلاً من الفصل بين القضايا المدنية والعائلية والجنائية في جميع أنحاء المدينة؟ ماذا لو استطاع هذا القاضي تحديد العلاج طويل الأمد، وليس مجرد عقوبة السجن؟ في أي مجتمع يجب أن تتم إجراءات المحكمة؟ ماذا لو حدثت أنشطة أخرى، مثل خدمات الاستشارة وحل النزاعات في المبنى نفسه؟
من خلال طرح هذه الأسئلة والتصرف بناء على الإجابات، قلل مركز «Red Hook» من النكوص ووقت السجن وزاد ثقة الجمهور بنظام العدالة الجنائية.
أخبرتني أماندا بيرمان، مديرة المشروع الخاص بالمركز حالياً، بأنه «لا يوجد في أذهاننا حالياً تصور بشأن كيفية التجمع أو الشكل الذي يجب أن يبدو عليه»، فمن الأفضل أن تطرح أماكن العمل على نفسها الأسئلة بشجاعة وبلا نهايات كما فعل أعضاء مجموعة «Red Hook». ستحتاج المنظمات إلى مبادئ متماسكة لنوع الموظفين ونوع العمل “إن وجد” الذي يجب القيام به شخصياً. وسيبدو المكان الذي يضعون فيه هذا الخط مختلفاً في أماكن العمل المختلفة.
قد تدرك شركة إعلامية، على سبيل المثال، أن تغطية الأخبار العاجلة يتم الإشراف عليها بشكل أفضل من قبل عدد معين من الأشخاص في المكتب معاً، ومن ثم اتخاذ قرارات مباشرة بسرعة. قد تدرك غرفة كتّاب المسرحية الهزلية أن أفضل النكات يكتبها أشخاص لديهم أماكن للقاء، وأن الاجتماعات الإبداعية الافتراضية تساعد في التخفيف من حالة التنافس التي تحدث حول طاولة. وقد نشرت مجلة «Harvard Business Review» مؤخراً مخططاً مفيداً لمساعدة الفرق في تحديد ما إذا كانوا سيجتمعون شخصياً أم لا.
يجب على المنظمات مراعاة احتياجات جميع الموظفين. فهناك فجوة كبيرة في الشعور بالانتماء في العمل بين الأشخاص بمختلف ألوانهم. والعمل عن بعد هو بلسم شافٍ لمقدمي الرعاية والسكان البعيدين جغرافياً والمعوقين. وقد أظهرت الدراسات الحديثة أيضاً أن الموظفين الملونين يفضلون العمل عن بعد بنسب أعلى من زملائهم البيض.
سؤال الموظفين عما إذا كانوا يريدون «العودة إلى المكتب» يطرح القضية الخطأ. بدلاً من ذلك، يجب على المديرين أن يسألوا: ما الذي كنت تتوق إليه عندما لم نتمكن من اللقاء جسدياً؟ ما الذي لم يفُتك وأصبحت مستعداً لتجاهله؟ ما أشكال الاجتماع التي اخترعتها أثناء الوباء بدافع الضرورة، التي نجحت بشكل مدهش؟ ما الذي يمكننا تجربته الآن؟
يجب أن تكون هذه التجربة حواراً بين الإدارة والموظفين، وليس مجرد أمر يصدر لأن هذا يفتح إمكانات كبيرة. ربما تسمح للموظفين بالاستمرار عن بُعد، ولكن تجمعهم معاً بضع مرات في السنة، مع التركيز على إقامة روابط قوية بما يكفي للحفاظ على وجود الفرق البعيدة. ربما، مثل «Dropbox»، طبق العمل «الافتراضي أولاً» واسمح للموظفين بالحضور عندما يرون أن التعاون الشخصي مطلوب. يمكن العمل أيضاً مثل «تويتر»، فأنت تسمح للموظفين بخوض تجارب افتراضية مثل ممارسة لعبة «بنغو» في المساء، وممارسة دروس الرسم، حتى تتمكن الفرق من إيجاد طرق إبداعية للتواصل وتبادل الخبرات من دون الوجود في المكان نفسه.
قد تخوض تجربة العمل من خلال إعادة تنظيم أسبوع العمل نفسه. على سبيل المثال، ستقوم شركة «Kickstarter» بتجربة العمل أربعة أيام في الأسبوع ابتداء من عام 2022. وبحسب عزيز حسن، الرئيس التنفيذي للشركة، «فهذه ليست 40 ساعة مضغوطة في أربعة أيام، بل 32 ساعة إجمالاً. فمن خلال منح الموظفين الوقت لمتابعة المشاريع المستقلة وقضاء وقت أطول مع عائلاتهم، يعتقد حسن أنهم سيكونون أكثر إنتاجية خلال ساعات العمل».
لدينا لحظة غير عادية للتجربة في مكان العمل. فهذه اللحظات لا تأتي كثيراً، ولا تستمر مفتوحة لوقت طويل. دعونا نغتنم هذه الفرصة لإعادة الابتكار.عن “الشرق الأوسط”

 


تعليقات الموقع