إعادة ترتيب الشرق الأوسط

مقالات
مركز تريندز للبحوث والاستشارات

تشهد منطقة الشرق الأوسط حالياً حالة غير مسبوقة من الفعل السياسي النشط بين الفواعل الرئيسيين فيها، وذلك من أجل التوصل إلى إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة من الناحية الجيواستراتيجية، ومواجهة التداعيات الاقتصادية السلبية للأزمات الدولية المتتالية على الإقليم.
وقد تجلت مظاهر هذا الفعل أو الحركة الإقليمية النشطة في العديد من المؤشرات: أولها، تحول اللقاءات أو الزيارات الرسمية في الأغلب الأعم إلى الصيغة الجماعية وليست الثنائية، كما كان يحدث من قبل، مثل اللقاء الذي عُقد مؤخراً بين زعماء البحرين والأردن ومصر، أو الجولة التي يقوم بها ولي العهد السعودي إلى كل من مصر والأردن وتركيا، أو تلك التي جمعت بين زعماء وقادة الإمارات مع مصر والأردن والعراق. ثانيها، دعوة قادة وزعماء المنطقة إلى التحدث في المحافل الدولية، مثل الكلمة التي ألقاها مؤخراً الرئيس عبدالفتاح السيسي في منتدى “سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي” أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أمام “منتدى الاقتصادات الرئيسية الخاص بالطاقة وتغير المناخ”، بمشاركة الرئيس جو بايدن و17 من قادة الدول التي تشكل الاقتصادات الكبرى. ثالثها، الزيارات التي قام بها العديد من قادة أو صانعي القرار في العالم لدول المنطقة مؤخراً، وهو ما جعل الإقليم يقع في بؤرة الفعل السياسي الدولي بعدما اتجهت الأنظار صوب إقليم جنوب شرق آسيا.
وفي هذا الإطار، فإن حالة “الفعل” والحركة السياسية بين الزعماء وقادة الإقليم تهدف بالأساس إلى عدة أمور، منها:
أولاً، تعزيز أوجه التعاون الاقتصادي: إن الحرب الروسية الأوكرانية، ومن قبلها أزمة كوفيد-19، أثرت بالسلب على معدلات التنمية والنمو، وتراجع حجم الاحتياطي الوطني، وأدت إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وتزايد عبء الدّين الخارجي والداخلي…، إلخ. وهنا، فإن دول المنطقة اتجهت إلى تعزيز أوجه التعاون الاقتصادي لمواجهة التداعيات السلبية للأزمات الاقتصادية. وفي هذا الصدد، تعتبر الإمارات ومصر والأردن تجربة يحتذى بها، حيث وقعت الدول الثلاث في 29 مايو الماضي اتفاقية لـ”الشراكة الصناعية التكاملية لتنمية اقتصادية مستدامة”، بهدف تحقيق التنمية المستدامة وتقوية الاستجابة للتحديات المشتركة والأزمات العالمية، وتوسيع الاعتماد على الذات، خاصة في القطاعات الحيوية ذات الصلة بالأمن الوطني؛ مثل الغذاء والصحة والطاقة والصناعة وغيرها.
ثانياً، التأكيد على حياد دول الإقليم: إن قادة دول المنطقة تعي خطورة الانحياز إلى أطراف الحرب الدائرة في أوكرانيا الآن، ونعتقد أنها لن تنجر إلى مساندة أيٍّ من أطرافها، حيث تتمتع أغلب دول المنطقة بعلاقات شراكة استراتيجية مع روسيا والولايات المتحدة، ولن تكون مستعدة بأن تضحي بأحداهما لحساب الطرف الآخر. وهنا تميل دول الإقليم إلى ضرورة إنهاء الحرب والوصول إلى تفاهمات مرضية لجميع أطرافها، بما يحقق الأمن والسلم الدوليين.
ثالثاً، الانتقال من صيغة “صفر مشاكل” إلى “التعاون الجماعي”: فقد نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة في قيادة دول الإقليم إلى “تصفية الخلافات والنزاعات”، وإيجاد صيغة جديدة مبتكرة للأمن الجماعي، تقوم على فكرة “الفوز المشترك” من خلال التفاهم حول إدارة الملفات الخلافية والانتقال بها إلى صيغ جماعية تقود إلى أمن الجميع، أو عدم الإضرار بالأطراف الأخرى، وإعلاء قيم التعاون والعيش المشترك من خلال التركيز على جوانب التعاون الثقافي والاقتصادي.
وأخيراً، إن جملة التفاعلات الجيواستراتيجية الدائرة في الإقليم الآن تُشير إلى أننا أمام حالة غير مسبوقة من إعادة ترتيب أوضاع في الشرق الأوسط، تلعب فيها كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية دوراً كبيراً، وذلك من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وإرساء مبادئ العيش المشترك.


تعليقات الموقع