دخول الأتمتة في تخزين البضائع والخدمات اللوجستية من أجل عمليات أكثر مراعاةٍ للبيئة

الإقتصادية

رامي يونس – المدير العام ورئيس قسم المبيعات في سويس لوج ميدل إيست
تشهد صناعة تخزين البضائع في المستودعات والخدمات اللوجستية تحولًا ثوريًا من خلال التقدم في مجال الأتمتة. وفقًا لأبحاث السوق، من المتوقع أن يزيد حجم سوق أتمتة المستودعات في منطقة الشرق الأوسط بأكثر من ثلاثة أضعاف في عام 2025، لتصل قيمته إلى 1.6 مليار دولار. حيث يتم نشر الروبوتات والآلات المتقدمة في المستودعات بغرض إتمام مجموعة متنوعة من العمليات، بما في ذلك التخزين والتعبئة والتغليف والشحن العابر والمهام الأخرى ذات الصلة. وفقًا للاستبيان الذي أجرته شركة بي دابليو سي حول الآمال والمخاوف في الشرق الأوسط لعام 2022، تستعين الشركات العاملة في منطقة الشرق الأوسط بالتكنولوجيا من أجل أتمتة وتحسين العمليات في مكان العمل بمعدل أعلى قليلاً (32 ٪)، مقارنة بالمتوسط العالمي.

ومن المتوقع أن تستحوذ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما لديها من زيادة في عدد السكان وتقدمها الصناعي، على مزايا كبيرة بفضل اعتمادها على حلول الأتمتة، ومع زيادة الوعي بالقضايا البيئية في المنطقة، لاسيما بعدما تعزَّز الوعي بها من خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP28) الذي استضافته دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2023، تكتسب التقنيات التي تعزز الاستدامة والنتائج الصديقة للبيئة ميزة تنافسية.

الحد من انبعاثات الكربون من خلال الأتمتة

وصلت الانبعاثات العالمية من ثاني أوكسيد الكربون ذات الصلة بالطاقة إلى مستوى قياسي جديد تجاوز 36.8 مليار طن في عام 2022، حيث شهدت نموًا بنسبة 0.9 ٪، أو 321 مليون طن، وفقًا للتقرير الصادر عن وكالة الطاقة الدولية (IEA)، حيث حاز قطاع النقل، بما في ذلك الخدمات اللوجستية، على نصيب الأسد في المساهمة في هذه الانبعاثات، وكان من ضمن الأساليب الفعالة في هذا السياق استبدال المناولة اليدوية بالآلات المؤتمتة الكهربائية. حيث تعتمد تقنيات الأتمتة الكهربائية، مثل الروبوتات، على قدر أقل من الكهرباء، من الممكن توليده حتى من الطاقة المتجددة أو مصادر طاقة أنظف. بالإضافة إلى ذلك، فإن التقنيات المؤتمتة تصدر كمية ضوضاء أقل بكثير جدًا من أساطيل المركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري. كما يمكن أن يمهد هذا التحول الطريق لحدوث انخفاض ملحوظ في الانبعاثات في المنطقة.

الاستعانة بالروبوتات بغرض الاستفادة المُثلى من الحيِّز المكاني

شهدت منطقة الشرق الأوسط نموًا كبيرًا في عدد سكان الحضر على مدى العقود القليلة الماضية، ونتيجة لذلك، تسارع نمو سوق التجارة الإلكترونية في هذه المنطقة حيث من المتوقع أن يصل إلى 37 مليار دولار في عام 2022، وفقًا لأبحاث السوق. ولمجابهة التحديات المتمثلة في الحيِّز المكاني المحدود وتلبية الطلب المتزايد، يعدُّ استخدام أنظمة التخزين الآلي ومعالجة الطلبات حلاً فعالاً في هذا الصدد. حيث تتيح هذه الأنظمة استغلالًا أفضل لمساحة التخزين، فقد تم تصميم الروبوتات المستخدمة في هذا الإعداد لتكون ذات كفاءة عالية في استخدام الطاقة، بحيث يقتصر استهلاكها على 0.1 كيلو واط فقط من الطاقة في الساعة. وحتى تتضح الصورة لدينا بشكل أكبر، تستهلك ستة من هذه الروبوتات نفس كمية الطاقة التي تستهلكها محمصة الخبز الكهربائية. وهذا الأمر لا يقتصر دوره على توفير الحيز المكاني فحسب، بل يتعدى هذا الأمر ليقلل أيضًا من إجمالي استهلاك الطاقة المطلوب لتشغيل منشآت أكبر.

خفض استهلاك الطاقة

تتبنى المنطقة بشكل فعال وملفت للنظر تقنيات الطاقة النظيفة. وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، حققت منطقة الشرق الأوسط أكبر طفرة لها على الإطلاق في قدرة الطاقة المتجددة في عام 2022، بفضل إنشاء 3.2 جيجاوات من القدرة الجديدة، الأمر الذي يشير إلى تحقيق زيادة ملحوظة بنسبة 12.8 ٪. وتماشياً مع هذا التركيز المُنصب على كفاءة الطاقة، توفر تقنيات الأتمتة لدينا حلاً مناسبًا في هذا الإطار. فعلى سبيل المثال، تعمل الرافعات المتقدمة للرص والتكديس على رفوف المستودعات العالية ، والمصممة بحيث تراعي مبدأ الاستدامة، على تسخير الطاقة المتجددة ووحدات الكبح والاستفادة منهما في توفير مستوى من الكفاءة الرائدة في الصناعة، بما يؤدي في نهاية المطاف إلى توفير الطاقة. وبفضل هذا الابتكار، يتسنى للمستودعات تقليل استهلاكها للطاقة بشكل كبير وتقليل اعتمادها على مصادر الطاقة غير المتجددة.

تحقيق استدامة في سلسلة التوريد

يؤدي التركيز المتزايد على الاستدامة إلى إحداث تحول في سلاسل التوريد وتوجيهها نحو الممارسات المحلية والدائرية. وهذا الأمر من شأنه أن يؤكد على الأهمية المتزايدة للمستهلك والنزعة الأخيرة في سلسلة التوريد، التي أدت إلى ظهور مراكز الإنجاز المصغرة (MFCs) كمراكز توزيع محلية. وهذه الاستراتيجية تتوافق تمامًا مع الأهداف الطموحة التي وضعتها الحكومات الإقليمية، بما في ذلك رؤية المملكة العربية السعودية 2030، والتي تهدف إلى تسريع وتيرة التحول نحو الاعتماد على الطاقة النظيفة، وتحقيق أهداف الاستدامة، وجذب الاستثمارات. علاوة على ذلك، فهناك طلب متزايد على الخدمات اللوجستية الصديقة للبيئة على مستوى العالم، حيث تسعى 75 ٪ من شركات الشحن بصورة حثيثة إلى إيجاد خيارات أكثر مراعاة للبيئة عند تصدير السلع والمنتجات، وفقًا للتقرير الصادر عن البنك الدولي.

وبالإضافة إلى المزايا البيئية العديدة، فإن خفض حد المناولة اليدوية للبضائع من خلال الأتمتة من شأنه أن يقلل من خطر تعرض المنتجات للتلوّث أو العبث بها، مما يعود بالنفع على صناعات مثل الأغذية والمشروبات والمستحضرات الصيدلانية. ومع ذلك، فإن أعظم ميزة من مزايا الأتمتة هي أنها تتيح الفرصة لتبني ممارسات أكثر مراعاة للبيئة، كما توفر التطورات المستمرة في تكنولوجيا الأتمتة إمكانيات لا حدود لها بغرض تحقيق مزيد من التحسينات البيئية، بما يجعلها أداة حاسمة في بناء مستقبل أكثر محافظة على البيئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها.


تعليقات الموقع