خاص بالوطن عن: "بلومبرغ" الإخبارية نوح سميث

الولايات المتحدة وعواقب التعويل على الحرب التجارية مع الصين

مقالات

“الحرب التجارية” تلك هي الكلمات التي باتت تثير الرعب والفزع لدى الكثيرين خاصة بعدما لوح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني أيضاً بعدة تهديدات خاصة بفرض حزمة جديدة من التعريفات.
من ناحيته، كشف ترامب النقاب عن الخطط الصينية للسيطرة على الاستراتيجيات التقنية والتكنولوجية مقترحاً فرض تعريفات على ما يقرب من 1.300 سلعة بدءً من أشباه المواصلات وحتى قاذفات اللهب، إلا ان رد الصين على ذلك كان عنيفاً حيث استهدفت السلع ذات الطابع السياسي بعض الشئ مثل فول الصويا والسيارات والطائرات ما اتضح أن الأمر ذو طابع انتقامي
كان المستشار الاقتصادي لترامب لاري كودلو قد حاول اقناع الرئيس بالعدول عن هذه التهديدات غير أن الأخير لم يأبه حتى بتوجيهات أقرب مستشاريه.
إن شبح حرب تجارية واسعة النطاق بين أكبر اقتصادين في العالم -وهو حدث لم يسبق له مثيل في العصر الحديث – دفع العديدين على الساحة للاجتهاد من أجل توقع الآثار التي قد تترتب على ذلك. وعلى هذا باتت اغلية التحليلات تركز على المناطق والصناعات التي سوف تتأذى أو تٌدعم دعماً مباشراً على إثر فرض مثل هذه التعريفات. من طرفها، وضعت مؤسسة بروكنغز البحثية خريطة مفصلة توضح مدى اعتماد مختلف اقتصادات الأقاليم على الصادرات. واتضح وجود مناطق أكثر ضعفاً في بلد ترامب، بما في ذلك ميشيغان وإنديانا ونورث كارولينا ولويزيانا وتكساس.
وبالنظر عن كثب إلى عدة صناعات، يظهر جلياً أن التعريفات الصينية التي سيتم فرضها على القطاع الزراعي من المزمع وأن تتسب بالضرر للولايات التي تعتمد اعتماداً كلياً على الزراعة والتي صوتت لترامب بأغلبية ساحقة في انتخابات عام 2016:
أما عن الشركات الأمريكية العملاقة التي غزت السوق الصيني بمنتجاتها مثل أبل، بوينغ، كاتربيلر، جنرال موتورز وإنتل، فيبدو وأنها ستتلقى صدمات هائلة في حال نفذت الصين وعودها.
لكن التعريفات الجمركية الصينية لا تعد الوحيدة التي ستضر بالشركات الأمريكية -فضرائب ترامب الخاصة بالاستيراد يمكن أن تمثل جرحًا ذاتيًا أيضًا. فقد قرر الرئيس الأمريكي أيضاً رفع التعريفات على الفولاذ والألمنيوم ما دفع إلى رفع الأسعار على الشركات الأمريكية التي تستخدم هذه المعادن كمدخلات:
ومن المتوقع أن تكون للحزمة الجديدة من الرسوم التي سيفرضها ترامب عواقب سلبية مماثلة لصناعة الأدوية في الولايات المتحدة، والتي تستخدم كميات كبيرة من المكونات المنتجة في الخارج. وقد يضر ذلك أيضاً بالضرائب المفروضة على معدات توليد الطاقة بالشركات التي تبني وتدير محطات توليد الطاقة، وبالتالي سيهدف لرفع تسعيرة استهلاك الكهرباء.
وقد يفسر هذا المبدأ الأساسي للحروب التجارية حقيقة أن هناك مجموعة واحدة فقط من المستفيدين، غير أن هناك في المقابل مجموعتين من الضحايا. فالشركات لا تزال محمية من قبل التعريفات الجديدة بشكل مباشر، على الرغم من أن الشركات التي تستخدم مدخلات أجنبية والشركات التي تبيع في الأسواق الأجنبية تحقق خسائر ضخمة على حد سواء.
ولهذا السبب أشارت معظم النظريات الاقتصادية الأساسية إلى تسجيل خسائر كلية الناتجة نتيجة هذه الحروب التجارية. وقد تكون الحرب التجارية بين ترامب وشي لعام 2018، اختبارًا لهذه النظريات. إذا نتج عن ذلك خسائر اقتصادية ضخمة، كما سيعتبر ذلك بمثابة دليل على أن العديد من الاقتصاديين، والباحثين في مجال الفكر والنقاد يعتقدون أن الحرب التجارية هي الخاسر الصافي.
فهل يمكن إذن للولايات المتحدة أن تجبر الصين على تقديم أي من هذه التنازلات؟ وللإجابة على هذه التساؤلات، يجادل البعض بأن الولايات المتحدة لديها المزيد من النفوذ في الحرب التجارية كونها تدير عجزاً تجارياً مع الصين. و لدى تراجع حجم التجارة بين البلدين، سيعاني المنتجون الصينيون بالتأكيد أكثر من الأمريكيين وبذلك سوف ينخفض الاستثمار الصيني في السندات الأمريكية في المقابل ، ولكن هذا قد لا يشكل خطراً كبيراً – فربما يميل المستثمرون الأمريكيون إلى تحمل الركود. ففي عام 2010، ايد بول كروغمان استخدام التعريفة كأداة استراتيجية لإجبار الصين على تقدير عملتها خلال فترة الركود العظيم، موضحاً:
” ماذا سيحدث إذا ما حاولت الصين بيع حصة كبيرة من أصولها في الولايات المتحدة؟ … بالطبع سيؤدي ذلك لرفع أسعار الفائدة على المدى الطويل … قد يقوم الاحتياطي الفيدرالي بتعويض أي تأثير لسعر الفائدة من تراجع الصين عن طريق توسيع عمليات الشراء الخاصة بها للسندات طويلة الأجل. … الآن أمريكا هي من يضيق الخناق على الصين وليس العكس.
كان كروغمان قد عبر عن قلقه من ان قلة وواردات الصين قد يدفع نحو خفض الطلب، ومع انتهاء هذا التراجع في الوقت الحالي، لم يعد الخبير الاقتصادي يؤيد أية حروب تجارية وذلك لن ينفي على الإطلاق حقيقة أن الصين لديها الكثير لتخسره أكثر من الولايات المتحدة.
في نهاية المطاف، قد يكون ترامب محقاً، فالحرب التجارية ضد الصين ” يبدو وأنها يسيرة ومحققة الفوز”، لكن لا يمكن في الوقت المراهنة على ذلك. فكل يوم سيتأكد فيه نية الدولتين على تنفيذ تهديداتها، يتأكد للجميع أن الصناعات الامريكية ستعاني وبشدة.
بمعني أخر، سيمثل الرهان الآمن في عدم انتهاء هذه الحرب الشكل الذي يطلبه ترامب أو تطلبه بلادة بالكامل.


تعليقات الموقع