إدارة ترامب بين العلاقات التجارية مع الصين وخطأ التعريفات

مقالات
خاص بالوطن عن: شبكة "بلومبرغ" الإخبارية هال براندز

 

لا تزال كل من الولايات المتحدة والصين تواجهان عدة عراقيل قد تسبب في بدء الحرب التجارية فيما بينهما خاصة بعد أن فشلت المفاوضات التي أجرتها البلدين في حسم الأمور، وعلى ذلك، طالبت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الصين بتقديم المزيد من التنازلات التي تستهدف الحد من العجز التجاري الثنائي، والتعامل مع الممارسات التجارية في بكين ، وفتح القطاعات الرئيسية للاقتصاد الصيني نحو المزيد من المنافسة الأجنبية.
فيما شدد البيت الأبيض على مطالبته بتطبيق العقوبات على صادرات الفولاذ والألمنيوم ومجموعة أخرى من الواردات جنباً إلى جنب مع تطبيق القيود المفروضة على الاستثمار الصيني. وقد ردت بكين بالمثل، وفرضت تعريفات جمركية على مجموعة من السلع الأمريكية مقدمة تنازلات ضئيلة للغاية.
وقد يكون لأية مواجهة كاملة محتملة بين أكبر اقتصادين في العالم عواقب وخيمة على مستويات دولية، غير أن إدارة ترامب لا تزال محقة في مساعيها نحو عرقلة العلاقات التجارية الأمريكية الصينية.
وتتمثل الفكرة الأساسية في حجة ترامب التي ترجح أن التكامل الاقتصادي الغير مقيد أو مشروط مع الصين ليس بالضرورة أن يكون أمرًا جيدًا. فمنذ نهاية الحرب الباردة، شرع العديد من المسئولين الأمريكيين في العمل بجهد بغية تعميق الروابط الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة والعالم بصورة أكثر شمولية، مستندين في ذلك على النظرية التي تشدد على أن الصين – وهي الدولة الأكثر ثراءً – ستصبح في نهاية المطاف دولة أكثر ديمقراطية وسلمية. وبحسب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش فإن “التجارة بحرية مع الصين سيمنحنا بالتأكيد المزيد من الوقت”.ولسوء الحظ، لم تلقى هذه النظريات رواجاً وذلك نتيجة اعتماد الحكام السلطويون في الصين على الرخاء المتنامي لاستمالة طبقة وسطى متنامية وتجنب أي انفتاح سياسي قد يكون ذا مغزى. وبدلاً من أن تصبح بكين عضواً ينعم بكافة سبل التطور والراحة في النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، استخدمت بكين ثرواتها لدفع تكاليف بناء عسكري ضخم وذلك بغية شن هجوم جيوبوليتيكي واسع النطاق يختبر هذا النظام أكثر فأكثر. وباعتراف الجميع ، قد تكون الصين العضو الأكثر تدميراً واضطراباً لو لم تكن منخرطة في الاقتصاد الدولي، ولكنها لم تحقق حتى وقتنا هذه طموحات أكثر فاعلية وتأثراً خاصة عقب انخراطها في التجارة العالمية.
وفي الوقت نفسه، كان للتكامل الاقتصادي مع الصين عواقب أخرى إشكالية. فقد استهدفت بكين بقوة قاعدة التصنيع الأمريكية كجزء من جهودها لبناء مؤسساتها المحلية الخاصة وتأسيس مركز مهيمن في مجموعة من الصناعات الهامة، بدءً من قطاعات صناعة الصلب وحتى أشباه الموصلات وما هو ابعد من ذلك. وطبقت بكين ذلك من خلال الإعانات، والتعريفات، والنقل القسري للتكنولوجيا، وغيرها من المناهج الحمائية للوصول إلى التفوق في قطاعات التكنولوجيا العالية الجودة جنباً إلى جنب تحقيق طفرة في كل ما يخص قطاعات الأمن القومي والدفاع.
وبالمثل، تسعى الصين جاهدة لفرض وتوسيع سيطرتها ونفوذها على البنية التحتية الحيوية في جميع أنحاء العالم كطريقة لتعزيز موقعها الجغرافي الاقتصادي وموقعها الجغرافي السياسي. حيث كانت قد استخدمت النفوذ الاقتصادي الذي توفره ثرواتها لتحقيق غاياتها السياسية معتمدة على إغراء التجارة ورأس المال لإسكات حملات النقد اللازعة التي تعارض انتهاكاتها لحقوق الإنسان في أوروبا وأماكن أخرى.
بعبارة أخرى، تلعب الصين بكافة مالديها من كروت وأوراق من أجل البقاء. فالدولة الكبرى باتت تستغل ثمار التكامل الاقتصادي مع الولايات المتحدة والعالم الأوسع كطريقة لتعزيز قدرتها على التنافس ضد واشنطن وحلفائها.
وإذا كانت الولايات المتحدة تنأى بنفسها ضد هذا التحدي الصيني ، فستضطر إلى اتباع نهج اقتصادي جغرافي أصعب.
وسيتعين على الحكومة فيما بعد، بالتعاون مع قطاع الصناعات الأمريكي، أن تحدد سبل حماية أجزاء بالغة الأهمية مما يمكن أن يطلق عليه “قاعدة ابتكار الأمن القومي”.
ولدى التاكد من هذه الممارسات الصينية، سيكون على الجامعات ومراكز الفكر أن تعيد النظر حيال مدى اعتماد نماذج أعمالها على الطلاب الممولين والأموال القادمة من الصين. سيكون كل من الولايات المتحدة وحلفاؤها بحاجة – بعد ذلك – إلى استنباط إجراءات أفضل لحماية البنية التحتية التي قد تسعى الصين إلى السيطرة عليها لتحقيق غايات جيوسياسية على الرغم من أنها لن تكن بحاجة استراحة سلمية وسلسة من التعاملات التجارية الصين بل بالإحرى، سيصبح من الضروري اتباع نهج انتقائي أكثر انفتاحاً.
وفي هذا الصدد، يتضح جلياً أن نهج ترامب يتضمن في مكنونه بعض القيم التي تتمثل في حقيقة أن الحد من التكامل الاقتصادي الأمريكي مع الصين سيشمل حتما بعض العقبات على المدى القريب والمتوسط للمؤسسات والمستهلكين المتضررين. لكن إقناع الناخبين بالتسامح مع هذه العقبات يتطلب وضع استراتيجية حماية عامة جادة حول الجوانب الأكثر إشكالية في العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.
ولن يكون أي برنامج لإدارة الترابط مع الصين فعالا إلا في حال ما استطاعت واشنطن أن تكسب تعاون حلفائها وشركائها في أوروبا وكذلك في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
تستحق إدارة ترامب بعض الثناء لتسليطها الضوء على التهديد الذي تشكله الصين بصدق وصراحة أكثر من أي إدارة منذ عقود. فالرئيس نفسه ليس مخطئاً في اصراراه على مناقشة كيفية إدارة الترابط مع دولة منافسة أكثر من كونها دولة حليفة. لكن السياسة الخارجية تتوقف في النهاية على الحلول الجذرية، وكما هو الحال في أمور كثيرة، يبدو أنه من المرجح أن تعزل سياساته البلاد في بوتقة تكون الوحدة والعمل المتضافر الدعمتان الأساسيتان لها.


تعليقات الموقع