فلسفة السلام الأكثر رسوخاً في الدين الحنيف والمرتكز الأساس في الفكر الإسلامي

الإسلام ومحاولات التشويه المقصودة

مقالات
نوره الحوسني: زوجة شهيد الإنسانية

 

يتعرض الدين الإسلامي، ولا سيما في العقود الثلاثة الماضية، إلى حملات تشويه متعمدة ساهمت فيها قوى خارجية، غير موفقة أساءت بقصد أو بغير قصد إلى هذا الدين السماوي الحنيف، وساهمت في الإساءة إليه، لدرجة راح البعض ولاسيما في الغرب يستخدم مصطلحات، وتعبيرات تسيء إلى الإسلام والمسلمين، مثل ” الإرهاب الإسلامي ” أو التطرف الإسلامي” ما ساهم بإلحاق أكبر الأذى بالعرب والمسلمين، وصوَر الديانة الإسلامية السمحة بأنها ديانة “دموية” تمجد القتل، وتستعدي الآخر.
وما زاد في الطين بلة، ظهور جماعات إرهابية حملت يافطات الدين، ومارست تحت عباءته أبشع الجرائم، مثل القاعدة وداعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية، التي ثبت بالملموس أنها تنظيمات، تعمل لأجندات خارجية، اتخذت من الدين الإسلامي سلماً للوصول إلى أهدافها اللعينة، علماً بأن الدين الإسلامي بريء تماماً من هذه السلوكيات والجرائم براءة الذئب من دم يوسف، وأن ماجرى من جرائم تحت يافطات دينية، إنما هي أفعال تتنافى مع روح الإسلام، ولا تمت إلى تعاليمه بأدنى صلة.
فكما هو معروف، تعد فلسفة السلام الفلسفة الأكثر رسوخاً في الديانة الإسلامية، والمرتكز الأساس فى الفكر الإسلامي، إلى درجة أن التحية في الإسلام، اقترنت بالسلام، كما أن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز:”? يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ(208) ?(سورة البقرة )وفي سورة البقرة ايضاً يقول الله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً (208? (سورة البقرة
ومن هاتين الآيتين وغيرهما الكثير مما ورد في القرآن الكريم نلاحظ كيف أن الدين الإسلامي الحنيف حث على السلم بين الناس، داعياً في الوقت عينه إلى التعايش بين البشر، وبالتالي فإن من يدخل في السلم الإنساني إنما يسيرعلى ما أمر الله به عباده المؤمنين، وأن من يسلك طريق الفتنة بين الناس، والتكفير والتفجير، وقتل الأبرياء والخوض فى الدماء، إنما هو متبعٌ لخطوات الشيطان. باعتبار أن ما يميز الاسلام هو السلم والمسالمة.
حتى أن الجنة في المفهوم الإسلامي هي دار السلام، كما جاء في قوله تعالى:” لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ”.
ومن المؤسف أن ما جرى ويجري على الساحة الدولية، لم يشوه صورة الإسلام وحسب، بل وساهم في ازدياد حملة الكراهية للمسلمين، ولا سيما من قبل الخاضعين لتأثير الماكينة الإعلامية الغربية، التي أثبتت عدم موضوعيتها بالنسبة لعملية التشويه المتعمدة للدين الإسلامي، لدرجة أن أي فعل عنيف أو عمل إرهابي بات يلصق بالمسلمين حتى من دون انتظارالتحقيقات الأولية في هذا الفعل الإجرامي أوذاك، علماً بأن الدين الإسلامي هو دين سلام يدعو إلى التآخي بين الناس
قال تعالي: (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) (الحجرات:13) والتعارف كما هو معروف يقود الى التعايش الذي لايمكن أن يأتي إلا عن طريق السلام، وتبادل المصالح بين الشعوب والأمم، ولهذا كانت سياسة الرسول «صلى الله عليه وسلم» فى المدينة هى نبذ الحرب ومحاولة اتقاء شرها، زد على ذلك أنه حتى في أوقات الحروب كانت تعاليم الإسلام واضحة جلية، تحرم قتل الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال كما جاء على لسان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بقوله: «انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة. واصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين» (أبو داود 37/3.
ومن يتابع التاريخ الإسلامي يلاحظ من دون عناء أن الموقف من الحروب كان تجنبها قدر المستطاع، وأن الدين الإسلامي الذي أباح الجهاد للدفاع عن النفس، لم يتساهل أبداً في موقفه من الإعتداء على الآخرين، ونهى المسلمين صراحة عن إيذاء الآخرين والمسالمين والضعفاء حتى في أوقات الحروب بقوله تعالى في سورة البقرة الاية 190″وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين).
وقوله تعالى في سورة الأنفال الآية 61″(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها
والحقيقة أننا لو أردنا الحديث عن الدعوة الى السلم، التعايش بين الناس كما جاءت في النص القرآني أو الأحاديث الشريفة، لاحتجنا الى الكثير من الدراسات والأبحاث، ولكن ما نروم التركيز عليه في هذه العجالة هو ذلك التشويه المتعمد للدين الإسلامي الحنيف الذي تصر بعض القوى المشبوهة ، على الاستمرار به وتصعيده، مستغلة بعض الأفعال العنيفة التي تنشأ أحياناً عن احتقان سياسي، أو تطرف قومي، أو ظلم اجتماعي هنا وهناك فتلصق التهمة بالإسلام والمسلمين، لغايات سياسية، اقتصادية باتت واضحة لكل من يقرأ الأحداث جيداً، وبعين متفحصة تقرأ ما بين السطور.
وعلى الرغم من أن جهات معادية للإسلام عملت وتعمل على تشويه صورته تنفيذاً لأجندات مختلفة، إلا أنه لابد من الاعتراف بأن هناك مسلمين وقعوا تحت تأثير القوى الإرهابية التي اتخذت من الدين مطية لها للوصول إلى غايات دنيئة، بعيدة كل البعد عن روح الإسلام ومعانيه العظيمة، وهو أمر استغلته القوى الخارجية لتسويق معلومات مغلوطة عن الإسلام والمسلمين
وأمام كل ما تقدم، وهو التأكيد قليل أمام حجم الهجمة التي يتعرض لها الإسلام وقيمه النبيلة، يبدو السؤال الأهم هو :ما المطلوب لمواجهة هذا الإرهاب الفكري الموجه ضد الإسلام والمسلمين، والذي أدى إلى ظهور ما يطلق عليه ” الإسلاموفوبيا” في العالم؟.
بالتأكيد إن مواجهة موجة الكراهية للإسلام والمسلمين التي تنتشر، برائحتها العنصرية البغيضة، لن تتم بهذه السهولة التي يمكن أن يتخيلها البعض، وإنما تحتاج إلى عمل حثيث، وممنهج تقوم الحكومات باإضافة إلى رجال الدين، والمؤسسات الثقافية والتعليمية بدور بارز وقوي فيه، ذلك أن التصدي لهذا التشويه المتعمد لصورة الإسلا والمسلمين، يجب أن يبدأ أولاً من مكافحة الأسباب التي قد تقود الى التطرف والتي من أهمها عدم الاستقرار الذي يضرب مناطق واسعة من العالم، ليس على مستوى العالم الإسلامي فقط وإنما على المستوى العالمي كله، حيث يعد عدم الاستقرار هذا بيئة خصبة من قبل الكثير من المنظمات الارهابية، ولاحظنا هنا كيف أن معظم العمليات الإرهابية التي وقعت في أوروبا قام بها شباب أوروبي متطرّف.
ولذلك فإن تجنب الاكتفاء بإجابات أمنية بحتة وذات مدى قصير، والتصدي للمسار الذي يقدم الإسلام كمهل للتطرف والإرهاب، من خلال تفعيل الدور الذي يقوم به المجتمع المدني، واعتماد طرق فعالة تمكّن من التّنسيق بين جميع البرامج والاستراتيجيات القائمة للوقاية ضدّ التطرّف العنيف ومحاربته.
وهو ما يدعو الى الترحيب بكل المبادرات التي تسعى للتقريب ين الأديان، والحوار بين الثقافات العالمية على اختلافها، وهذا يستدعي جهوداً كبيرة، من قبل العلماء ورؤساء المنظمات الأهلية والمؤسسات الدينية، والتعليمية بغرض تأصيل المواطنة شرعياً، وتصحيح المناهج الدراسية، ،بما يتماشى مع روح السلام والتعايش بين الشعوب، والعمل مع الحكومات لترجمتها تشريعياً، وتنزيلها واقعاً قانونياً في الدستور الوطني لبلدانهم، أسوة بدولة الإمارات العربية المتحدة، التي باتت أنموذجاً حياً لثقافة التعايش والسلام والمحبة بين البشر، حينما جرمت التكفير وازدراء الأديان. ومن ثم العمل بهدف إقرار هذا الإعلان كوثيقة رسمية ضمن وثائق الأمم المتحدة.
أخيراً وليس آخراً لابد من التذكير بأن محاربة التطرف والإرهاب، وإظهار صورة الإسلام الحنيف على حقيقته، لابد أن يكون عملاً ممنهجاً، تشارك فيه كافة الشرائح الاجتماعية والسياسية والفكرية والدينية ،وإلا فإننا سنبقى ندور في حلقة مفرغه، لن تقودنا إلا إلى مزيد من الخسائر على كل الصعد .


تعليقات الموقع