الإمارات آمنت بأهمية العلم لارتقاء القمم

مقالات
نوره حسن الحوسني: زوجة شهيد الإنسانية

 

لا يمكن للدول أن تتطور وتنهض حضارياً أبداً، من دون وجود رؤية واضحة، تحدد خطواتها نحو المستقبل، وترسم خططها لتحقيق أهدافها الكبيرة، في إطار من التخطيط المحكم والسليم، لا سيما في عصرنا هذا حيث يشهد العالم سباقاً علمياً وحضارياً غير مسبوق، وتسعى فيه كل الأمم لامتلاك المعرفة، التي أثبت التاريخ أنها البوابة الرئيسة، لتطور الأمم وبقائها.
ومن هنا يبدو استشراف المستقبل، ووضع الخطط الكفيلة بمواجهة تحديات العصر، مهمة وطنية بامتياز.
وانطلاقاً من هذه المبادئ الأساسية في الحياة نلاحظ ان دولة الإمارات العربية المتحدة ومنذ الأيام الأولى لقيامها على يد الراحل المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، اولت العمل من أجل المستقبل أولوية كبيرة، تجلت في وضع الخطط طويلة الأمد للنهوض بالبلاد، ومواجهة تحديات العصر، واستشراف المستقبل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
ولو توقفنا بداية عند المعنى اللغوي لكلمة استشراف ،لوجدنا أنها تعني بالعربية، الإطلال من أعلى للإشراف على الشيء ورؤيته بوضوح ، ولذلك فهي تعني الإطلال على المستقبل ،من خلال سلم العلم الذي يعتبر الأساس في عملية الاستشراف الحقيقي للمستقبل.
ولأنها تدرك أهمية العلم المحورية في بناء المستقبل، فقد أولت القيادة الرشيدة في الإمارات جل اهتمامها للعلم والتعليم، باعتباره المدخل، لعملية استشراف المستقبل، ووضع الخطط والمشاريع التي تواجه بها البلاد تحديات العصر. ولذلك فقد حظى التعليم، باهتمام منقطع النظير من قيادة دولة الإمارات العربية المتحده، إيماناً بحقيقة أن التعليم هو الجسر الرئيس لبناء مستقبل الدولة.
ولذلك كان الاهتمام الكبير بالتعليم، بل وإنشاء كلية متخصصة لدراسات المستقبل وابتعاث مواطني الدولة لدراسة تخصصات في التخطيط الاستراتيجي.
كما أن هناك خطط كثيرة لإدراج استشراف المستقبل في المناهج التعليمية، سواء في المدارس أو الجامعات.
وهو ما يفسر عملياً ذلك التطور السريع والمدروس في المناهج التعليمية وتبني استراتيجيات التعليم الذكي. وهو ما يساهم في الواقع في بناء جيل متعلم وكفؤ يستطيع مواجهة تحديات العصر بقوة واقتدار.
و لابد من التوقف هنا عند اعتماد اعتمد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي استراتيجية الإمارات لاستشراف المستقبل بوزارة شؤون مجلس الوزراء والمستقبل، وهي تهدف كما هو معلوم للاستشراف المبكر للفرص والتحديات في كافة القطاعات الحيوية في الدولة وتحليلها ووضع الخطط الاستباقية بعيدة المدى لها على كافة المستويات لتحقيق إنجازات نوعية لخدمة مصالح الدولة.
وهذه الاستراتيجية استراتيجية واسعه، ولا تقتصر على قطاع بعينه، وإنما تقدم بناء نماذج مستقبلية للقطاعات الصحية والتعليمية والاجتماعية والتنموية والبيئية ومواءمة السياسات الحكومية الحالية بالإضافة لبناء قدرات وطنية في مجال استشراف المستقبل وعقد شراكات دولية وتطوير مختبرات تخصصية وإطلاق تقارير بحثية حول مستقبل مختلف القطاعات في الدولة.
ومن يتابع التطور الكبير الذي تشهده دولة الإمارات العربية المتحدة،يلاحظ من دون عناء كيف أن هذه البلاد الصاعدة، وضعت من استشراف المستقبل، وإعداد العدة لمواجهته اساس حركتها ،وفي رأس أولوياتها.
ففي الثالث من مايو الجاري أطلقت حكومة دولة الإمارات الدفعة الثالثة للبرنامج التدريبي لاستشراف المستقبل بالتعاون مع جامعة أكسفورد، بمشاركة 60 موظفاً من الجهات الاتحادية والمحلية ومؤسسات القطاع الخاص، في إطار الجهود المتواصلة لإعداد وتأهيل جيل من الكوادر الوطنية المتخصصة في الاستشراف ورسم السيناريوهات المستقبلية للقطاعات الحيوية.
ويهدف هذا البرنامج الطموح إلى بناء القدرات في مجال استشراف المستقبل، وتعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وتعميم المعرفة في الجوانب العملية الاستشرافية والمهارات الضرورية لتحقيق الرؤية المستقبلية.
حيث يبدو لكل متابع أن توجهات حكومة دولة الإمارات تركز في هذه المرحلة على تعزيز الجاهزية للمستقبل وتحديد فرصه وتحدياته.
لا سيما وأن برامج استشراف المستقبل تركز كلها على القطاعات الحيوية الأكثر ارتباطاً بحياة الإنسان، وإيجاد منظومة عمل تتشارك فيها جميع الكفاءات للوصول إلى رؤية واضحة للمستقبل .
والحقيقة ان ما تضعه دولة الإمارات العربية، من دراسات وخطط حول المستقبل ليست مجرد أفكار مستقبلية مؤجلة، بل هي خارطة طريق فعلية، لضمان ديمومة رفاه شعب الإمارات طوال السنوات المقبلة.
خاصة وأن هناك قناعة تامة بأن الدول التي لا تلحق بركاب التقدم ستبقى في ذيل القائمة.
ونشير هنا أيضا إلى أن استشراف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة للمستقبل وأهمية التنمية البشرية، وكيف أنه كان أول مسؤول يتحدث بعمق عن استشراف المستقبل، عندما أكد على أن دولة الإمارات تعد استراتيجية بعيدة المدى بعد 50 عاماً مع تصدير آخر برميل نفط.
والحقيقة أن من يراقب تطور الإمارات عن قرب يلاحظ ذلك الاهتمام الكبير بمشاريع التنمية التي تعد الركيزة الأساسية لمواجهة تحديات العصر، والإعداد للمستقبل، وتأمين وصيانة الرفاهية لكل من يعيش على أرض الإمارات، على المدى الطويل، حيث تشهد البلاد نهضة حضارية عملاقة، تركز أساساً على المشاريع المستقبلية، ولا سيما في مجال الطاقة، وتقنيات المعلومات، والصحة والتعليم وغيرها من المجالات الحيوية الهامة.
ويكفي الإشارة هنا إلى التقرير الذي أصدرته شبكة سياسات الطاقة المتجددة للقرن الحادي والعشرين لعام 2014، والذي حلت فيه الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثالثة على مستوى العالم بالنسبة لإنتاج الطاقة الشمسية المركزة لعام 2013.
لاسيما وأن تقنيات الطاقة الشمسية، تعد الأكثر كفاءة مقارنة بغيرها من التقنيات”.
كما أن الخطط الطموحة التي تتبناها دولة الإمارات لتوليد نحو 50% من احتياجات الطاقة لديها من مصادر متجددة بحلول عام 2050، والجهود الحثيثة التي تبذلها لخفض تكاليف الطاقة المتجددة تمنحها مكانة رائدة في الاقتصاد المستقبلي المستدام، وتضع والإمارات في صدارة بلدان المنطقة والعالم بهذا المجال.
كما لابد من الإشارة هنا إلى سعي الإمارات العربية المتحدة، بتطوير الذكاء الإصطناعي ،واستخدامه في مختلف القطاعات، في إطار استشرافها للمستقبل، وقناعتها بأن اللحاق بموكب العلم أمر أساسي لاستمرار النهضة الحضارية الكبيرة التي تشهدها البلاد.
والحقيقة أن هناك الكثير من الشواهد التي يمكن سوقها للوقوف على حقيقة الكفاح الإماراتي الجاد من أجل المستقبل، لا سيما وأن هذه الدولة الصاعدة، التي حباها الله بقيادة مخلصة رشيدة اعتادت عدم انتظار المستقبل، بل الذهاب إليه ووضع الحلـول الناجحـة لمواجهة تحدياته، وهـذا مـا يفسـر توجـه الدولـة الحثيـث نحـو الاستثمار في تفعيل تقنيات الجيل الرابـع مـن الثـورة الصـناعية .
ويعد إطلاق صاحب السمو أعلن سمو الشيخ محمد بـن راشـد نائـب رئـيس الدولـة رئـيس مجلـس الـوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، في أكتوبر عام 2017 اسـتراتيجية الإمـارات للـذكاء الاصـطناعي، أول مشروع ضخم ضمن مئوية الإمارات 2071 للارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وخلـق بيئـات عمل مبدعة ومبتكرة ذات إنتاجية عالية من خلال استثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصـطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل ، واستثمار كافة الطاقات واستغلال الموارد والإمكانـات البشـرية والمادية المتوفرة على النحو الأمثل وبطريقـة خلاقـة تعجـل تنفيـذ البـرامج والمشـاريع التنمويـة .
أخيرا وليس آخراً نقول : إن تجربة دولة الإمارات العربية الحضارية، وسعيها الحثيث للحاق بأحدث ما توصل إليه العلم من تقنيات، جعلها مركز جذب للكثير من العقول والمبدعين، وخلق منها بيئة خصبة لمشاريع المستقبل الكبيرة التي باتت العنوان الرئيس لمسيرة هذه البلاد الواعدة.


تعليقات الموقع