مواسم الفرح
كأنها مواسم الخير التي تغمرنا في كل عام، حيث تنتشر أفراحنا الوطنية في ربوع الوطن البهجة و الفخر، وتلقي بظلالها على كل مناحي الحياة.
في بداية هذا الشهر كان يوم العلم الوطني الإماراتي، وبعدها بأيام ليست كثيرة يبدو الوطن على موعد كبير مع يوم الشهيد، الذي يخلد ذكرى شهداء الوطن وبعده سنكون على موعد مع اليوم الأهم عيد الإتحاد، الذي يشكل جل أعيادنا وأهمها ، وكل هذه الأعياد تأتي في عام زايد، رمز الخير والعطاء، وملهم أبناء الإمارات وصانع مجدها الراحل الكبير، والمعلم الملهم الذي أسس صرح هذا البناء الحضاري.
في كل شارع وفوق البيوت والمؤسسات الحكومية والخاصة، يبدو علمنا الوطني مرفرفاً عالياً يروي قصة شعب مكافح ،وقيادة مؤمنة، إنه موسم أفراحنا الوطنية بامتياز.
ويوم الشهيد،الذي نحن على موعد معه في نهاية هذا الشهر، هو يوم وطني تعبر فيه دولة الإمارات العربية المتحدة عن تقديرها لتضحيات شهدائنا الذين ضحّوا بأرواحهم،وقدموا الغالي والنفيس دفاعاً عن الوطن، وعن كرامته، ومن أجل أن يحيا أبناء هذا الوطن بعزة وكرامة. وبالتالي فإن الاحتفال بيوم الشهيد ما هو إلا رد للجميل وفرصة للتعبير عن احترامنا للشهيد وقيم الشهادة والمعاني الكبيرة التي تجسد فيها الشهادة الترابط الحقيقي بين الوطن والقيادة والشعب. وعندما كان قرار الاحتفال بيوم الشهيد في شهر نوفمبر من كل عام، فإن ذلك كان سعياً مخلصاً لتكريم هؤلاء الأبطال، و تخليداً ووفاءً وعرفاناً بتضحيات شهداء الوطن وأبنائه البررة، الذين وهبوا أرواحهم لتظل راية الإمارات خفاقة عالية، وهم يؤدّون مهامهم وواجباتهم الوطنية داخل الوطن وخارجه. ليس في ساحات القتال وحسب،وإنما في الميادين المدنية والعسكرية والإنسانية كافة.
وإذا كان الوطن سيحتفل كما هو دائماً بالشكل الذي يليق بهذه المناسبة، حيث تقام مراسم وفعاليات وطنية خاصة يشارك فيها كافة مؤسسات الدولة، وكل أبناء شعب الإمارات والمقيمين فيها، استذكاراً وافتخاراً بقيم التفاني والإخلاص، التي يجسدها الشهداء، فإنها ستكون مناسبة عظيمة، لتجديد الولاء والانتماء المزروع في نفوس أبناء الإمارات لبلادهم وقيادتهم الحكيمة والمخلصة.
ذلك أن قيم التضحية والشهادة في سبيل الوطن، ما هي إلا موروث سامٍ عن الراحل الكبير الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه. والذي يتجسد في شهداء هذا الوطن، الذين استحقوا كل الإجلال والإكبار.
ومع أن هذه المناسبة الكبيرة تبدو مناسبة وطنية عامة، إلا أنها تبدو بالنسبة لأسر الشهداء ولا سيما زوجاتهم، فرصة لتأكيد دورهن في الحياة، بكل جدارة واقتدار. لأن زوجة الشهيد تغدو بعد رحيل زوجها، الأم والأب معاً، التي حرمت من زوجها ومن شريك عمرها وركن أسرتها. فالمرأة مهما اعتادت على غياب زوجها بين حين وآخر، لكنها تبقى مطمئنة لعودته، لكنه عندما يرحل عن هذه الحياة، تفرض عليها الظروف نضالاً لا ينتهي في مهبّ الرياح والمخاطر. حيث يناط بها القيام بدور مكثف لتحمي عائلتها التي أسّستها مع شريك حياتها و زوجها الشهيد الذي قدم روحه رخيصة لأجل الوطن.
وإذا كانت تربية الأولاد والحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية، من أولى المهمات التي يفرضها عليها الواقع الجديد، فإن أكبر المهام وأسماها بالنسبة لهذه المرأة، هي غرس القيم الوطنية التي استشهد من أجلها زوجها، في نفوس ابنائه، ليحملوا المباديء والأفكار التي كان يؤمن بها، ويواصلوا مسيرة العطاء من بعده.
ولعل هذه التجربة القاسية هي ما أدخلتني الظروف في غمارها إذ صحوت يوماً على الخبر المفجع، الذي رغم ألمه لم يفقدني القدرة على الاستمرار في رسالتي السامية في الحياة، وهي رسالة الأمومة، وذلك بفضل إيماني القوي بالله تعالى، وقناعتي بأن زوجي الشهيد حي في ملكوت الله، الذي قال في محكم كتابه العزيز:” وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا .. بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ” صدق الله العظيم.
وبفضل الصلاة وإحاطة المقرّبين لي، ودعم قيادتنا الحكيمة والمسؤولين في بلدنا الحبيب لأسر الشهداء، وجدتني أقف من جديد على قدمي،بصلابة من أجل أولادي لأربّيهم وأبقي ذكرى والدهم حيّة في ما بيننا.
ومع أن أولادي باتوا هم حياتي وهدفها الأول والأخير بعد رحيل زوجي الشهيد، لكنني مدركة إدراكاً يقينياً أنّ زوجي الشهيد يرافقنا بالروح حتى لو لم نستطع رؤيته بيننا.
إذ أراه حاضراً يراقبني وأنا أدرس الأطفال وأساعدهم في واجباتهم المدرسية، و أراه معي في كل مكان، يشاركني فرحة النجاح، ويتقاسم معي تعب الحياة وصعوباتها.
وأرى وجهه في ابتسامة أطفالي وأنا أودعهم في طريقهم إلى المدرسة، ويذكرني إن نسيت شيئاً لأجلهم.
لقد رحل زوجي بشجاعة عندما ناداه الواجب، فكان يمسك علم بلاده بيد، وبالأخرى راية الإنسانية التي اختزلت صورة هذا الوطن الحبيب، في قلبه، فحبه الكبير لوطنه ولي ولأهله هو الذي قاده إلى الشهادة رافعًا رأسه بكل شموخ وافتخار.
والحقيقة أن هذه السطور التي أكتبها ليست فقط تكريماً للشهيد الذي كرمه الله والوطن وحسب. وإنما هي دعوة صادقة ومن القلب لكل زوجة شهيد إلى التعالي على جراحها، إن لم يكن من أجل نفسها فمن أجل أولادها وعائلتها التي هي بأمسّ الحاجة إلى وجودها، قويّة صلبة وواعية ومؤمنة بقضاء الله وقدره،وقادرة على مواجهة الصعاب التي ألقتها الحياة على كاهلها.
واخيرا وليس آخرا لابد في هذه العجالة من تقديم كل التحية والامتنان لقيادتنا الحكيمة والوطنية، التي زرعت في النفوس حب الوطن، بما تمثله من قدوة حسنة، ومن مواقف وطنية صادقة، لا تهدف إلا إلى رفع راية بلادنا عاليا، وتحقيق الأمن والأمان لهذه البلاد الكريمة، التي باتت مضرب الأمثال في العطاء والوفاء والتضحيات.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.