اتجاهات مستقبلية
أزمة الإخوان المسلمين وإشكالياتهم الشموليةّ
تعيش جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية أزمة ممتدة ومتفاقمة منذ إنهاء فترة حكمها التي لم تتجاوز العام في مصر، تلك الفترة التي غلَّبت فيها الجماعة مصالحها الفئوية وامتيازاتها على المبادئ التي ارتكز عليها خطابها السياسي والدعوي كما حاولت تسويقه، وانصب اهتمامها على كيفية ترسيخ أقدامها في الحكم، غير مبالية بالشراكة الوطنية كأحد أهداف الحركة الشعبية المصرية.
هذا الاستئثار بالعمل السياسي الذي مارسه “الإخوان” خلال فترة حكمهم في مصر، وفي أماكن أخرى، يمثل مكوناً أصيلاً في بنائهم الفكري؛ ويترافق مع عدد من التوجهات الأخرى التي تعكس هذه الطبيعة الشمولية، ومن بينها تقديس مرشدهم؛ فرسائل حسن البنّا التي تسير على خطاها الجماعة الإرهابية غير قابلة للمراجعة أو النقد، وهو فوق الخطأ والانتقاد. والملاحظ أن الدوائر القريبة من القيادة الإخوانية لم تكتف بالانشغال ببناء هذه الهالة الاستثنائية، بل سار على منوالها أتباعهم في تنظيمات الإخوان خارج مصر وفي المنطقة العربية والعالم.
ومبدأ “السمع والطاعة” الذي يعتنقه “الإخوان” ما هو إلا أحد مظاهر هذه الشمولية، ويحمل من الجمود والاستبداد ما يقوّض أي توجهات محتملة لدى الجماعة وأتباعها لإعمال حرية الرأي أو الديمقراطية التي يزعمون أنهم يدافعون عنها في الغرب، ناهيك عن تقويض البنى والهياكل السياسية والاقتصادية والاستراتيجية في المجتمع والقائمة على التعددية وحكم القانون.
ومن الأمور الكاشفة هنا ما أظهرته فترة حكم محمد مرسي في مصر من وجود دولة أخرى موزاية للدولة الرسمية يحكمها مرشد الإخوان، فالقرارات التي كان يتخذها مرسي إبان فترة حكمه كانت تُناقش أولاً في مكتب الإرشاد، ثم تطرح على الرئاسة فيما بعد، وتلك التي كانت تصدر من المؤسسات الرسمية كانت تُراجع في مكتب الإرشاد ويتم تغييرها، ليبدو تسيّير إدارة الدولة وتحديد أولوياتها وصناعة قراراتها بيد “الإخوان” حصراً.
وما أسهب فيه “الإخوان” هو سرد التحولات التي سيشهدها المجتمع المصري في حال اعتلائهم سدة الحكم، ونشوء عهد زاهر جديد على أيديهم وعلى مختلف الصعد، ليتبيّن أنهم قدموا نموذجاً شمولياً يدور حول الحفاظ على بقائهم في السلطة، واستبعاد عدد من الأحزاب والحركات والشخصيات بشكل استباقي عن المشهد السياسي، وزرع عناصر إخوانية من الجماعة في مفاصل الدولة الرئيسية من وزارات ومؤسسات وهيئات مختلفة.
ولجعل السرد الإخواني أكثر قبولاً وتأثيراً، فقد تبنوا منظوراً يقول بتفردهم وصدق إيمانهم وامتلاكهم الحقيقة دون غيرهم، فهم على الصواب دائماً كما يحاولن التسويق، ولذلك فإن تقسيماتهم للمجتمع انطلقت من عنصرية دينية تعتمد على القرب والبعد عن جماعتهم، واضعة إياهم في مرتبة عليا، وتنعكس على سلوكهم استعلاءً.
وتبلغ الشمولية أقصاها، عند فرض “الإخوان” على أتباعهم الولاء المطلق بلا قيود أو شروط للتنظيم، ليتم العمل على تحويل العضو إلى “جندي مخلص” على أتم الاستعداد لتنفيذ جميع الأوامر والتعليمات، مكرساً تبعيته الكاملة للجماعة ولقيادتها ممثلة في المرشد العام الذي تمت مبايعته، أياً كان موقعة أو مركزه في مؤسسات الدولة الرسمية.
كما أن لخيبة الأمل الشعبية في الجماعة، التي أفرزتها ثقافة الاستحواذ الإخوانية، بعداً آخر يتعلق بعدم الاستفادة من طاقات الشباب الذي قاد الحراك الثوري وتعمد إبعادهم وتهميشهم، وهو الأمر الذي جعل الجماعة في النهاية منبوذة مجتمعياً بعد اتضاح حقيقة أهدافها ومواقفها.
ولا ينفصل المستقبل عن الماضي القريب؛ فشمولية الإخوان وسعيهم “لأستاذية العالم” واستعلاؤهم على الآخرين ونبذهم، وفشلهم في إدارة شؤون الحكم، وسياساتهم التي قادت إلى تقسيم المجتمعات وإضعافها من الداخل، كل ذلك رسَّخ القناعة الشعبية بعدم أهليتهم لتولي السلطة، وأكد عدم عودتهم للحياة السياسية أو المشاركة فيها خلال المديين القريب أو المتوسط، وربما اتجاه الجماعة نحو مزيد من التشظي والانقسام هو الذي جعل أكبر داعميها يتراجعون عن دعمها بعدما ثبت عدم جدوى المراهنة عليها.
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.